
محمد رامي
في ظل انتظارات طويلة امتدت منذ 2014 لإعادة افتتاح حديقة الحيوانات عين السبع بالدار البيضاء، يبدو أن المفاجآت لم تنحصر في جاهزية المشروع، بل شملت كذلك التسعيرات المرتفعة التي باتت تهدد بتحويل هذا الفضاء العمومي إلى مكان بعيد المنال بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود.
فوفقا لمشروع العقد المنتظر المصادقة عليه من طرف جماعة الدار البيضاء، ستتولى شركة “دريم فيلاج” تدبير الحديقة.
وبينما تعهدت الشركة بتحقيق مجموعة من المعايير التقنية والصحية، برزت معطيات صادمة حول تكاليف الولوج والخدمات المرافقة. إذ سيتعين على الزوار البالغين دفع 80 درهماً للتذكرة (وترتفع إلى 100 درهم بحلول 2029)، بينما سيُطلب من الأطفال تسديد 50 درهماً (لتصل إلى 60 درهماً مستقبلاً). وتضاف إلى هذه المصاريف رسوم ركن السيارات المحددة في 15 درهماً، إلى جانب التكاليف المترتبة عن المرافق الأخرى مثل الأكشاك والمطاعم.
إذا كنت تعتقد أن حديقة عين السبع ستكون فضاء عموميا يعكس قيم الترفيه المجاني أو شبه المجاني، فأنت مخطئ. يبدو أن “دريم فيلاج”، الشركة المنتظر التفويض لها، ستحكم قبضتها التجارية على الحديقة، أما مجلس المدينة، فدوره بات يقتصر على فتح الباب على مصراعيه أمام الاستثمار على حساب “الطبقات المرهقة”.
كيف يمكن لعائلة من الطبقة المتوسطة أو الفئات الهشة أن تستمتع بيوم في الحديقة؟ الحساب بسيط : تذكرة للأب، تذكرة للأم، وربما طفلان وإذا أضفنا رسوم السيارة ووجبة خفيفة، فقد يتحول اليوم إلى عبء مالي يُضاف إلى قائمة طويلة من المصاريف التي تنوء بها الأسر المغربية.
ما الذي يدفع مجلس الدار البيضاء إلى تمكين الشركة المفوض لها هذا المرفق دون وضع قيود حقيقية على الأسعار؟
ألا توجد ضوابط تضمن العدالة الاجتماعية في الاستفادة من المرافق العمومية؟ أم أن “الربح أولاً” هو المبدأ الوحيد الحاكم؟
هذه الأرقام تشكل عبئاً واضحاً على الأسر، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الطبقة المتوسطة والفئات الهشة. فالحديقة، التي كان يُفترض أن تكون متنفساً بيئياً وترفيهياً في متناول الجميع، تحولت إلى مشروع تجاري يستنزف جيوب المواطنين، في ظل سياسة تمكين الشركات المفوضة من السيطرة الكاملة على المرافق والمداخيل.
إن استمرار نهج التفويض بهذا الشكل يُثير تساؤلات حول أولوية الشفافية والعدالة الاجتماعية في إدارة المرافق العمومية. كيف لجماعة الدار البيضاء أن تُطلق يد الشركة المفوض إليها دون وضع سقف عادل للأسعار أو ضمان توازن بين تحقيق الربح وتقديم الخدمة العمومية؟ وهل ستساهم هذه السياسة في تعزيز ثقة المواطنين بالمجالس المنتخبة أم أنها ستزيد من شعور الإقصاء والاستغلال؟
ينبغي على مسؤولي المدينة مراجعة هذه الأسعار بما يتلاءم مع القدرة الشرائية للمواطنين، وإيجاد صيغ تضمن استفادة كافة الفئات الاجتماعية من مرافق الحديقة. كما يتوجب تعزيز المراقبة على الأنشطة الملحقة لمنع تحولها إلى فضاء للاحتكار ورفع الأسعار دون رادع.
ما يحدث في حديقة عين السبع ليس سوى مرآة لسياسة أوسع تضحي بالعدالة الاجتماعية لصالح المصالح المالية بمدينة الدار البيضاء. وبينما يُدافع البعض عن هذه الخطوات بوصفها “شراكات مربحة”، تظل الأسر تتساءل من أين لنا أن نعيش حياتنا كبشر في مدينة تهرب منا كل يوم؟
حتى إشعار آخر، ستظل حديقة عين السبع مشروعًا مفوضًا بشراهة تجارية، وشاهدة على قصص إهمال الحقوق باسم التنمية… المربحة فقط.
تعليقات
0