مرة أخرى، يجد المستثمرون أنفسهم غير مقتنعين بشروط الحكومة لتمويل سندات الخزينة، حيث كشفت مديرية الخزينة والمالية الخارجية أن آخر مناقصة لسندات الخزينة شهدت تغطية بقيمة 950 مليون درهم فقط من أصل مبلغ إجمالي معروض قدره 2.79 مليار درهم، وهو ما يمثل نسبة تغطية لم تتجاوز 34%. يأتي هذا الإقبال المحدود رغم طرح سندات طويلة الأجل لمدة 20 سنة بسعر فائدة بلغ 3.791%.
هذا الإخفاق يعكس شكوك المستثمرين إزاء جدوى الاستثمار في ظل هذه الشروط، ما يثير تساؤلات جادة حول قدرة الحكومة على تعبئة السيولة المطلوبة داخلياً. فرغم أن الفائدة المعروضة تعتبر مغرية بالنظر إلى الأجل الطويل، إلا أن النتيجة المحدودة تشير إلى حذر واضح من المستثمرين، الذين يبدو أنهم ينظرون بحذر إلى المخاطر طويلة الأمد، خصوصاً مع الأوضاع الاقتصادية الدولية المتقلبة وارتفاع معدلات الفائدة عالمياً.
من جهة أخرى، يبدو أن السوق الداخلي يعاني من شح السيولة، حيث تتزايد ضغوط تمويل القطاع الخاص، مما يقلل من قدرة المؤسسات المالية على تخصيص مواردها لتمويل الدين العام. إضافة إلى ذلك، يبرز غياب رؤية واضحة لإدارة الدين العمومي كعامل يزيد من تردد المستثمرين، إذ لا تزال هناك شكوك حول قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها على المدى الطويل دون إرهاق الميزانية العامة أو اللجوء إلى مزيد من الاقتراض الخارجي.
اختيار الحكومة للسندات طويلة الأجل يظهر سعيها لتأمين تمويل مستدام وتخفيف الضغط عن الاستحقاقات قصيرة الأجل، لكنه أيضاً يضعها في مواجهة تحديات متزايدة. فقد أصبحت الحاجة ملحّة لإعادة تقييم سياساتها التمويلية. هذا قد يشمل تحسين شروط العروض أو توسيع قاعدة أدوات التمويل عبر اللجوء إلى خيارات بديلة .
اللافت أن هذا الإخفاق ليس الأول من نوعه، إذ سبق أن شهدت الحكومة قبل شهر فقط إخفاقاً آخر في مناقصة مماثلة لسندات بقيمة 4.21 مليار درهم، حيث لم تتجاوز التغطية حينها مليار درهم فقط. هذا التكرار يعزز المخاوف حول تراجع جاذبية السوق الداخلية في تلبية الاحتياجات التمويلية للحكومة، ما يهدد بزيادة تعقيد إدارة الدين العمومي.
الحكومة تواجه الآن ضغوطاً أكبر لإيجاد حلول مبتكرة، ليس فقط لتعزيز ثقة المستثمرين في سوق الدين المحلي، ولكن أيضاً لتأمين موارد مالية تمكنها من الاستمرار في تنفيذ مشاريعها التنموية وتحقيق استقرار اقتصادي. مع توقعات بارتفاع محتمل في أسعار الفائدة مستقبلاً، يبدو أن الحكومة مطالبة بخطوات جريئة لإعادة بناء الثقة وتعزيز جاذبية السوق المالية، قبل أن تتحول هذه التحديات إلى أزمات أعمق تمس استقرار الاقتصاد الوطني.
تعليقات
0