ايذي: مشروع مالية 2025 غارق في العموميات ويفتقد للأثر الاجتماعي والبعد التنموي
أنوار التازي
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 - 14:07 l عدد الزيارات : 78377
قال رئيس الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين يوسف ايذي، إن الاقتصاد ليس أرقاما وتوقعات فقط، بل هو رؤية وأهداف تنموية يتم تفعيلها من خلال قوانين المالية. وبالتالي فهل مشروع قانون المالية لسنة 2025، يندرج في إطار أهداف البرنامج الحكومي في المجال الاقتصادي الهادفة إلى تحقيق نمو قوي ومستدام ومنتج لفرص الشغل ومتضامن، يقوم على دعم الطلب الداخلي بتحسين القدرة الشرائية وتدعيم الاستثمار، وعلى تقوية الطلب الخارجي بالرفع من تنافسية المقاولات المغربية وقدرتها على اختراق الأسواق، وجعل الاقتصاد الوطني قادرا على التموقع الجغرافي والتنموي ضمن مصاف الدول الصاعدة خلال السنوات القليلة المقبلة؟
وتساءل يوسف ايذي في مداخلته خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2025 اليوم الاربعاء 4 دجنبر بمجلس المستشارين، عن مدى إندراج مقتضيات وأهداف مشروع قانون المالية المقبل ضمن تحسين الحكامة ومحاربة المضاربة والاحتكار والريع، وتطوير نجاعة الإدارة وتحسين مناخ الأعمال ودعم الاستثمار وتقوية البعد الترابي والجهوي للتنمية، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة؟ وهل مقتضيات قانون المالية 2025 تحمي المواطنين وتضمن كرامتهم وتستجيب لأولوياتهم، في إطار مغرب أقوى وأكثر إنصافا؟ وهل مقتضيات وأهداف مشروع قانون المالية 2025، تندرج في إطار ركائز الدولة الاجتماعية التي توفر الحماية لمواطنيها مدى الحياة؟ سواء بإحداث الدخل الاجتماعي لتماسك وكرامة الأسرة، أو الرعاية الصحية الجيدة لصون كرامة المواطن؟
وشدد ايذي، على أن مشروع قانون المالية لسنة 2025، هو وثيقة محاسبية وليس وثيقة رقمية لتصريف السياسات العمومية، بسبب احتوائه على خليط من الإجراءات الاقتصادية، مما يدفع إلى التساؤل: هل هذا المشروع يعبر فعلا عن سياسة إرادية لبسط نموذج اقتصادي تنموي معين؟ فهو يفتقد لمرجعية اقتصادية تحدد فلسفته وماهيته. بل إنه مشروع نمطي، لا يعكس العلاقة الجدلية بين التدبير المالي والهدف الاقتصادي والأثر الاجتماعي والبعد التنموي.
أكد أيذي، أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 غارق في العموميات، وتكرار للأهداف والمبادئ التي أسست عليها مختلف قوانين المالية السابقة، فهو لا يتضمن أي إجراءات عملية لإرساء الحكامة الاقتصادية، وتحسين مناخ الأعمال ومحاربة المضاربات والاحتكار المضر بالنظام الاقتصادي، ولا يتضمن أي إجراءات لتفعيل التتبع والتقييم لعقود الاستثمار والتزامات المستثمرين فيما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية المستفيدة من التحفيزات العمومية. كما لا يتضمن أي إجراءات لاعتماد البرامج التعاقدية ودفاتر التحملات لمحاربة اقتصاد الريع والحد من الاحتكارات.
أضاف أيذي، “في غياب أي إجراءات لإصلاح النظام الجبائي إصلاحا شمولياً، لتحقيق مبدأ العدالة الضريبية، جاء مشروع قانون المالية بمراجعة جدول أسعار وأشطر الضريبة على الدخل، ونحن إذ نؤكد على أهمية هذا الإصلاح الجزئي، خاصة أمام واقع الارتفاع المهول لتكاليف العيش، فإننا ننبه إلى ضرورة الانكباب على ورش إصلاح النظام الجبائي، باعتبار السياسة الجبائية عاملا حاسماً في دعم الاستثمار المنتج وفي التحفيز على إنتاج الثروة وإحداث فرص الشغل، من خلال قواعد وآليات للإنصاف الجبائي، وملاءمة قواعد القانون الجبائي مع القواعد العامة للقانون، وتكثيف عمليات محاربة الغش والتملص الضريبيين.” مشيرا أن هذا الورش الإصلاحي لازال مؤجلاً كغيره من الأوراش الإصلاحية الكبرى، إلى حين توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمباشرة الإصلاحات الهيكلية غير القابلة للتسويف والانتظار.
وسجل أيذي، أنه إذا كانت الحكومة قد اعتبرت في برنامجها “محاربة الفساد أولوية وطنية، والتزمت بالعمل على تطبيق الآليات الرقمية بالمصالح الإدارية لتقليص فرص الفساد الإداري، فما هو التفسير لتراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، خاصة وأن ظاهرة الفساد تكلف المغرب ما يفوق 50 مليار درهم سنويا (من 3.5 إلى6% من الناتج الداخلي الخام)، مشيرا إلى “أننا لا نرى تدابير جدية للحد من تفاقم وضع الفساد، ونسجل، بكل أسف، ضعف فعالية الجهود الحكومية للتصدي لهذه الآفة الخطيرة.”
وشدد المتحدث، على أنه كان من بين أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، “جعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس وبصفة مستمرة وتعزيز ثقة المواطنين، وتحسين مناخ الأعمال وتموقع المغرب دولياً”، لكن للأسف، ظلت هذه الأهداف بعيدة المنال. وقد نبه الفريق الاشتراكي غير ما مرة لهذا القصور البيِّن في توطيد قيم النزاهة والحد من الفساد، و لتجاوزات تحديد الأسعار، خاصة الارتفاع المهول لأسعار المحروقات والتي حققت معه الشركات هوامش ربـــح مفرطة، مما أضر غاية الضرر بالقدرة الشـــرائية للمواطنات والمواطنين، فضلا عن تأثيراته الكارثية على القدرة التنافسية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ولم تحرك الحكومة ساكنا.
وتابع أيذي في هذا السياق، “أين الحكومة من التزامها الصريح في برنامجها “بتتبع أكبر للمعاملات الاقتصادية اليومية في إطار محاربة الغش والفساد”؟ ويبقى السؤال متمردا في أذهاننا، ليس عن أسباب ارتفاع الأسعار وتدابير مكافحة التضخم، بل عن سبب العجز عن تحسين القدرة الشرائية للمواطنين؟ وإن كنا نتفهم تداعيات ما يسمى ب«التضخم المستورد”، والتضخم الذي تفرضه الطبيعة، فإننا لا نفهم عجز الحكومة عن محاربة التضخم الناتج عن المضاربة في الأسعار والاحتكار؟”
وأشار ايذي، أن الفريق الاشتراكي، نبه غير ما مرة لملفات نهب المال العام وتبديده، من نهب الرمال ونهب المعادن والاستيلاء على الثروتين الغابوية والبحرية، فضلا عن استباحة المال العام بواسطة الرشوة واستغلال النفوذ، وشيوع اقتصاد الريع سواء الريع الناجم عن الاحتكار، أو الحصول على امتيازات غير مشروعة، أو استغلال التأثير الذي توفره السلطة السياسية على القرار الاقتصادي، والتحكم في المعلومة الاقتصادية وشتى أنواع الممارسات التحايلية التي تقوم بها بعض اللوبيات الجشعة وبعض الفئات المتنفذة والمستفيدة. كما توسعت دائرة الرشوة سواء في مجال الصفقات العمومية أو التفويتات المشبوهة. ومما يذكي هذا النوع من الممارسات غياب آليات دقيقة للمحاسبة. والخطير أن المال العام يستباح في بلد هو في أمس الحاجة لإنجاز أوراشه التنموية وتلبية المطالب الاجتماعية للمواطنين.
وأوضح ايذي، أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات شككت في شفافية التدبير الحالي للعديد من المؤسسات العمومية والجماعات المحلية. وبدون السقوط في كيل الاتهامات وانتهاك قرينة البراءة، نحملكم، مسؤولية وضع حد لنظام الامتيازات الذي ينخر الجسم الاقتصادي الهش. نحملكم مسؤولية توفير المناخ الملائم للمنافسة الشريفة ولحرية المبادرة وتكافؤ الفرص ومكافحة اقتصاد الريع وصنوف المضاربة والاحتكار.
تعليقات
0