يثير التقرير الأخير لبنك المغرب حول السياسة النقدية للفصل الثالث من سنة 2024 نقاشا حول وضعية الدين الداخلي والخارجي للمملكة. إذ بلغت إصدارات الخزينة في السوق الداخلية 60,6 مليار درهم، بزيادة بلغت 53% مقارنة بالفصل السابق. توزيع هذه الإصدارات يعكس اعتمادًا أكبر على الآجال الطويلة (61%)، متبوعة بالآجال المتوسطة (30%)، والقصيرة (9%).
فوفقا لتقرير وزارة الاقتصاد والمالية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2025، بلغ حجم دين الخزينة حوالي 1053,5 مليار درهم في النصف الأول من سنة 2024، مسجلًا زيادة قدرها 3,6% مقارنة بمتم سنة 2023. كما بلغت احتياجات تمويل الخزينة حوالي 109,2 مليار درهم، مع تسجيل حجم صافي الاحتياجات ما يقارب 30,5 مليار درهم.
أما فيما يتعلق بتوزيع الدين، فقد بلغ الدين الداخلي 794,9 مليار درهم، بارتفاع قدره 4,2% مقارنة بنهاية 2023، بينما سجل الدين الخارجي 258,6 مليار درهم، بزيادة نسبتها 2%. هذا التباين يعكس اعتمادًا كبيرًا على السوق الداخلي لتعبئة التمويلات، حيث بلغت هذه الأخيرة حوالي 90,6 مليار درهم داخليًا مقابل 21,09 مليار درهم خارجيًا.
ويظهر التوزيع الزمني لإصدارات الخزينة تركيزًا ملحوظًا على الآجال الطويلة بنسبة 61%، متبوعة بالآجال المتوسطة بـ 30%، ونسبة ضئيلة لا تتجاوز 9% على الآجال القصيرة. هذا النهج يشير إلى أن الحكومة تسعى إلى تمديد فترة استحقاق الدين، مما يخفف الضغط المالي على المدى القصير. ومع ذلك، فإن ارتفاع الرصيد الجاري لسندات الخزينة بنسبة 8,3% ليصل إلى 757,4 مليار درهم يعكس نموًا مستمرًا في حجم الدين العام، وهو ما قد يزيد من أعباء خدمة الدين على المدى الطويل.
ورغم انخفاض إصدارات شهر أكتوبر إلى 9 مليارات درهم مقارنة بـ 13,6 مليار درهم في شتنبر، إلا أن هذه الأرقام تطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذه الوتيرة، خاصة إذا استمرت الضغوط المالية الناتجة عن تزايد العجز وارتفاع النفقات العمومية.
تظهر الأرقام ارتفاعًا في تحملات الفوائد والعمولات المتعلقة بدين الخزينة، التي بلغت 21,6 مليار درهم في النصف الأول من سنة 2024 مقارنة بـ 19,7 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. ويعزى هذا التطور إلى ارتفاع الفوائد والعمولات المتعلقة بالدين الخارجي، مما يشكل عبئًا إضافيًا على المالية العامة.
من جهة أخرى، تراجع حجم سداد أقساط دين الخزينة بشكل ملحوظ، حيث انخفض من 155,2 مليار درهم في يونيو 2023 إلى 81,1 مليار درهم في يونيو 2024، نتيجة لانخفاض أقساط الدين الداخلي بحوالي 84,6 مليار درهم. إلا أن هذا التراجع قابله ارتفاع في سداد الدين الخارجي بمقدار 10,5 مليار درهم، وهو ما يعزى أساسًا إلى استحقاق سندات دولية بقيمة مليار أورو.
بالنظر إلى هذه المؤشرات، يظهر أن الدين العمومي للمغرب يشهد زيادات مستمرة قد تثير مخاوف حول تأثيرها على الاستقرار المالي. الارتفاع في الاقتراض الداخلي، مع تحملات فوائد مرتفعة، يعكس ضغوطًا مالية متزايدة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتقليص النفقات الصافية للدين الداخلي، فإن الاعتماد الكبير على الدين الداخلي والخارجي معًا يطرح تساؤلات حول استدامة هذه السياسة على المدى الطويل.
في هذا السياق، يبدو أن الحكومة تواجه تحديًا مزدوجًا يتمثل في تحقيق توازن بين تمويل احتياجاتها المالية من جهة، والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي من جهة أخرى. فهل تشكل هذه السياسات المالية جزءًا من استراتيجية متحكم بها، أم أن الوضع الحالي يعكس توجهًا مقلقًا قد يثقل كاهل الاقتصاد الوطني في المستقبل؟
تعليقات
0