المواطن المغربي الحلقة الأضعف في سلسلة استغلال لا تنتهي …

                         محمد رامي

المغرب يتصدر قائمة أغلى دولة عربية من حيث أسعار  المحروقات

وفقاً للبيانات الحديثة الصادرة عن موقع “Global Petrol Prices” لشهر دجنبر 2024 ، تصدر المغرب قائمة أغلى دولة عربية من حيث أسعار  المحروقات، حيث بلغ 1.12 دولار، تليها الأردن بسعر 0.95 دولار، ثم سوريا بسعر 0.76 دولار. هذه الأسعار المرتفعة تعكس جزئياً غياب أو تخفيض الدعم الحكومي المقدم لهذه المادة الحيوية، مما يرفع التكلفة النهائية للمستهلكين.

هكذا، عندما يصبح المغرب صاحب أعلى تكلفة للمحروقات في العالم العربي بسعر 1.12 دولار للتر الواحد، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هذا السعر يعكس حقًا معطيات السوق العالمية، أم أننا أمام مشهد آخر من مشاهد الاحتكار والجشع؟

لا يخفى على أحد أن المغرب يعتمد على استيراد المحروقات، ومع ذلك فإن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الفاضح لا يمكن تفسيره فقط بعوامل خارجية. الحقيقة المُرّة أن سوق المحروقات في المغرب أضحى رهينةً لشركات كبرى تتحكم فيه بلا حسيب ولا رقيب.

 منذ قرار حكومة بنكيران  تحرير سوق المحروقات في 2015، تحولت هذه الشركات إلى اللاعب الوحيد في الميدان، ترفع الأسعار كما تشاء وتُبقيها مرتفعة حتى عندما تنخفض الأسعار العالمية، دون أي التزام بحماية المستهلك أو مراعاة القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة.

قد يظن البعض أن الدولة غائبة عن المشهد، لكنها في الواقع أكثر من غائبة، بل  شريك صامت. الضرائب المفروضة على المحروقات هي الأعلى في المنطقة، وتشكل موردًا سخيًا لخزينة الدولة. وفي هذا السياق، يتحمل المواطن وحده عبء جشع الشركات وضريبة الحكومة، وكأنه دُفع ليكون الحلقة الأضعف في سلسلة استغلال لا تنتهي.

ما يزيد من مرارة المشهد هو قرار مجلس المنافسة والذي أكّد بشكل واضح أن سوق المحروقات في المغرب يعاني من غياب المنافسة الحقيقية وهيمنة عدد محدود من الشركات الكبرى. 

ورغم هذا الاعتراف الرسمي، لم نرَ حتى الآن أي خطوات جادة لكسر هذا الاحتكار أو تنظيم السوق بما يضمن عدالة الأسعار.

لقد شهد الرسم الداخلي على استهلاك المواد الطاقية (TIC) في المغرب تطورا ملحوظا في الإيرادات المسجلة حتى نهاية نونبر 2024،  وفقا للتقرير الشهري لإحصائيات المالية العامة الصادر عن الخزينة العامة للمملكة، بلغت الإيرادات الصافية الناتجة عن الرسم الداخلي المفروض على المنتجات الطاقية 16.201 مليون درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 11% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023.

إن ما يجري في سوق المحروقات في المغرب ليس مجرد أزمة اقتصادية مرتبطة بالأسعار الدولية، بل هو أزمة أخلاقية تعكس  انعدام الرقابة من جهة وضعف الإرادة السياسية لحماية المستهلك . 

فكيف يمكن تفسير غياب التدخل الحكومي لفرض تسقيف للأسعار أو تخفيف العبء الضريبي؟

 هل يعقل أن يُترك المواطن وحده يدفع الثمن في ظل غياب رؤية واضحة لإصلاح هذا القطاع الحيوي؟

لقد آن الأوان لاتخاذ قرارات جريئة تعيد التوازن لهذا السوق. على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها بتقليص الضرائب وتوجيه الدعم للفئات الأكثر تضررًا. 

كما أن كسر احتكار الشركات الكبرى أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لإنصاف المستهلك، ولكن أيضًا لإعادة الثقة إلى مؤسسات الدولة التي تبدو عاجزة أمام نفوذ هذه الشركات.

ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب ليس قَدَرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات اقتصادية خاطئة وسياسات تقاعست عن حماية المواطن.