تقرير مجلس المنافسة حول شركات المحروقات… عندما يصبح الربح أولوية والشفافية خيارا مهمل

علي الغنبوري الخميس 23 يناير 2025 - 17:09 l عدد الزيارات : 79754

سوق المحروقات في المغرب يقدم صورة نموذجية عن اقتصاد يحتكر فيه القوي التحكم في مفاصل السوق، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية مع غياب الرقابة الفعلية، مما يترك المستهلك في مواجهة اختلالات صارخة، فتقرير مجلس المنافسة الأخير للربع الثالث من سنة 2024 ليس مجرد وثيقة رصد للأرقام والمؤشرات، بل هو شهادة على الفشل المستمر في خلق بيئة تنافسية حقيقية في هذا القطاع الحيوي، حيث ان التحليل العميق لهذه الأرقام يكشف عن دينامية معقدة يسيطر فيها القلة على السوق، مع غياب أي دافع حقيقي لتخفيض الأسعار أو تحسين الخدمات.

الأرقام تظهر أن هوامش الربح للشركات التسع المهيمنة على السوق تتجاوز الحدود المقبولة في أي بيئة اقتصادية سليمة، ففي حالة الغازوال تكلفة الشراء الدولية بلغت 9.24 دراهم للتر، لكن سعر التفويت المطبق من هذه الشركات وصل إلى 10.76 دراهم، بفارق 1.52 درهم لكل لتر، أما البنزين فالوضع أكثر وضوحا، حيث بلغت تكلفة الشراء 10.65 دراهم، لكن سعر التفويت للمستهلك وصل إلى 12.62 درهم، بفارق 1.97 درهم لكل لتر، هذا الفارق الكبير يعكس هوامش ربح مريحة للغاية في سياق دولي شهد انخفاضا في أسعار المحروقات بنسبة 9.75%، و هنا السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تستمر هذه الهوامش المرتفعة في سوق يفترض أنه تنافسي؟

الإجابة تكمن في هيكل السوق نفسه، فمع سيطرة تسع شركات فقط على 84% من واردات المحروقات، تصبح فكرة المنافسة الحقيقية مجرد وهم، فهذا التركيز المفرط للسوق يمنح هذه الشركات القدرة على فرض الأسعار التي تريدها دون الخوف من فقدان حصتها السوقية، وفي الواقع هذه الشركات لم تعد تحتاج إلى التنافس لجذب المستهلك، لأنها ببساطة تسيطر على الخيارات المتاحة له، حيث أصبح السوق المغربي أقرب إلى احتكار مقنع، حيث لا توجد أي آليات فعالة لضبط الأسعار أو فرض الشفافية.

ما يزيد الوضع تعقيدا هو أن الشركات لا تظهر أي اهتمام بالتقارير الرقابية، فتقرير مجلس المنافسة أوضح هذه الاختلالات مرارا، ومع ذلك لم تتخذ الشركات أي خطوات ملموسة لمعالجتها، على العكس يبدو أنها تتحدى هذه التقارير بشكل غير مباشر، مستمرة في فرض اسعارها التي لا تعكس التغيرات الدولية في أسعار المحروقات، وهو ما يجعلنا نتساءل هل هذا التجاهل يعكس ضعف الآليات الرقابية أو عدم جدواها في فرض التغيير المطلوب.

وما يدعو للتأمل هو كيف أن هذه الشركات استطاعت عزل نفسها عن قواعد السوق العالمية، لتحافظ على هوامش ربحها دون أي تأثير يذكر من انخفاض الأسعار الدولية، فهذا الوضع وبكل صراحة يشير إلى غياب الإرادة الحقيقية لتطبيق إصلاحات جذرية، فبدلا من الضغط على هذه الشركات لتعديل سياساتها وفقًا للمعايير الدولية، يبدو أن هناك قبولا ضمنيًا باستمرار الوضع الراهن، سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية، رغم ان الأثر الأكبر لهذا الوضع ينعكس على المستهلك المغربي، الذي يواجه معادلة اقتصادية ظالمة.

المشهد الحالي لسوق المحروقات في المغرب يظهر بوضوح أن التوازن مفقود، وأن المستفيد الأكبر هم الفاعلون الرئيسيون الذين يسيطرون على القطاع، بينما يدفع المستهلك الثمن، فالإصلاح المطلوب لا يقتصر على تحسين آليات الرقابة فقط، بل يجب أن يشمل إعادة هيكلة السوق بالكامل، وفتح الباب أمام دخول فاعلين جدد قد يكون بداية الحل، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية قوية واستراتيجية شاملة تعيد التوازن إلى سوق يزداد انحرافا عن قواعد العدالة والمنافسة، وحتى يحدث ذلك سيبقى المستهلك المغربي يدفع ثمن الاحتكار في صورة فواتير مرتفعة، بينما تستمر الشركات في تعزيز أرباحها غير المشروطة، وكأنها تعمل في عالم اقتصادي لا يعترف بأي رقابة أو محاسبة.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 20 أبريل 2025 - 23:21

حينما تتحول الجمعيات إلى أذرع انتخابية

الأحد 20 أبريل 2025 - 20:27

وفد عسكري قطري يشارك في “دورة كبار المستشارين القانونيين” بالمغرب

الأحد 20 أبريل 2025 - 19:14

عرض مسرحي جديد توعوي موجه للأطفال من تأليف و إخراج نور الدين سعدن

الأحد 20 أبريل 2025 - 18:59

توقيع كتاب “سؤال السيميائيات المناضلة عند سعيد بنكراد” للدكتور ادريس جبري  

error: