- أحمد بيضي
في إطار أنشطتها الاستثنائية، احتضنت “جمعية أنير للتنمية النسوية والتكافل الاجتماعي”، بخنيفرة، عشية السبت 15 فبراير 2025، بالمركز الثقافي أبو القاسم الزياني، فعالية الندوة العلمية المنظمة حول “الفلسفة والعلوم الإنسانية في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي”، والتي بينما تميزت بتقديمها وتسييرها من طرف الشابة ذة. فدوى الشاهد، جرت بمشاركة ذ. عيسى زيرون، ذ. محمد زرياح، ذة. إكرام آيت ماما وذ. أيوب علوي، وذلك في حضور نوعي من التلميذات والتلاميذ والفاعلين في الحقل التربوي والجمعوي، والمهتمين بالحقل الثقافي والفكر الفلسفي، فيما سجل اللقاء تفاعلا ملحوظا من جانب الحاضرين عبر عدة مناقشات وآراء وتصورات.
- المحاكاة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري
وفي هذا الصدد، تقدم ذ. عيسى زيرون بورقة حول “إشكالية المحاكاة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري”، تناول فيها مجموعة من القضايا الجوهرية المرتبطة بهذا الموضوع، مستندا إلى أبحاث علمية وفلسفية متعددة، انطلاقا من طرح التساؤل المحوري حول “ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرا على التفوق على الذكاء البشري أم أنه مجرد تقليد باهت له؟”، مستعرضا في هذا السياق “مفهوم الذكاء الاصطناعي الضعيف الذي يشير إلى الأنظمة القادرة على تنفيذ مهام محددة”، حيث استحضر أعمال آلان تورينغ الذي وضع في خمسينيات القرن الماضي اختبارات، بواسطة محقق، لقياس مدى قدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري.
كما تطرق ذ. زيرون إلى أحد أبرز الأمثلة التي تؤكد قدرة الذكاء الاصطناعي على مجاراة الإنسان في بعض المجالات، وهو “تفوقه على الإنسان في لعبة الشطرنج، ما يعكس إمكانياته في التحليل واتخاذ القرارات بناءً على معطيات رياضية دقيقة”، إلا أن هذا لا يعني، حسب المتدخل، أن الذكاء الاصطناعي “يمتلك وعياً أو إحساسا ذاتيا، بل هو مجرد منظومة تعتمد على البيانات المبرمجة مسبقًا”، فيما تطرق إلى “التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الوجود الإنساني”، حيث أشار إلى “المخاوف المتعلقة بسيطرة الآلة على الإنسان، خاصة في ظل الأزمات الثقافية والوعي المجتمعي”.
واعتبر ذ. عيسى زيرون أن “العقل الاصطناعي يظل ثابتا ومغلقًا، غير قادر على اتخاذ قرارات أخلاقية أو امتلاك مشاعر ذاتية”، وهو ما جسدته تجربة “الغرفة الصينية” التي توضح “كيف يمكن لنظام برمجي أن يتفاعل مع اللغة دون أن يفهم معانيها”، ليختتم مداخلته بالتشديد على أن الذكاء الاصطناعي، رغم تطوره المذهل، “لا يزال يفتقر إلى الصفات الجوهرية التي تميز الذكاء البشري، مثل الإبداع والوعي الذاتي والمشاعر والأحاسيس”، واعتبر أن الذكاء الاصطناعي “ليس بديلا عن العقل البشري، بل أداة تدعمه وتساعده، لكنه يظل دوما رهينا لما يضعه فيه الإنسان من معلومات وبرمجيات وبيانات”.
- الذكاء الاصطناعي والسلطة السياسية
ومن جهته تناول ذ. محمد زرياح من مداخلته حول “الذكاء الاصطناعي والسلطة السياسية”، موضوع الذكاء الاصطناعي من زوايا متعددة، محاولا تفكيك تعقيداته وتأثيراته العميقة على مختلف الأصعدة، انطلاقا من “مسألة التقنية التي لم تعد مجرد أدوات بيد الإنسان، بل تحولت إلى عنصر محوري يعيد تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي”، الأمر الذي “يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل السلطة والمجتمع في ظل هذا التطور التكنولوجي المتسارع”، ومن أبرز المحاور التي ركز عليها ذ. زرياح هو “التداخل بين الذكاء الاصطناعي والسلطة السياسية”، حيث أشار إلى “إمكانية استغلال هذه التقنيات لتعزيز المراقبة والتحكم في الأفراد والمجتمعات”.
هذا الطرح، حسب ذ. محمد رياح، “يثير تساؤلًا جوهريا حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرا على إعادة تشكيل مفهوم السلطة السياسية”، وكيف يمكن لهذه الأخيرة أن “تستفيد من قدراته لتعزيز سيطرتها أو إعادة صياغة أساليب حكمها”، كما لم تقتصر المداخلة على البعد السياسي فقط، بل امتدت إلى تناول العلاقة بين التقنية والعلم، حيث أوضح المتدخل “كيف أن هذه العلاقة لطالما كانت محل اهتمام الفلاسفة منذ الفكر اليوناني القديم”، مؤكدا أن “الحلم السياسي بالسيطرة على المجتمع لم يكن يوما منفصلا عن التطور العلمي والتقني”، وفي هذا السياق، طرح المتدخل مجموعة من التساؤلات جوهرية.
ومن التساؤلات التي طرحا المتدخل: “هل الذكاء الاصطناعي قادر على الانتصار على الإنسان والمجتمع والطبيعة؟ أم أنه في النهاية مجرد خوارزميات محددة مسبقًا لا يمكنها تجاوز إطارها المرسوم؟ وهل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي “ذكيا” بالمعنى الفلسفي والعلمي للكلمة؟”، فيما تحدث ذات المتدخل عن بروز “السلطة الرقمية” التي تختلف في طبيعتها عن السلطة التقليدية، حيث باتت المعطيات والبيانات الكبرى تلعب دورا محوريا في توجيه القرارات وصنع السياسات، واستدل المتدخل بتجربة الأنظمة الذكية التي اعتمدتها الحكومات خلال أزمة كورونا لضبط تحركات الأفراد معتبرا أن هذه التجربة كشفت إلى أي مدى أصبح الإنسان “عاريًا” أمام هذه التقنيات.
- الذكاء الاصطناعي والمسؤولية القانونية
وبدورها، شاركت الطالبة في شعبة القانون، ذة. إكرام آيت ماما، بورقة هامة حول “الذكاء الاصطناعي ومسؤوليته القانونية”، منطلقة من إشكالية غياب تعريف محدد لهذا المفهوم، ومتسائلة عن “مدى قدرة الكمبيوتر على القيام بالمهام البشرية ومدى محاكاته للذكاء الإنساني”، لتستهل مداخلتها بمقاربة تاريخية لتطور الصناعات التي سخّرت قوى الطبيعة لخدمة الإنسان، قبل أن تتناول “المخاوف المتزايدة بشأن احتمال سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشر”، حيث ركزت على البعد القانوني لهذه التطورات، و”الإشكالات التي قد تنشأ عندما يتسبب الذكاء الاصطناعي في أخطاء تؤدي إلى جرائم يعاقب عليها القانون”.
واستعرضت ذة. إكرام آيت ماما “مفهوم المسؤولية القانونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي”، متسائلة عن الجهة التي ينبغي تحميلها المسؤولية في حال وقوع أضرار: هل هو المُصنِّع، أم الحارس، أم المستعمِل؟، كما سلطت الضوء على التنافس القائم بين أوروبا وأمريكا في تنظيم وتقنين الذكاء الاصطناعي، مشيرة ما يواجهه المشرّع المغربي من تحديات في تحديد مدى إسناد الجريمة إلى الذكاء الاصطناعي، واستندت إلى مجموعة من الفصول القانونية الواردة في القانون الجنائي وقانون الالتزامات والعقود لتوضيح كيفية تعاطي الإطار التشريعي مع هذه القضايا، فيما حذّرت من المخاطر المحفوفة باستخدام الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أن مستقبله يظل غامضا.
- مقاربة النوع، الفلسفة والذكاء الاصطناعي
أما ذ. أيوب علوي فاختار المشاركة في أشغال الندوة بمداخلة حول “مقاربة النوع والذكاء الاصطناعي”، انطلاقا من مادة الفلسفة ودورها في تحليل القضايا الإنسانية والاجتماعية، حيث استهل ورقته من التأمل الفلسفي في نشأة الكون وأهمية الفكر النقدي في حماية الإنسان من التحيزات والأحكام المسبقة، فيما توقف عند “إشكالية الوجود الإنساني في ظل عصر الذكاء الاصطناعي وما يرافقه من أزمات في القيم والمعنى”، دون أن يفوت ذ. أيوب علوي التساؤل عن “حدود العلاقة بين الإنسان والآلة وإمكانية الذكاء الاصطناعي في ترسيخ العدالة الإنسانية بدلا من مجرد إعادة إنتاج الأنماط الفكرية السائدة”.
ومن هذا الباب ركز المتدخل على “القضايا التي تواجه المرأة في العصر الحديث”، معتمدا على أربعة محاور أساسية: المرأة والعدالة في الفلسفة، النسوية المجتمعية، حرية المرأة، وأهمية الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات المرتبطة بوضع المرأة، ليقوم باستحضار الفلسفة باعتبارها “مرآة للتحولات المجتمعية”، و”مدى قدرتها على الكشف عن الأبعاد الاجتماعية المرتبطة بقضايا المرأة”، مستشهدا بنساء تحدّين القيود الاجتماعية وتركْن بصمة في الفكر النسوي، مثل نوال السعداوي، سيمون دي بوفوار، والإيرانية مريم رجوي، كما تطرق المتدخل إلى الحركية النسائية التي يشهدها المغرب والشرق الأوسط.
وبعد تسليطه الضوء على “دور المرأة المحوري في المجتمع، وما تلعبه الفلسفة من دور في الدفاع عن قيم الحرية والعدالة”، فتح المتدخل ذ. أيوب علوي، مجموعة من التساؤلات عن “مستقبل حرية المرأة بين القيود الاجتماعية والتصورات المستقبلية”، مشددا على “ضرورة إدماج الفلسفة في المنظومة التعليمية لتعزيز الفكر النقدي ومحاربة العنف ضد المرأة”، إضافة إلى “ترسيخ الوعي الجندري والقيم الإنسانية”، ليؤكد في ختام مداخلته “أن الفلسفة لم تكن يوما بعيدة عن قضايا المرأة وموقعها الاجتماعي، بل كانت دائما أداة فاعلةً في كشف الظواهر وتحليلها بعمق علمي ومنهجي”.
تعليقات
0