غلاء الأسعار لم يعد مجرد هم يقتصر على الأوساط الشعبية التي تعاني من وطأته، بل امتد اليوم ليصبح قضية تشغل حتى أروقة الحكومة، فقد بدأنا نسمع وزراء من حكومة أخنوش يرفعون أصواتهم معلنين أن الوضع لم يعد مقبولا، وأن المضاربة أضحت بنيوية، بل وصل الأمر ببعضهم إلى دعوة المحتكرين والمضاربين إلى “اتقاء الله في الوطن”، لكن هنا يبرز السؤال الأكثر إلحاحا، إذا كانت الحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي الذي يملك صلاحيات التدخل القانوني والإداري لوقف المضاربة والاحتكار يخرج وزراؤها ليعترفوا بعجزها عن مواجهة هذه الأزمة، فماذا يعني ذلك؟
التصريحات الأخيرة للوزراء لا يمكن تفسيرها إلا بأنها محاولة لتحميل “الدولة” بعمقها مسؤولية ما يحدث، فعندما يقر الوزراء بوجود المضاربة وارتفاع الأسعار والاستنزاف غير المشروع لجيوب المواطنين، ثم يعلنون عجزهم عن فعل اي شيء، فإنهم بذلك يتنصلون من المسؤولية، بل ويوجهون أصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى الدولة نفسها، كما لو كانوا يقولون إنها تتستر على المسؤولين الحقيقيين عن هذه الفوضى، هذا السلوك لا يعكس فقط أزمة داخل الحكومة، بل يتجاوز ذلك ليشكل خطرا حقيقيا على الدولة ككل.
لم يعد الأمر مجرد مزايدات سياسية تسبق الانتخابات، وإنما تحول إلى خطاب يحمل اتهامات مبطنة تهدد الثقة بين المواطن والمؤسسات، فما معنى أن يخرج وزراء الحكومة ليقولوا إنهم بلا حول ولا قوة أمام غلاء الأسعار والمضاربة؟ فإذا لم تكن الحكومة هي المسؤولة ، فمن اذن المسؤول ، أليس ذلك بمثابة إشارة ضمنية إلى أن الدولة هي التي تقف وراء استمرار هذه الأزمة؟ إن هذه الحكومة، بمثل هذه التصريحات لا تعرض نفسها والمجال السياسي للخطر فحسب، بل بدأت تشكل تهديدا لاستقرار الدولة ذاتها.
تعليقات
0