أكد المحلل الاقتصادي علي الغنبوري، أن القرار الملكي السامي القاضي بعدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد، يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي في ظل أزمة مناخية واقتصادية غير مسبوقة اقتصاديا. مشيرا إلى أن القرار يأتي لتجنب استنزاف الثروة الحيوانية التي تراجعت بنسبة 38% خلال السنوات الثماني الأخيرة، وذبح ما يقارب 5-7 ملايين رأس سنويا في عيد الأضحى كان سيؤدي إلى انهيار القطيع الوطني، مما يهدد الأمن الغذائي ويزيد الاعتماد على الاستيراد بالعملة الصعبة، خاصة مع تراجع احتياطي العملات الأجنبية بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الأساسية.
وأوضح علي الغنبوري رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن القرار على المستوى السياسي يعزز صورة الملك كأمير المؤمنين الذي يجمع بين البعد الديني (بذبحه الأضحية نيابة عن الشعب) والبعد الاجتماعي (رفع الحرج عن المواطنين)، كما أنه يضع الحكومة أمام مسؤوليتها في إيجاد حلول بديلة، مما قد يخفف الضغط الشعبي المتصاعد بسبب الغلاء والبطالة، حيث تشير تقديرات غير رسمية إلى أن 60% من الأسر المغربية، كانت ستعاني لتوفير أضحية بمتوسط سعر 4000 درهم هذا العام.
وكشف الغنبوري في تصريح لموقع “أنوار بريس”، أن التحديات المناخية التي استمرت لسبع سنوات من الجفاف أدت إلى انخفاض التساقطات بنسبة 53% مقارنة بمتوسط الـ30 عاماً الأخيرة، مما قلص المراعي الطبيعية ورفع تكلفة الأعلاف إلى مستويات قياسية، وهو ما أجبر صغار المربين الذين يشكلون عماد القطاع، على بيع أو ذبح مواشيهم، حيث تشير التقارير إلى أن المغرب خسر حوالي 8 ملايين رأس منذ 2016 نتيجة الجفاف وارتفاع التكاليف، واقتصاديا، ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء إلى 120-140 درهما للكيلو في الأسواق، وهو ما يفاقم الضغط على الأسر ذات الدخل المحدود، التي تشكل حوالي 40% من السكان.
وشدد المتحدث، على أن الحكومة تحمل مسؤولية كبيرة في هذا الشأن، حيث فشلت في السنوات الأخيرة في الحد من استنزاف القطيع، وسمحت في 2024 باستيراد 124 ألف رأس من الأغنام و21 ألف رأس من الأبقار لتلبية الطلب، مضيفا أن “هذا لم يخفض الأسعار كما كان متوقعا بسبب جشع الوسطاء وسوء التخطيط، كما أن دعم المستوردين بملايين الدراهم لم يحقق الاستدامة المرجوة، بل زاد من الضغط على الميزانية العامة.”
وبخصوص إصلاح السياسة الفلاحية والحفاظ على الثروة الحيوانية، شدد المحلل الاقتصادي علي العنبوري في حديثه، على أن إصلاح السياسة الفلاحية أصبح ضرورة ملحة، والقرار الملكي يمثل فرصة لإعادة تقييم استراتيجية القطاع، خطة “المغرب الأخضر” (2008-2020) ركزت على كبار الفلاحين ولم تحقق الأمن الغذائي المنشود، بينما “الجيل الأخضر 2020-2030” ما زال يعاني من بطء التنفيذ، و بالتالي الحكومة مطالبة بشكل عاجل بدعم صغار المربين: بتوفير الأعلاف المدعومة (بكلفة تقدر بـ3-4 مليارات درهم سنوياً) وتسهيل الوصول إلى المياه عبر مشاريع تحلية أو حفر آبار، حيث أفرغ الجفاف 70% من السدود، ومنع ذبح اناث الماسية : قرار صدر في نوفمبر 2024 لمنع ذبح إناث الماشية القادرة على التكاثر، لكنه جاء متأخرا بعد أن تم ذبح ملايين الإناث في السنوات الماضية، مما قلص معدل الخصوبة في القطيع، والاستثمار في البحث العلمي: تخصيص ميزانية حقيقية (حاليا أقل من 1% من الناتج المحلي مقابل 2% في الدول المتقدمة) لتطوير سلالات مقاومة للجفاف وتحسين إنتاج الأعلاف محليا، وتنظيم السوق: فرض رقابة صارمة على الوسطاء لضمان استقرار الأسعار، حيث أظهرت تجربة 2024 أن الدعم لم يصل إلى المستهلك النهائي. يضيف العنبوري.
وخلص المتحدث، أن الحفاظ على القطيع قد يوفر للمغرب اقتصاديا حوالي 10-15 مليار درهم سنويا من تكاليف الاستيراد على المدى المتوسط، ويحمي وظائف القطاع الفلاحي التي تشغل 40% من السكان النشطين، وسياسيا، نجاح الحكومة في تنفيذ خطة استدامة سيعزز الثقة في المؤسسات، بينما فشلها قد يؤجج الاحتقان الاجتماعي، خاصة مع اقتراب استضافة كأس إفريقيا وكأس العالم، اللذين سيرفعان الطلب على اللحوم بنسبة 20-30%.
تعليقات
0