تراجع مخيف للأنشطة الرمضانية بالدار البيضاء رغم رصدها لميزانيات ضخمة
جواد رسام
الأربعاء 12 مارس 2025 - 13:18 l عدد الزيارات : 99663
رغم الأهمية الكبيرة للشأن الثقافي في تنمية المجتمع والحفاظ على الموروث الثقافي، تعيش مدينة الدار البيضاء، بمقاطعاتها المختلفة، تراجعًا حادًا في الأنشطة الرمضانية الثقافية، و على وجه الخصوص ايام رمضان المعروفة بكثرة الانشطة الثقافية و الدينية، هذا التراجع لم يكن فقط من حيث الكم، بل شمل أيضًا جودة البرامج والعروض المقدمة، ما جعل المشهد الثقافي في المدينة يبدو باهتا مقارنة بالسنوات الماضية .
فالمثير في الأمر أن هذا التقهقر في التنشيط يحدث رغم تخصيص مجلس المدينة لميزانيات كبيرة تعد بالمئات الملايين ، و نفس الامر على مستوى المقاطعات حيث خصصت نسبة 10%من مجموع الميزانيات العامة للمقاطعات للتنشيط. إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال، فالعروض المقدمة كانت ضعيفة ولا تعكس حجم الإمكانيات المرصودة، ما يطرح تساؤلات جدية حول أوجه صرف هذه الأموال والجهات المستفيدة منها.
و من بين أبرز الجهات المسؤولة عن تنشيط الحياة الثقافية بالعاصمة الاقتصادية، نجد شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للتنشيط و التظاهرات ، هذه الاخيرة التي تتسلم ميزانية ضخمة، لكنها لا تقدم أي رؤية واضحة أو تصور استراتيجي لتدبير هذه الأموال. بل إن هذه الشركة أقصت تمامًا المنتخبين، جمعيات المجتمع المدني، الفنانين والمواطنين من أي مشاركة فعلية في التخطيط أو التنفيذ، مكتفية بتسلم الميزانية وصرفها في أنشطة لا تمتّ للهوية البيضاوية المغربية بصلة، مما جعل العديد من المتتبعين يشككون في نزاهة تدبير هذه الأموال.
لم يكن حال المقاطعات أفضل، حيث غابت الاستراتيجيات الثقافية بشكل واضح، وغلبت الصراعات السياسية الضيقة على أي محاولة جادة للنهوض بالقطاع. فالانقسامات داخل مكونات مجلس المدينة وبين مختلف المقاطعات أثرت بشكل مباشر و كبير على مستوى البرامج المقدمة، مما جعل المواطن والثقافة هما الضحيتان الأكبر في هذه الفوضى التدبيرية.
من المعروف أن الثقافة ليست مجرد ترف، بل هي عنصر أساسي في بناء المجتمعات وتنميتها، خاصة في مدينة مثل الدار البيضاء، التي تمتلك موروثًا ثقافيًا غنيًا ومتعدد الروافد ، فإنها رافعة للتنمية . لكن عندما تصبح الميزانيات المخصصة للقطاع مجرد أرقام تُصرف دون تأثير ملموس على الأرض، فإن ذلك يعني أن هناك خللًا عميقًا يستدعي إعادة النظر في طريقة تدبير المجال الثقافي.
ففي ظل هذا الوضع، أصبح لزامًا على الجهات المسؤولة إعادة تقييم طريقة صرف ميزانيات التنشيط الثقافي، وإشراك جميع الفاعلين من منتخبين، مجتمع مدني، ومثقفين في صياغة رؤية واضحة قادرة على النهوض بالشأن الثقافي. كما أن الرقابة على كيفية صرف هذه الأموال أصبحت ضرورة ملحة لضمان أن تصل الميزانيات إلى ما خُصصت له بالفعل، بدل أن تضيع في أنشطة لا ترقى إلى مستوى تطلعات البيضاويين.
إن استمرار هذا التراجع دون محاسبة أو تصحيح سيؤدي لا محال إلى مزيد من التهميش للثقافة في مدينة كان يفترض أن تكون القلب النابض للحركة الثقافية المغربية. فهل ستتحرك الجهات المسؤولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم أن الثقافة ستظل آخر اهتمامات صناع القرار في العاصمة الاقتصادية؟
تعليقات
0