مشروع المسطرة الجنائية بين الالتزامات الحقوقية وضمانات المحاكمة العادلة

جواد رسام السبت 22 مارس 2025 - 10:41 l عدد الزيارات : 75431

نظمت منظمة النساء الاتحاديات مساء الخميس 20 مارس 2025 بفندق إيدو أنفا في الدار البيضاء، ندوة  حول مشروع المسطرة الجنائية والتزامات المغرب في مجال الحقوق والحريات، بحضور نخبة من القانونيين والحقوقيين لمناقشة مضامين المشروع، وتقييم مدى انسجامه مع المعايير الدولية لحماية الحقوق وضمان المحاكمة العادلة.

أدارت الجلسة حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، التي أكدت في كلمتها الافتتاحية أن هذه الندوة تأتي في سياق وطني حساس، حيث يتطلع الجميع إلى إصلاحات جوهرية تواكب التحولات السياسية والحقوقية التي يشهدها المغرب. وأشارت إلى أن مشروع قانون المسطرة الجنائية ينبغي أن يراعي بشكل دقيق التوازن بين حماية الأمن العام وضمان الحقوق والحريات الفردية والجماعية.

و في مداخلته، شدد الأستاذ عبد الرحيم الجامعي، النقيب السابق ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب سابقا، على أن مسؤولية الإصلاح تقع على عاتق السلطة التشريعية، مشيرا إلى أن البرلمان يجب أن يتحرر من الضغوط ويفتح آفاقا أوسع لإنتاج قوانين تعكس التقدم الديمقراطي للمغرب.

وركز الجامعي على المخاطر المرتبطة بعدم تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن وحقوق الإنسان، مستعرضا الرسالة التي وجهها إلى البرلمانيين، والتي أكد فيها ضرورة التحلي باليقظة وعدم الانسياق وراء “أنصاف الحلول” التي قد تضر بأسس العدالة. كما انتقد التوجه الذي جاء به المشروع، معتبرا أنه يضرب مبدأ قرينة البراءة، عبر تكريس نهج استباقي في العقاب، وتمديد فترات الحراسة النظرية، ومنح سلطات موسعة للنيابة العامة على حساب استقلالية قاضي التحقيق.

من جانبه، أكد الأستاذ فوزي مراد، المحامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس جمعية حقوق عدالة، أن التشريع ليس مجرد عملية تقنية، بل هو انعكاس لاختيارات سياسية وحقوقية يجب أن تكون واضحة ومحددة. واعتبر أن المشروع الحالي لا يراعي بشكل كافٍ المرجعيات الدولية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة، مشيرا إلى أن المغرب لم يلتزم بتوصيات لجنة حقوق الطفل لسنة 2014 ولا لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في يوليوز لسنة2022.

كما حذر من أن المشروع، بصيغته الحالية، قد يؤدي إلى قانون معاق، لا يخدم المصلحة العامة، لافتا إلى ضرورة إعادة النظر في كثير من مواده لضمان تحقيق عدالة حقيقية تتماشى مع التزامات المغرب الدولية.

و لقد أكدت الأستاذة عتيقة الوزيري، المحامية بهيئة الرباط، أن المشروع يتطلب نقاشا أوسع وأكثر عمقا، بعيدا عن السرعة التي يتم بها تدبيره داخل البرلمان. وتساءلت عن مدى قدرة المشروع على تحقيق التوازن بين تطور الجريمة في المجتمع المغربي وضمانات المحاكمة العادلة، مشددة على ضرورة ملاءمة التشريع مع الاتفاقيات الدولية، خاصة فيما يتعلق بحقوق القاصرين، معتبرة أن وصفهم بـ”الأحداث” يحمل دلالة سلبية ينبغي تغييرها.

من جانبه، ركز الأستاذ عبد العزيز أسقارب، المحامي بهيئة الدار البيضاء، على أن الإشكالية الحقيقية لا تكمن فقط في التشريع، بل في كيفية تطبيق القانون. وأوضح أن المغرب صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تضمن المحاكمة العادلة، لكن المشكلة تكمن في تفعيلها على أرض الواقع.

وأشار إلى أن أحد أكبر التحديات يتمثل في الاعتماد المفرط على محاضر الضابطة القضائية، والتي غالبا ما تكون حاسمة في توجيه مصير المتهمين، حتى في ظل وجود أدلة نفي واضحة. كما تطرق إلى أزمة الاعتقال الاحتياطي، معتبرًا أنه أصبح يشكل خطرا على قرينة البراءة، ويؤدي إلى اكتظاظ السجون، وفق ما أقر به المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج في العديد من خرجاته .

في تعقيبها على النقاشات، شددت الأستاذة مريم جمال الإدريسي، المحامية بهيئة الدار البيضاء، على أن أي إصلاح لقانون المسطرة الجنائية يجب أن يستحضر مبدأ استقلالية السلط ، و تقصد به سلطة النيابة العامة و سلطة قاضي التحقيق ، و سلطة قاضي الحكم . وأكدت أن المشروع الحالي لا ينسجم مع الدستور في ما يتعلق بالفصل في هذه السلط ، خصوصا استقلالية النيابة العامة، التي يطلب منها تنفيذ السياسات العمومية، وهو ما يتعارض مع وظيفتها الأصلية كسلطة قضائية مستقلة.

و في الاخير ،فتح باب النقاش أمام الحاضرين، الذين عبروا عن تفاعلهم الكبير مع المداخلات. وتطرقت الشهادات إلى العديد من القضايا الواقعية التي تعكس إشكالات تطبيق قانون المسطرة الجنائية، مثل استمرار الاعتقالات التعسفية، وضعف الضمانات في محاضر الشرطة، وصعوبة إثبات البراءة في بعض الحالات.

كما شدد بعض المتدخلين على أن المشروع يجب أن يكون أكثر وضوحا في حماية حقوق الضحايا، مع ضمان عدم استغلال الإجراءات الجنائية بشكل يضر بالمتهمين. واعتبر آخرون أن غياب رؤية واضحة في التشريع قد يؤدي إلى إنتاج قانون غير متوازن، يصطدم لاحقا بالإشكالات العملية في التطبيق.

و في الاخير اختتمت الندوة بالتأكيد على مجموعة من التوصيات التي خلص إليها النقاش، أبرزها:
* ضرورة إعادة النظر في المواد المتعلقة بقرينة البراءة، وضمان عدم المساس بها من خلال صلاحيات النيابة العامة أو قاضي التحقيق.
* الحد من اللجوء المفرط إلى الاعتقال الاحتياطي، واعتماد بدائل تضمن المحاكمة العادلة دون المساس بالحقوق الأساسية للمتهمين.
* احترام استقلالية قاضي التحقيق، وعدم تكريس هيمنة النيابة العامة عليه، بما يضمن عدالة الإجراءات الجنائية.
* تحسين آليات المراقبة على محاضر الضابطة القضائية، لضمان احترام حقوق المشتبه بهم، وتوفير ضمانات أقوى لمنع التعسف.
* إعادة فتح النقاش داخل البرلمان بمشاركة أوسع للحقوقيين والمجتمع المدني، قبل المصادقة النهائية على المشروع.

و لقد أكدت حنان رحاب، مسيرة الندوة، في كلمتها الختامية، أن هذه اللقاءات تسعى إلى تسليط الضوء على القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع المغربي، مشيرة إلى أن الإصلاح الحقيقي لا يقتصر على تعديل النصوص، بل يجب أن يكون مبنيًا على رؤية شاملة تحترم الحقوق والحريات، وتعزز دولة القانون.

خرج المشاركون بانطباع واضح أن مشروع قانون المسطرة الجنائية، في صيغته الحالية، يحتاج إلى مزيد من التعديلات الجوهرية لضمان تحقيق عدالة منصفة لجميع المواطنين، وفق ما تقتضيه المعايير الدولية والدستور المغربي

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 20 أبريل 2025 - 23:21

حينما تتحول الجمعيات إلى أذرع انتخابية

الأحد 20 أبريل 2025 - 20:27

وفد عسكري قطري يشارك في “دورة كبار المستشارين القانونيين” بالمغرب

الأحد 20 أبريل 2025 - 20:17

بعد تبرئة “الحديديوي” من تهمة وهمية قضى بسببها 5 سنوات بسجن خنيفرة: متى ينصفه القضاء برد الاعتبار والدولة بالتعويض؟

الأحد 20 أبريل 2025 - 19:14

عرض مسرحي جديد توعوي موجه للأطفال من تأليف و إخراج نور الدين سعدن

error: