الجزائر وفضيحة “أمير دي زد”: حين يتهاوى الخطاب أمام الوقائع

محمد رامي الأحد 13 أبريل 2025 - 06:40 l عدد الزيارات : 47183

يبدو أن النظام الجزائري بات عاجزاً عن التوفيق بين خطاباته المعلنة وسلوكياته الميدانية، فمن جهة يرفع شعارات محاربة الإرهاب والدفاع عن السيادة، ومن جهة أخرى يُتهم بممارسات تتنافى مع تلك المبادئ، إلى حد تورطه في أعمال ترهيب عابرة للحدود، كما تكشف ذلك واقعة اختطاف المعارض والمؤثر الجزائري أمير بوخرص، المعروف بـ”أمير دي زد”، على الأراضي الفرنسية. ليست القضية فقط إحراجاً دبلوماسياً، بل قد تشكل مدخلاً لكشف شبكة أوسع من العمليات التي باتت تُوصف في أوساط أوروبية بـ”الإرهاب الرسمي الجزائري”.

ففي الوقت الذي لا تتوقف فيه الجزائر عن ترديد التزامها بمحاربة الإرهاب وتثبيت الاستقرار في منطقة الساحل والمغرب الكبير، جاءت التطورات الأخيرة لتفضح تناقضاً صارخاً بين الخطاب والممارسة. فقد وجه القضاء الفرنسي تهماً ثقيلة إلى ثلاثة أشخاص، أحدهم موظف في القنصلية الجزائرية بباريس، للاشتباه في تورطهم في عملية اختطاف واحتجاز تعسفي للمعارض الجزائري على الأراضي الفرنسية نهاية أبريل 2024. الأخطر أن التحقيق القضائي، الذي تشرف عليه النيابة الوطنية لقضايا الإرهاب، اعتبر الواقعة جزءاً من “مخطط إرهابي”، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى تورط أجهزة رسمية جزائرية في ممارسات تهدد السيادة الفرنسية.

الرد الجزائري جاء مرتبكاً وغاضباً، فوزارة الخارجية سارعت إلى استدعاء السفير الفرنسي وقدمت “احتجاجاً شديد اللهجة”، مدعية أن توقيف الموظف القنصلي تم دون احترام القنوات الدبلوماسية. غير أن الجزائر لم تقدم أي تفنيد واقعي للاتهامات، واكتفت بالتشكيك في “ضعف الحجج” الفرنسية، رغم أن الملف القضائي يتضمن بيانات تقنية حول تحركات هاتف المتهم بالقرب من موقع الجريمة، إلى جانب الإشارات إلى اعتداءات سابقة ضد الضحية نفسه.

ولا تبدو هذه الواقعة معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة من المعطيات المقلقة بشأن دور الجزائر في دعم أو التواطؤ مع جماعات إرهابية في منطقة الساحل، لا سيما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فضلاً عن احتضانها لجبهة البوليساريو التي تُصنف في عدد من التقارير الأمنية كتنظيم يحمل خصائص الجماعات المسلحة الانفصالية. ويُنظر إلى هذه الممارسات كجزء من سياسة توظيف أوراق الضغط الجيوسياسي في مواجهة خصوم إقليميين.

المفارقة أن الجزائر، التي ترفع لواء احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، تجد نفسها اليوم في قلب فضيحة قضائية تتعلق بممارسة إرهاب الدولة داخل فرنسا. ومهما حاولت تبرير ذلك بخطاب “المؤامرة” أو “التحامل الخارجي”، فإن تدخل القضاء الفرنسي المعروف بتحفظه واستناده إلى معطيات دقيقة، يقطع الشك باليقين ويكشف أن الأمر يتجاوز مجرد سوء تفاهم دبلوماسي.

أما التهديد بانعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية مع باريس، فيبدو أشبه بمحاولة للهروب إلى الأمام، خاصة وأن هذه العلاقات، التي شهدت بوادر انفراج مؤخراً، تواجه اليوم أزمة جديدة بسبب هذا الملف الذي لم تستسغه دوائر الحكم في قصر المرادية. واختارت القيادة الجزائرية أن ترد بطريقة تعكس حالة الارتباك التي يعيشها نظام يعاني من عزلة إقليمية ودولية، ويجد نفسه محاصَراً بأدلة تُشير إلى أن هناك شيئاً خطيراً بات على المكشوف.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 21 أبريل 2025 - 18:14

أرباب سيارات الإسعاف الخاصة بأكَادير يحتجون أمام ثكنة الوقاية المدنية تنديدا بمجانية خدمات نقل المرضى والجرحى والموتى

الإثنين 21 أبريل 2025 - 18:06

مليكة الزخنيني تطرح مسألة غياب الحكومة عن الجلسات الرقابية

الإثنين 21 أبريل 2025 - 17:59

جماعة سيدي قاسم تبرمج فائض ميزانية 2024 في مشاريع لإعادة الهيكلة والبنية الكهربائية والحماية من الفيضانات

الإثنين 21 أبريل 2025 - 17:45

الحسن لشكر يطالب بإدراج موضوع طارئ حول تعزيز منظومة الأمن المعلوماتي للوزارات لمواجهة التهديدات السيبرانية المتصاعدة

error: