من جديد، تثبت الجزائر أنها عاجزة عن بناء علاقات خارجية متزنة، قائمة على احترام الأعراف الدبلوماسية ومبادئ القانون الدولي، بعدما قررت طرد 12 موظفًا من السفارة الفرنسية، ردًا على توقيف دبلوماسي جزائري متورط في قضية تمس الأمن الداخلي الفرنسي. خطوة انفعالية، لا تخفي ارتباك النظام الجزائري أمام فضيحة جديدة تُضاف إلى سجل حافل بمحاولات إسكات المعارضين حتى خارج حدوده.
الادعاء الفرنسي يتحدث بلغة واضحة: محاولة اختطاف معارض سياسي على الأراضي الفرنسية، بأدوات غير قانونية، وبضلوع دبلوماسي رسمي. القضية لم تعد تحتمل المزايدة أو التهويل السياسي، بل تتطلب تحمل المسؤولية، لا الهروب إلى الأمام عبر افتعال أزمات دبلوماسية مع باريس. ما فعلته الجزائر يعكس منطقًا سلطويًا يصرّ على تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، مستعينًا بشعارات “السيادة الوطنية” كلما ضُبط متلبسًا بانتهاك القوانين الدولية.
لكن خلف هذا التوتر الظاهري مع فرنسا، يختبئ عداء قديم متجدد تجاه المغرب، عداء لا تحركه اعتبارات مبدئية أو سياسية صِرفة، بقدر ما ينبع من قناعة مترسخة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية بأن استقرار المغرب، ووحدته الترابية، ونموذجه التنموي الصاعد، تمثل تهديدًا لشرعية نظامها الداخلي المهترئ.
لقد تحولت معاداة المغرب إلى عقيدة استراتيجية للدولة الجزائرية، تتغذى على عقدة جغرافية وتاريخية، وتُترجم ميدانيًا في دعم انفصال وهمي بالصحراء المغربية، وصرف مليارات الدولارات على البوليساريو، بدل استثمارها في تنمية الداخل الجزائري. لا تمر مناسبة دولية إلا وتحاول الجزائر فيها تحريف الحقائق، ومهاجمة المغرب دبلوماسيًا، حتى وإن كلّفها ذلك عزلة إقليمية وخسائر دبلوماسية متتالية.
وما لا يمكن تجاهله، هو أن الجزائر باتت تبني سياساتها الخارجية على منطق التشويش على مصالح المغرب، ولو كان ذلك ضد منطق التاريخ، وضد قرارات الشرعية الدولية نفسها. فبدل أن تنخرط في بناء مغرب كبير موحد، يستثمر في التكامل الاقتصادي والأمني، تصر على استنزاف مقدراتها في معارك وهمية لا رابح فيها سوى أعداء الاستقرار.
في المقابل، يواصل المغرب ترسيخ صورته كشريك موثوق وعقلاني، يقيم علاقاته الدولية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. فرنسا، التي اختارت بوضوح دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل جدي وواقعي لقضية الصحراء، تدرك أن الرباط تمثل اليوم قطب استقرار إقليمي، ورمزًا للدبلوماسية الرصينة في محيط متقلب.
زيارة وزير الداخلية الفرنسي إلى المغرب، وتصريحاته الداعمة للوحدة الترابية للمملكة، لم تكن وليدة ظرف سياسي عابر، بل ترجمة لتراكم ثقة بين باريس والرباط، في وقت تعجز فيه الجزائر حتى عن ضبط أعصابها أمام القضاء الفرنسي، أو تفسير تورط ممثليها في قضايا تمس الحقوق والحريات.
المفارقة الصارخة أن الجزائر، التي طالما تغنت بخطاب “النزاهة الثورية”، تجد نفسها اليوم في موقع المتهم، بسبب ممارسات تعود إلى زمن البوليس السياسي. وبينما تُغرق نفسها في عداوات مجانية، يواصل المغرب كسب ثقة العواصم الكبرى، عبر نهج هادئ، منتج، ومتزن.
تعليقات
0