فاجعة جديدة تعيد إلى الواجهة سؤال حماية العمال في أوراش المناولة والمشاريع الكبرى
محمد امين سملالي
في وقت يستعد فيه العالم لإحياء اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية، عاشت منطقة الجرف الأصفر صباح اليوم الإثنين فاجعة إنسانية جديدة، راحت ضحيتها أرواح بريئة كانت تمارس عملها داخل ورش مشروع وطني ضخم لتحلية المياه. فاجعة تُضاف إلى سجل ثقيل من الحوادث المهنية المتكررة، وتطرح مجددًا أسئلة ملحة حول غياب شروط السلامة في مواقع العمل، وتنامي منطق الإهمال.
في صباح مأساوي آخر، شهدت منطقة الجرف الأصفر حادثة شغل جديدة أودت بحياة عاملين داخل ورش محطة تحلية المياه المخصصة لتزويد مدينة الدار البيضاء بالماء الصالح للشرب. الحادث نجم عن سقوط رافعة بشكل مفاجئ، ما أدى إلى وفاة الضحيتين في الحال، رغم كونهما كانا يؤديان مهامًا تدخل في نطاق المراقبة التقنية.
مرة أخرى، تعود الحوادث المهنية لتفرض نفسها كواقع دامٍ في أوراش الجرف الأصفر، لتطرح أسئلة محرجة حول مدى احترام شروط الصحة والسلامة المهنية، خصوصًا في أوراش تضم شركات كبرى ومشاريع استراتيجية من هذا الحجم.
ليست هذه الحادثة معزولة. فقد عرفت المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، سلسلة من حوادث الشغل المميتة، راح ضحيتها عمال ينتمون في غالبيتهم لشركات المناولة، ويشتغلون في ظروف توصف مرارًا بأنها تفتقر إلى أدنى معايير الحماية والوقاية. ورغم البيانات النقابية المتكررة، والاحتجاجات التي شهدتها المنطقة، لا يبدو أن هناك إرادة حقيقية لتغيير هذا الواقع أو مراجعة نمط التدبير القائم على مقاربة تقشفية تقايض سلامة العمال بتقليص الكلفة.
إن تكرار هذه الحوادث يدق ناقوس الخطر حول غياب منظومة فعالة للوقاية من المخاطر المهنية، وضعف آليات الرقابة، وتراخي المسؤولية في ما يتعلق بمراقبة أوراش العمل، خاصة تلك التي تستعين بشركات مناولة لا تلتزم في كثير من الأحيان بشروط السلامة كما ينص عليها قانون الشغل والاتفاقيات الدولية.
ومع اقتراب اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية (28 أبريل)، تصبح هذه الفاجعة مناسبة مؤلمة للتأكيد على أن حماية العامل يجب أن تكون في صلب السياسات العمومية والاستراتيجيات الصناعية، لا مجرد شعارات مناسباتية.
لقد آن الأوان لتفعيل إجراءات حقيقية تضمن حماية الأرواح داخل أماكن العمل، من خلال:
• فرض مراقبة صارمة وشاملة على احترام معايير الصحة والسلامة المهنية؛
• تحميل المسؤولية القانونية والإدارية للجهات التي يثبت تقصيرها؛
• وقف التلاعب بأرواح العمال عبر تعاقدات لا تراعي الحد الأدنى من شروط الكرامة والأمان؛
• إشراك النقابات في تقييم بيئة العمل داخل أوراش المناولة والشركات المتعاقدة.
إن الأرواح التي تُزهق في صمت، ليست مجرد أرقام في تقارير أو أخبار عابرة. هي عنوان لفشل يتكرر، وتقصير يتفاقم، ومسؤولية يجب أن تُحدد.
سلامة العامل ليست ترفًا…
إنها حق أصيل لا يقبل التأجيل.
رحم الله ضحايا هدا الحادث المؤلم..ويجب الوقوف عند الأسباب الكامنة وراء وقوعه، حتى لا تتكرر مثل هده الفاجعة.