لم تصمد التهدئة بين باريس والجزائر سوى اثني عشر يومًا، قبل أن تعود الأزمة إلى واجهتها، أكثر توترًا وتعقيدًا. ففي خطوة غير مسبوقة، قرّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرد 12 موظفًا في الشبكة القنصلية والدبلوماسية الجزائرية بفرنسا، واستدعى السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتيه للتشاور، ما يعكس حجم التدهور العميق في العلاقات بين البلدين، ويضع الجزائر في موقف حرج يكشف ارتباكها وشرودها السياسي.
الإليزيه حمّل الجزائر مسؤولية مباشرة عن هذا التصعيد، معبّرًا عن “استيائه” من تجاهلها للمبادئ الأساسية في التعامل الدبلوماسي، خاصة بعد طرد 12 موظفًا فرنسيًا من السفارة الفرنسية في الجزائر، بدعوى الرد على توقيف قنصلي جزائري بفرنسا متورط في قضية ذات طابع إرهابي.
ما يحدث يتجاوز كونه أزمة دبلوماسية عابرة. فالجزائر، التي تبرر خطواتها بـ”السيادة”، تبدو عاجزة عن فصل القانوني عن السياسي، وتخوض معارك عبثية تكشف تورط أجهزتها في ممارسات مشبوهة، كما هو الحال في قضية المعارض الجزائري “أمير دي زد”، المختطف على الأراضي الفرنسية والمتورط فيها موظف قنصلي جزائري، إلى جانب تهم تتعلق بتكوين عصابة إجرامية إرهابية.
وما يزيد الطين بلّة، هو التناقض داخل مؤسسات الجزائر، حيث حملت الرئاسة الجزائرية وزير الداخلية الفرنسي مسؤولية التوتر، بينما أكد هذا الأخير أن الملف بيد القضاء المستقل، ما يضعف حجج الجزائر ويعري ارتجالها وغيابها عن منطق الدولة الحديثة.
باريس، التي أبدت نية العودة إلى علاقات طبيعية، اصطدمت بتعنت جزائري يُغذّى من عقيدة قديمة ترى في التصعيد مع فرنسا وسيلة لتصريف الأزمات الداخلية وتعبئة شعبية مزيفة. لكن التطورات الأخيرة تؤكد أن سياسة الهروب إلى الأمام لم تعد تجدي، وأن دعم باريس المعلن لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية بات عقدة الجزائر الدائمة.
الجزائر اليوم تقف في مهب الريح، تتخبط بين ملفات الهجرة والإرهاب، وتغامر بعلاقاتها الخارجية في لحظة حرجة. فهل تملك فعلاً القدرة على المواجهة، أم أن كل هذا مجرد محاولة يائسة لإخفاء الواقع الداخلي المتأزم؟
تعليقات
0