الخيانة تعيد إلينا كثيرا من الإيمان بأن العودة إلى المرتكزات الأولى ، الأساسيات ، البديهيات هو ما كان ينقصنا في جرينا الحثيث نحو اللاشيء ونحو الوهم الذي نمسك به أبدا في العادي وفي سابق الأوقات .
ننسى أنفسنا أو نكاد فتعيدنا تفاهة البعض إلى التذكير القاسي بضرورة الاهتمام أولا بالذات والاشتغال عليها .
وسط كل هذه التفاهة التي تنشر أجنحتها الخرافية على الفضاء ، هناك فرصة تهبها لنا التجربة الذاتية القاسية ، وهي أن نخلو الى أنفسنا ونجلس مع ذواتنا ، ونطرح أسئلة أعمق من أسئلة الأيام العادية ، أو لنقل أننا في اللحظات الحرجة نصبح مضطرين لمواجهة الأسئلة التي عادة ما نجيب عنها بالهروب منها .
إنها مخاطرة ، والامتحان يومي للناس في علاقتهم بواقعهم وأسرهم وبانتمائهم ، وبمدى أهمية أهدافهم التي يكرسون حياتهم للجري وراء تحقيقها .
فهمت او أفهم الآن أن الحياة أثمن من أن تضيعها وأنت تتابع معتوهين ومرضى نفسيين يصفون حسابهم مع الوقت بالنميمة والنفاق ، وأن هناك أشياء أهم في الدنيا لابد من الانتباه إليها وإيلائها الأهمية القصوى قبل أن يفوت الأوان .
هذه لحظة انطولوجية ، لحظة فارقة بين الصدق والكذب ، بين النجاح والفشل…إنها فرصة للتأمل …للعودة إلى الذات …للرجوع إلى الأنا في علاقته بالأنا وب ” النحن ” …لست وحيدا في هذا العالم ؛ أنا في ومع ؛ أنا في العالم ، في الوطن ، في المجتمع …ومع الغير الذي هو أنا الذي ليس بأنا…
اذن هي فرصة للعودة إلى الذات ، لمحاورتها والتواصل معها ، للخروج من عزلة الأنا ، سبر أغوارها ، وفتح ابوابها التي كانت موصدة في وجهي زمن العفوية …أريد الآن ، والآن أكثر من أي وقت مضى الولوج إلى داخلها لأصارحها وأتصالح معها…
أريد أن أكسر الجدار الذي يفصل بيني وبينها …أريد أن أعي ذاتي بالخروج من حالة الثقة في من ليس جديرا بها…
إذن ، سأحج الى سكني …سأحج الى أناي …سأقطع مع التافهين …وأبقى في تواصل مع الغير الصديق …تواصل بدون نفاق وكذب …سنتواصل من بعيد …البعد المكاني والقرب الوجداني …البعد الجسدي والقرب الفكري…سنلتقي ذهنيا ونتصافح عاطفيا ، وكل في سكنه….
سأطلق ما بدأت ، سأطلق من يسقط عيوبه على غيره …سأعود إلى طفولتي …
كبرت وأصبحت أحب الأماكن الهادئة والقهوة والموسيقى العذبة وصوت الطبيعة والمناظر الخلابة والبحر أكثر من التجمعات والفضاءات الصاخبة…
كبرت.. نعم .. و كبرت بهـــدوء وبحكمة…
لقد كبرت …نعم …كبرت

تعليقات
0