المجلس الاقتصادي والاجتماعي يكشف اختلالات مشروع قانون المسطرة الجنائية

أنوار التازي الخميس 17 أبريل 2025 - 12:41 l عدد الزيارات : 22708

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن رأيه بخصوص مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي يخضع للدراسة والمناقشة بلجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان والحريات بمجلس النواب.

وأوضح المجلس، أن مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، يثير عددا من الملاحظات الشكلية التي يرى المجلس ضرورة مراعاتها لتحسين مقروئية النص القانوني وقابليته للتطبيق. ومن بين هذه الملاحظات الإحالة على نصوص تنظيمية دون أفق زمني لإخراجها، حيث يحيل مشروع القانون رقم 03.23 على عدد من النصوص التنظيمية المواد 27-366-66 471 (1-654) دون تحديد آجال لها، أو رهن المقتضيات المتعلقة بصدورها بأجال إضافية أخرى قبل دخولها حيز التنفيذ، كما هو الشأن بالنسبة للمادة 3-66 المتعلقة بشروط وكيفيات إجراء التسجيل السمعي البصري، التي تدخل حيز التنفيذ بعد انصرام خمس سنوات من صدور النص التنظيمي….” (المادة (755). وبالتالي، وفي غياب آجال ملزمة وقريبة لإصدار النصوص التنظيمية بعد صدور القانون، ستبقى مجموعة من الإجراءات معلقة رغم أهميتها في ضمان حقوق المتهمين وكرامة الموقوفين.

كما سجل المجلس، أن التنصيص على مقتضيات عقابية من اختصاص القانون الجنائي، حيث تذهب معظم التشريعات على المستوى الدولي إلى تركيز قانون الإجراءات الجنائية على الجوانب الإجرائية للتعامل مع القضايا الجنائية التحقيق والمتابعة القضائية والمحاكمة، وأن يتم تعريف العقوبات الجنائية في نص منفصل، مثل القانون الجنائي لضمان الوضوح ومراعاة حقوق الإنسان في النظام القانوني. لذلك تميل الأنظمة القضائية الحديثة إلى تجنب تناول العقوبات بشكل مباشر في القوانين الإجرائية، بل تدرجها في قوانين الموضوع التي تحدد الأفعال المجرمة والعقوبات التي تطبق عليها. ويلاحظ أن مشروع القانون رقم 03.23 حرص على هذا التوجه بتعديل المادتين 61 و 105 بحذف عبارة ” يعاقب عليه بالحبس من …. إلى …. وغرامة من …. إلى … درهم ، والإحالة على عقوبتها المنصوص عليها في القانون، لكنه احتفظ بعدد من العقوبات في قانون المسطرة الجنائية الحالي المواد 65، 115 ، 116 ، 182 ، 371 (466) ، وأحدث عقوبات جديدة في مواد أخرى (المادتان 1-64 و 6-3-82…)، وهو ما يبقي هذا التداخل بين القانون الإجرائي وقانون الموضوع.

وبخصوص المضمون، قدم المجلس ملاحظاته على مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، خاصة بشأن صلاحيات وأدوار مؤسسة قاضي التحقيق نص مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية على عدد من التعديلات التي ترمي إلى التقليص من صلاحيات قاضي التحقيق، ومنح النيابة العامة سلطة تقرير الإحالة أو المتابعة المباشرة. فالمادة 83 من المشروع ألغت إلزامية إحالة الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد والجنايات المرتكبة من طرف أحداث على قاضي التحقيق بل جعلت التحقيق في الجنايات بشكل عام اختياريا. ولعل النزوع إلى تقليص دور قاضي التحقيق في التشريع الجنائي المغربي يسير في نفس التوجه الذي يعرفه التشريع الجنائي الفرنسي، كما أنه يرمي إلى معالجة نقائص تكشفها الممارسة القضائية.

وأشار المجلس، إلى أنه يستخلص من إفادات فاعلين في منظومة العدالة خلال جلسات الإنصات التي نظمها المجلس بمناسبة إعداد هذا الرأي أن النيابة العامة تحيل بكيفية تلقائية المساطر القضائية على قاضي التحقيق مما يثقل كاهل هذه المؤسسة التي تعاني هي الأخرى من نقص في الإمكانيات البشرية والمادية، في مواجهة تحد صعب يتمثل في تراكم الملفات والقضايا، مع ما لذلك من أثر على بطء العدالة وجودة العمل القضائي وتزايد مخاطر الخطأ القضائي، بما لذلك من تداعيات سلبية على حقوق الأفراد، وضمانات المحاكمة العادلة.

كما لاحظ المجلس، استمرار المراوحة بين الطابع المادي والرقمنة في الإجراءات القضائية، حيث في ضوء ما جاء في المبادرة التشريعية، يستمر قانون المسطرة الجنائية في التنصيص على مقتضيات وإجراءات تدبر بوسائل يدوية أو تقليدية. وهو ما لا ينسجم مع ما يطمح إليه مشروع القانون 03.23 من اعتماد الرقمنة في مختلف الإجراءات القضائية كما ورد في الديباجة المعدلة لقانون المسطرة الجنائية، ومن تكريس المبادئ المحاكمة العادلة وضمان الحقوق والحريات.

وعبر المجلس عن قلقه وانتقاده للتعديلات المقترحة على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الجرائم الماسة بالمال العام وآليات المساءلة، وذلك في رأي مفصل أصدره حول مشروع قانون المسطرة الجنائية. واعتبر أن الصيغة الجديدة للمادة 3، التي تربط إجراء الأبحاث وتحريك الدعوى العمومية في جرائم المال العام بطلب أو إحالة مدعومة بتقرير من هيئات وإدارات عمومية محددة، تثير إشكالات جوهرية تهدد فعالية السياسة العمومية لمكافحة الفساد وتقوض مبادئ دستورية والتزامات دولية للمغرب.

وشدد المجلس على أن التعديل المقترح يتعارض بشكل واضح مع الفصل 118 من الدستور الذي يضمن حق الولوج إلى العدالة للجميع دون تمييز، ومع الفصل 12 بشأن أدوار المجتمع المدني. كما يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي توصي بمشاركة المجتمع المدني في التبليغ عن حالات الفساد.

ويلاحظ أن قانون المسطرة الجنائية ما زال يبقي على تدابير يدوية كاستعمال السجلات الورقية في مجال الحراسة النظرية بحيث تنص المادة 5-66 منه على أنه يجب مسك سجل ترقم صفحاته وتذيل بتوقيع وكيل الملك في كل الأماكن التي يمكن أن يوضع فيها الأشخاص تحت الحراسة النظرية ، وتنص : كذلك على أنه ” يجب أن يعرض هذا السجل على وكيل الملك للاطلاع عليه ومراقبته والتأشير عليه مرة في كل شهر على الأقل. وفي فقرة أخرى، تنقل محتويات السجل فورا إلى سجل الكتروني وطني وجهوي للحراسة النظرية. ما يثير التساؤل حول غاية المشرع من وجوب نقل محتويات سجل الحراسة النظرية إلى سجل إلكتروني غير موجود حاليا. وفي حال وجود السجل الإلكتروني، فما الداعي إلى الاحتفاظ بسجل يدوي.

ويتعين على وكيل الملك، حسب المادة 45 أن يقوم بزيارة الأماكن المعدة للوضع تحت نظام الحراسة النظرية على الأقل مرتين في الشهر، وعليه أيضا مراقبة سجلات الحراسة النظرية. كما تنص المادة 616 على زيارة قاضي تطبيق العقوبات أو وكيل الملك أو أحد نوابه للمؤسسات السجنية مرة واحدة على الأقل كل شهر ومراقبة سجلات الاعتقال.

وشدد المجلس، على أن استعمال التكنولوجيا الرقمية في مسك سجلات الحراسة النظرية من شأنه تجويد أداء منظومة العدالة، وتكريس الشفافية والفعالية، وتجاوز النقائص والاخطاء التي تنجم عن استعمال السجلات الورقية ووسائل العمل التقليدية وتسهم في ترشيد النفقات والتكاليف المرتبطة بالتنقل المتكرر وتحد من آثار ذلك على البيئة.

كما لاحظ رأي المجلس، محدودية تدابير دعم وتعويض الضحايا في مشروع قانون المسطرة الجنائية، حيث جاء في مشروع القانون أنه من مرتكزات قانون المسطرة الجنائية العناية بالضحايا وحمايتهم. ولهذه الغاية تقرر الإحداث الرسمي لخلايا التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم، يعهد لها بتدبير إجراءات الحماية في قضايا العنف وسوء المعاملة والاعتداءات الجنسية والاتجار بالبشر ضد النساء والأطفال، وتعزيز دور مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة في الاهتمام بالضحايا من النساء والأطفال من خلال تقديم الدعم النفسي لهذه الفئات والاستماع إليهم ومواكبتهم داخل المحكمة وخارجها، وإجراء الأبحاث الاجتماعية في القضايا التي يكلف بها.
غير أنه يلاحظ أن الآليتين المذكورتين تعنيان بالضحايا من النساء والأطفال فقط دون غيرهم من الضحايا. كما أنه يُطرح تساؤل حول مدى قدرة خلايا التكفل بالنساء والأطفال التي تقرر إحداثها ومكاتب المساعدة الاجتماعية على الاستجابة للتحديات على أرض الواقع بالنظر المحدودية الإمكانيات البشرية والمادية في المحاكم خاصة إذا أخذ بعين الاعتبار كثرة المهام المسنودة إلى مكتب المساعدة الاجتماعية بموجب قانون المسطرة الجنائية وضعف التنزيل الفعلي لأدوار مكتب المساعدة الاجتماعية على أرض الواقع من جهة أخرى. ولسد هذا الخصاص المسجل على مستوى المحاكم، كان حريا التنصيص على الاستعانة في هذا المجال بجمعيات متخصصة من المجتمع المدني.

من جهة أخرى، وعدا تمكين الضحايا من التعويض في إطار الدعوى المدنية، فإن مشروع القانون رقم 03.23 لا يقدم أي إجراء أو آلية لتمكين الضحايا من مساعدات لتغطية نفقات العلاج والتأهيل الطبي أو دعم لمواجهة التكاليف المتعلقة بإصلاح الضرر الناجم عن الجريمة، أو تعويض عن فقدان الدخل على غرار ما هو معمول به في عدد من التجارب الدولية.

كما لاحظ المجلس، ضعف مقاربة النوع في قانون المسطرة الجنائية، حيث إذا كان مشروع القانون ينص على إمكانية التبليغ عن الجرائم التي تكون ضحيتها امرأة إلى – فضلا عن وكيل الملك والوكيل العام للملك والشرطة القضائية – أي سلطة قضائية أو إدارية مختصة (المادة (43) ، فإنه باستثناء هذا المستجد، تكاد تغيب في قانون المسطرة الجنائية إجراءات وتدابير خاصة تهم المرأة كمتهمة أو شاهدة أو ضحية، سواء في ما تعلق بالاستفادة من المساعدة القضائية، أو تدابير الحماية، أو أجال التقادم في الجرائم التي تمس النساء، أو سرية الجلسات، أو الحراسة النظرية، أو التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 20 أبريل 2025 - 23:21

حينما تتحول الجمعيات إلى أذرع انتخابية

الأحد 20 أبريل 2025 - 20:27

وفد عسكري قطري يشارك في “دورة كبار المستشارين القانونيين” بالمغرب

الأحد 20 أبريل 2025 - 20:17

بعد تبرئة “الحديديوي” من تهمة وهمية قضى بسببها 5 سنوات بسجن خنيفرة: متى ينصفه القضاء برد الاعتبار والدولة بالتعويض؟

الأحد 20 أبريل 2025 - 19:14

عرض مسرحي جديد توعوي موجه للأطفال من تأليف و إخراج نور الدين سعدن

error: