نظم الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، مساء اليوم الجمعة 18 أبريل بمقر البرلمان، يوما دراسيا بشراكة مع المرصد المغربي للحماية الاجتماعية تحت عنوان: “ورش الحماية الاجتماعية بين الإكراهات والتحديات”، بمشاركة مسؤولين حكوميين، وممثلي النقابات، والمجتمع المدني، وخبراء في المجال، حيث شكل هذا اللقاء محطة تقييمية مهمة لمدى تقدم ورش الحماية الاجتماعية، الذي يعتبر أحد أبرز المشاريع الوطنية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك، ويمثل رافعة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس مقومات الدولة الاجتماعية.
وفي كلمته الافتتاحية أكد رئيس الفريق الاشتراكي، عبد الرحيم شهيد، على أهمية هذا الورش الذي وصفه بـ”الأهم في تاريخ المغرب المعاصر”، مبرزا أن تنظيم هذا اليوم الدراسي جاء نتيجة تساؤلات مشروعة تطرحها المعارضة، والمواطنون على حد سواء، حول مدى تقدم مختلف مكونات البرنامج، خصوصا ما يتعلق بالتغطية الصحية، “دعم الأسر، التأمين الإجباري عن المرض، والتعويض عن فقدان الشغل”، مشيرا إلى أن هناك تضاربا في الأرقام وصعوبات في تتبع الإنجاز، داعيا إلى تقييم جماعي وشفاف، مضيفا أن “المعارضة الاتحادية، من موقعها، تدافع عن إنجاح هذا الورش باعتباره ورشا ملكيا ووطنيا انطلق منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي”.
من جانبه شدد رئيس المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، الحبيب كمال، على أن الورش المتعلق بالحماية الاجتماعية يمس الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين، مما يفرض على الحكومة وجميع الفاعلين تحمل مسؤولياتهم في إيجاد أجوبة للإشكالات المطروحة، مشيرا إلى أن المرصد يشتغل مع خمس نقابات إضافة إلى باحثين وفاعلين ميدانيين في هذا المجال، لكنه نبه إلى وجود مشاكل على مستوى الحوار مع الحكومة، معتبرا أن الحوار ضروري للخروج بتوصيات تخدم الصالح العام، خاصة الفئات الفقيرة، مؤكدا على أن تحقيق حماية اجتماعية عادلة تحترم حقوق الإنسان يتطلب مواجهة قراءات متعددة للإكراهات المرتبطة بالولوج إلى منظومة الحماية الاجتماعية، والتي تمت مناقشتها من خلال مداخلات المشاركين، الذين يمثلون مختلف الأطراف، من حكومة وبرلمان ومجتمع مدني، فضلا عن الأحزاب السياسية.
واعتبر المتدخل أن من بين أكبر التحديات المطروحة هو كيفية تجاوز الإكراهات والصعوبات والاختلالات، بما يضمن للفئات المستضعفة حقها في الولوج إلى حماية اجتماعية شاملة تراعي حقوق الإنسان والمواطنة، مضيفا أن الدولة مطالبة بمعالجة إشكالات التمويل، والحكامة، والتطورات البشرية، خصوصا أن الاحتياجات تزداد مع التقدم في السن، كما دعا إلى ضمان الحماية الاجتماعية للأطفال، وإدماج المهاجرين المقيمين داخل البلاد ضمن هذه المنظومة، ولفت إلى أن هذا الورش الضخم يستدعي تظافر الجهود لتحقيق تغطية شاملة لجميع المواطنات والمواطنين في المغرب.
وأوضح الحبيب كمال أن هناك عوائق متعددة، من أبرزها أن مفهوم الضمان الاجتماعي يجب أن يُعترف به كحق سائد، وعنصر أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية، مشددا على ضرورة تقوية الآليات لمواجهة الفقر، وتطوير استراتيجية وطنية منسجمة للحماية الاجتماعية في إطار الأهداف التنموية المستدامة ومقاربة تشاركية ناجعة، معتبرا أن الترافع من أجل هذا الورش مسألة أساسية، داعيا إلى التركيز على التحديات المرتبطة بالاقتصاد غير المهيكل، وتزايد نسبة الشيخوخة، وصعوبة استقطاب جميع الفئات، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي، مشيرا إلى أن النساء هن الأكثر تضررا في هذا المجال.
أما الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، فقد أكد أن المغرب يعيش لحظة تحول تاريخية نحو بناء دولة اجتماعية حقيقية، قائلا إن المشروع حقق تقدما ملموسا بفضل القيادة الملكية، حيث تم إصدار 79 نصا قانونيا تنظيميا و27 مرسوما، ما أتاح استفادة 3.7 مليون من المهنيين والعمال غير الأجراء، و1.7 مليون مؤمن رئيسي من التغطية الصحية، وبلغ عدد ملفات التعويض 4 ملايين، صُفي منها 3.4 ملايين بقيمة 3.9 مليار درهم، كما استفادت 3.9 ملايين أسرة من الدعم المباشر بأكثر من 31 مليار درهم.
في نفس السياق أكد لقجع أنه رغم كل المجهودات المبذولة فإن تنزيل ورش الحماية الاجتماعية لا يزال يواجه مجموعة من التحديات والإكراهات، على رأسها ضمان استدامة التأمين الإجباري عن المرض، وهو ما يتطلب تحقيق التوازن المالي عبر التحكم في التكاليف، خاصة تلك المرتبطة بأثمنة الأدوية، مبرزا أهمية اعتماد سياسة وقائية للتحكم في مؤشرات الإصابة بالأمراض، إضافة إلى ضرورة تسريع وتفعيل مسلك العلاجات، وتعميم الملف الطبي الرقمي، وإقرار البروتوكولات العلاجية وضمان إلزاميتها، مشيرا إلى تحد آخر يتمثل في ضمان الاستدامة المالية للمجموعات الصحية الترابية، باعتبارها حجر الزاوية في تنزيل إصلاح المنظومة الصحية، مؤكدا أن منظومة الحماية الاجتماعية تحتاج إلى حوالي 40 مليار درهم لتغطية التكاليف المرتبطة بالتأمين الصحي والدعم الاجتماعي المباشر، مما يجعل توفير التمويل اللازم من أبرز الرهانات المطروحة، داعيا إلى تعبئة جماعية ومنسقة لكل الفاعلين لضمان نجاح هذا الورش المجتمعي الكبير.
من جهتها، عبرت مليكة الزخنيني، عضوة الفريق الاشتراكي، عن قلق الفريق من مآلات تنزيل المشروع، مؤكدة أن هذا الورش “اختيار ملك وشعب”، ما يجعله غير قابل للمزايدة، مشيرة إلى أن مسؤولية التنفيذ تقع على عاتق الحكومة، داعية إلى تجسيد المشروع واقعيا دون اختلالات، قبل أن تنتقد المقاربة النيوليبرالية في تصور الدور الاجتماعي للدولة، محذرة من غياب رؤية واضحة بخصوص الحكامة، الشفافية، والأمن الاجتماعي، وهو ما اعتبرته من أبرز الأسئلة الحارقة التي تستدعي أجوبة حاسمة من الفاعل الحكومي.
وشهد اللقاء نقاشات عميقة بين المشاركين من مختلف الأطراف، أكدت جميعها على ضرورة بلورة سياسة اجتماعية عادلة وشاملة، ترتكز على حقوق الإنسان ومقاربة تشاركية، بما يضمن استفادة كافة الفئات المجتمعية، خاصة الفئات الهشة، من الحماية الاجتماعية، كما شدد المتدخلون على أن استمرارية هذا الورش التاريخي تقتضي إرادة سياسية قوية، وتنسيقا فعليا بين مختلف المتدخلين، وتعبئة شاملة لكل الموارد والجهود الوطنية، وقد عرف اليوم الدراسي مشاركة واسعة من ممثلي الوزارات المعنية، مثل وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، إلى جانب خبراء في الحماية الاجتماعية، ورؤساء النقابات وهيئات المجتمع المدني، وتم خلال الجلسات مناقشة الإنجازات المحققة في مجال الحماية الاجتماعية، مع التركيز على التحديات والإكراهات التي تواجه هذا الورش الوطني، وطرح الفرص الممكنة لتطويره وتحقيق تغطية صحية ودعم اجتماعي شاملين، فيما اختتمت الأشغال بتقديم توصيات دعت إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين مختلف الفاعلين لضمان نجاح هذا المشروع الاستراتيجي.
تعليقات
0