تركيا على صفيح ساخن: غضب شبابي يتجدد بعد شهر من توقيف إمام أوغلو

محمد اليزناسني السبت 19 أبريل 2025 - 21:49 l عدد الزيارات : 26149

رغم مرور أكثر من شهر على توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لا تزال تركيا تعيش على وقع غضب شبابي آخذ في الاتساع، يتحدى سلطة حزب العدالة والتنمية ويعيد إلى الأذهان مشاهد حراك “غيزي بارك” الذي هز البلاد عام 2013. وبينما نجح الرئيس رجب طيب أردوغان في إبعاد أبرز خصومه السياسيين، إلا أن الشارع التركي، وخصوصًا الشباب، ما زال يردّ برفض متصاعد وصوت يعلو للمطالبة بالتغيير.

في 19 مارس/آذار، أوقف إمام أوغلو في منزله بتهم تتعلق بالفساد والإرهاب، وهي اتهامات وصفها أنصاره والمراقبون بأنها ذات دوافع سياسية تهدف إلى إقصائه عن الساحة، بعد أن بات يشكل تهديدًا حقيقيًا لطموحات أردوغان السياسية، خاصة بعد فوزه في انتخابات بلدية إسطنبول لعامي 2019 و2024. هذا التوقيف لم يكن مجرد حدث قضائي، بل نقطة تحول فجرت واحدة من أكبر موجات الغضب الشعبي في تركيا منذ أكثر من عقد.

في الأيام الأولى من الاحتجاجات، تدفق عشرات الآلاف كل ليلة إلى ساحة بلدية إسطنبول، وامتدت التظاهرات إلى شوارع عشرات المدن، في مشهد تجاوز الأطر الحزبية والتقسيمات التقليدية، وجمع مواطنين من مختلف الأعمار والانتماءات. هدأت هذه الموجة مؤقتًا مع حلول عيد الفطر، غير أن الهدوء لم يكن سوى استراحة مؤقتة لعاصفة يبدو أنها تتجدد الآن، بشكل أكثر تنظيما وعمقًا.

فعلى مدار الأيام العشرة الأخيرة، عادت الاحتجاجات لتنبض من قلب الجامعات في إسطنبول وأنقرة، وامتدت إلى العشرات من المدارس الثانوية في أنحاء البلاد، حيث خرج الطلاب في مظاهرات تندد بقرارات حكومية تقضي باستبدال عدد من المعلمين، وهي خطوة فسّرها كثيرون على أنها محاولة لفرض السيطرة الأيديولوجية على المؤسسات التربوية من قبل حزب العدالة والتنمية.

وفي هذا السياق، قالت ديميت لوكوسلو، أستاذة علم الاجتماع في جامعة يدي تبه بإسطنبول، لوكالة فرانس برس، إن مشاعر الرفض لدى الشباب “كانت كامنة، لكنها ظهرت إلى العلن بشكل واضح منذ منتصف مارس”. وأضافت أن العديد من الشباب “يرفضون النزعة المحافظة وأسلمة المجتمع، ويطالبون بمزيد من الحقوق والحريات”.

هؤلاء الشباب الذين لا يعرفون سوى عهد حزب العدالة والتنمية، والذي دام أكثر من عقدين، بدأوا يرفعون أصواتهم للتشكيك في شرعية الهيمنة القائمة، بل وتحديها. تقول إيدا، طالبة في سنتها الأخيرة بإحدى ثانويات إسطنبول، “إنه تراكم الغضب بين ملايين الشباب الذين لم يعرفوا سوى حزب العدالة والتنمية والذين لم تتم مراعاتهم”. وتضيف: “نريد أن نكسر الصمت الذي بنت عليه الحكومة هيمنتها”، مشيرة إلى استمرار احتجاز عشرات من الشبان الذين شاركوا في التظاهرات.

لا يقتصر المشهد على غضب شبابي عابر، بل يعكس أزمة أعمق تتعلق بشرعية الحكم ومكانة الحريات العامة في تركيا اليوم. فمع كل تظاهرة، وكل صوت معارض يعلو، يتضح أن توقيف إمام أوغلو لم يكن نهاية لمشكل سياسي، بل بداية لحراك اجتماعي قد يعيد تشكيل المشهد السياسي التركي برمته.

وفي ظل هذا الاحتقان، يجد حزب العدالة والتنمية نفسه في مواجهة جيل جديد من الأتراك، لا يهاب القمع، ويستخدم أدوات جديدة للتعبير عن رفضه، في الشارع كما على المنصات الرقمية، رافعين شعار “لا صمت بعد اليوم”.

وفي الوقت الذي تراهن فيه الحكومة على الزمن والإنهاك لإخماد هذه الحركة، تشير المؤشرات إلى أن الغضب الشعبي، وخاصة في صفوف الشباب، لا يزال في بداياته، وربما يحمل في طياته تحولات عميقة في مستقبل تركيا السياسي.

ما تشهده تركيا اليوم ليس مجرد موجة احتجاج على قرار قضائي بحق زعيم معارض، بل هو انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الشعبي، تقودها أجيال لم تعد تخشى السلطة ولا تتردد في المطالبة بالمحاسبة والحقوق. فالشباب الذين ولدوا ونشأوا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية باتوا يمثلون أكبر كتلة ديمغرافية ترفض الصمت والتهميش، وتملك أدوات التعبير والتعبئة التي لم تكن متاحة في السابق.

من الواضح أن رهان السلطة على استنزاف هذا الحراك قد لا يصمد طويلًا أمام إصرار جيلٍ يطالب بإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، بعيدًا عن الاستقطاب الديني أو القومي. ومع اتساع رقعة الاحتجاج إلى الجامعات والمدارس، فإن الاحتجاجات قد تتحول إلى ظاهرة سياسية واجتماعية مركبة، تتجاوز اللحظة الراهنة نحو تشكيل وعي جمعي جديد.

كما أن تكرار سيناريو “الإقصاء القضائي” للخصوم السياسيين، لم يعد يُقنع الشارع، بل على العكس، يُذكي مشاعر الظلم ويزيد من حدة الغضب الشعبي. وإذا لم تُقدم السلطة على خطوات إصلاحية حقيقية، فإنها تخاطر بفقدان السيطرة على الشارع، وربما مواجهة لحظة فارقة في مسيرتها، تُشبه في ملامحها الأولى ما حدث في ميدان تقسيم عام 2013، ولكن بأدوات أكثر تطورًا وتأثيرًا.

تركيا اليوم تقف على أعتاب مفترق طرق: إما الاستمرار في سياسات التصلب والقمع، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، أو الاستماع لصوت الشارع، والانخراط في مسار إصلاحي يعيد الاعتبار للمؤسسات والديمقراطية. وفي الحالتين، من الواضح أن الجيل الجديد لن يعود إلى الوراء.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 21 أبريل 2025 - 18:14

أرباب سيارات الإسعاف الخاصة بأكَادير يحتجون أمام ثكنة الوقاية المدنية تنديدا بمجانية خدمات نقل المرضى والجرحى والموتى

الإثنين 21 أبريل 2025 - 18:06

مليكة الزخنيني تطرح مسألة غياب الحكومة عن الجلسات الرقابية

الإثنين 21 أبريل 2025 - 17:59

جماعة سيدي قاسم تبرمج فائض ميزانية 2024 في مشاريع لإعادة الهيكلة والبنية الكهربائية والحماية من الفيضانات

الإثنين 21 أبريل 2025 - 17:45

الحسن لشكر يطالب بإدراج موضوع طارئ حول تعزيز منظومة الأمن المعلوماتي للوزارات لمواجهة التهديدات السيبرانية المتصاعدة

error: