حينما تتحول الجمعيات إلى أذرع انتخابية

جواد رسام الأحد 20 أبريل 2025 - 23:21 l عدد الزيارات : 16234

في قلب المشهد الديمقراطي المغربي الحالي ، يطفو على السطح واقع مقلق يستدعي وقفة جادة من كل غيور على هذا الوطن.
فعشرات الجمعيات التي تعرف باسم العمل الاجتماعي والتنموي، تحولت عن قصد أو عن حين غفلة، إلى أدوات انتخابية تشتغل لصالح أحزاب بعينها، مدفوعة بالدعم العمومي أو بتزكية خفية من مؤسسات اقتصادية من المفترض أن تشتغل في إطار المسؤولية الاجتماعية.
هذه الجمعيات، التي يفترض فيها أن تكون مستقلة، ترفع شعارات الحياد والإنسانية، لكنها في الواقع ، تمارس كل ما يناقض ذلك.
فبعضها بات يوزع المساعدات في توقيت سياسي حساس، ويربط الإحسان بوجه انتخابي معروف، و بدون موجب حق ، و خارج الضوابط القانونية المؤطرة لعملية الاحسان العمومي، موجهين هذا العطاء نحو الخزان الانتخابي لمستفيد بعينه.

فالغريب أنها  تستفيد في بعض الاحيان من دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و تارة اخرى من ميزانيات مؤسسات عمومية، بل من بعض المقرات والهبات التي  تمنح لهم بسخاء.
هذا التمويل، المفترض أنه يوجه لتنمية الإنسان و لتحسين شروط عيش الفئات الهشة، لكنه يحول بقدرة قادر  أحيانا إلى رأسمال سياسي يستثمره منتخبون في صمت وبلا حسيب.
وإذا كانت بعض الشركات الخاصة تساهم بحسن نية في دعم هذه الجمعيات، فالمشكلة أكبر حين تكتشف أن هذا الدعم الخيري قد تم تسييسه وتحويله إلى مقابل انتخابي مؤجل،  يوزع على شكل قفف غذائية، أو تنظيم أنشطة موسمية، ظاهرها الإحسان وباطنها تعبيد الطريق نحو صندوق الاقتراع.


فهذه المشاهد اصبحت تتكرر  كل سنة على مرأى و مسمع الجميع ، بما فيهم السلطات المحلية التي تأخد الحياد السلبي ، عوض  رفع تقاريرها لمسؤوليها المركزيين لايقاف هذا العبث .
اصبحنا نرى جمعيات توزع القفف في رمضان، أو بمناسبة الدخول المدرسي، أو في الأعياد، لكنها لا تفعل ذلك بوجه خالص، بل باسم مرشح، أو تحت ظل صورة حزبية. المواطن الذي يعاني الهشاشة لا يرى في هذه المساعدة فعلا خيرا، بل يعتبره التزاما غير مكتوب، واجب عليه سداد ثمنه لاحقا في يوم الاقتراع.
هذا السلوك لا يضرب فقط استقلالية الفعل الجمعوي، بل يجهز على ثقة الناس في الديمقراطية، ويخلق فوارق سياسية غير عادلة، تقصي أحزابا لا تملك هذا الذراع الخيري، وتبرز أخرى فقط لأنها تملك جمعية هنا أو مؤسسة هناك.
ما يحدث هو عملية توجيه مسبق وممنهج للنتائج الانتخابية، لا تعتمد على البرامج أو الكفاءة، بل على المساعدة المشروطة. وهذا في حد ذاته تزوير ناعم و مبطن للإرادة الشعبية.
فسكوت السلطات العمومية عن هذه الممارسات، هو بمتابة شراكة في ضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين الأحزاب، وفي تمييع فكرة الاستحقاق والجدارة في العمل السياسي.
ما يحصل هو اختلال خطير في التوازن الديمقراطي ، وإن لم تتدخل السلطات من موقعها بدءا  بوزارة الداخلية، إلى الولاة، إلى العمال، فإن العمل الجمعوي سيفقد نهائيا روحه، وسيتحول إلى مجرد آلة انتخابية تنتج الخراب بدل التنمية.
إن الفعل الجمعوي الحقيقي، إن كان لا بد أن يمارس بشكل منظم، فيجب أن يسند إلى مؤسسات فوق حزبية، من قبيل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، او غيرها من المؤسسات المحايدة ذات الشرعية  ،و التي تحظى بمصداقية عالية، وتقوم بعملها بشكل يضمن الكرامة ولا تقايض الإنسان على صوته.
فالجواب هنا لا يخص جهة واحدة. بل الامر هو مسؤولية جماعية تشمل وزارة الداخلية، ومؤسسات الرقابة، والسلطات المحلية، و الاحزاب ، بل وحتى الإعلام والمجتمع المدني النزيه.
إنقاذ الديمقراطية لا يتم فقط عبر صناديق الاقتراع، بل يبدأ بضمان نزاهة الطريق المؤدي إليها.
والطريق اليوم ملغم بجمعيات هجينة، ترتدي قناع الإحسان، وتخفي تحت الطاولة صفقات سياسية تقتل المساواة، وتفسد روح التطوع، وتعمق اللامساواة السياسية.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الإثنين 21 أبريل 2025 - 18:14

أرباب سيارات الإسعاف الخاصة بأكَادير يحتجون أمام ثكنة الوقاية المدنية تنديدا بمجانية خدمات نقل المرضى والجرحى والموتى

الإثنين 21 أبريل 2025 - 18:06

مليكة الزخنيني تطرح مسألة غياب الحكومة عن الجلسات الرقابية

الإثنين 21 أبريل 2025 - 17:59

جماعة سيدي قاسم تبرمج فائض ميزانية 2024 في مشاريع لإعادة الهيكلة والبنية الكهربائية والحماية من الفيضانات

الإثنين 21 أبريل 2025 - 17:45

الحسن لشكر يطالب بإدراج موضوع طارئ حول تعزيز منظومة الأمن المعلوماتي للوزارات لمواجهة التهديدات السيبرانية المتصاعدة

error: