الصحة والإصلاح والسيادة.. مؤتمر وطني يجدد دماء النقابة ويدق أبواب التغيير من الرباط إلى العيون…

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع الصحة بالمغرب، وتفعيلا للورش الملكي الطموح لإصلاح المنظومة الصحية، انعقد المؤتمر الوطني التاسع للنقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو المؤسس للفيدرالية الديمقراطية للشغل، في محطة تنظيمية متميزة طبعتها روح المسؤولية والنقاش الجاد والانخراط الواسع لنساء ورجال الصحة من مختلف الفئات، وقد شكل هذا الحدث، المنعقد أيام 18 و19 و20 أبريل 2025 بالرباط، فرصة لتجديد الهياكل التنظيمية، وتقييم الأداء النقابي، ومواصلة الترافع من أجل إنصاف الشغيلة الصحية وتعزيز دورها داخل المنظومة، المؤتمر الذي ترأسه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، جاء تحت شعار دال: “تثمين الموارد البشرية الصحية ركيزة أساسية لبناء منظومة صحية مستدامة”، مؤكدا التزام النقابة بخوض غمار التحديات الراهنة والمستقبلية بروح الوحدة والنضال والتجديد، ومواصلة الترافع من موقعها التاريخي من أجل منظومة صحية عمومية عادلة، منصفة، ودامجة لكل الكفاءات الصحية.

لشكر يدعو لندوة وطنية بالعيون وطرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد الإفريقي..

افتتح الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، الجلسة بكلمة سياسية قوية عن القضية الوطنية، داعياً إلى الابتعاد عن الخطابات التقليدية والاكتفاء بالوضوح والاختصار. وعلّق لشكر على إحاطة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا أمام مجلس الأمن قائلا: “لن أردد اللازمة وسأكون مختصراً. هذه الإحاطة تطرح على بلادنا أن نفكر برؤية وبكل مسؤولية. لا بد أن نسجل بفخر أن ما بذلته بلادنا من مجهود في ملف القضية الوطنية أوصلنا إلى ما نحن عليه من مكاسب. الرأي العام الدولي منخرط معنا، لكن لا تزال بعض المطبات قائمة.”

وأضاف لشكر أن من أبرز هذه العقبات استمرار ما تُسمى “الجمهورية الصحراوية” كعضو داخل الاتحاد الإفريقي، رغم سحب أغلب الدول الإفريقية اعترافها بها، مؤكدا: “يجب أن تكون سنة 2025 سنة التغيير، كما أعلن جلالة الملك. وعلينا أن نعمل لطرد هذه الجمهورية الوهمية من الاتحاد الإفريقي.”

وبخصوص إحاطة دي ميستورا، قال لشكر إنها تضمنت تقدماً بالاعتراف بالحكم الذاتي كحل جدي، لكنه اعتبر أن المغرب بحاجة إلى قرار واضح من مجلس الأمن، قائلا: “لا يجب أن نبتهج بالإحاطات فقط. نحتاج إلى قرار يُفصّل السيادة المغربية والحكم الذاتي، ويُبعد عنا العودة إلى منطق الاستفتاء وتقرير المصير.”

وفي خطوة استراتيجية، أعلن لشكر عن مقترح لعقد ندوة وطنية بمدينة العيون تضم الصحراويين المؤيدين للحكم الذاتي من داخل الوطن وخارجه، قائلا: “المعني الأول بالحكم الذاتي هم الصحراويون داخل الوطن، في الداخلة والعيون وبوجدور وغيرها، ثم الصحراويون في الخارج ممن لا تمثلهم البوليساريو.”

وختم كلمته بدعوة إلى رفع سقف الطموح: “يجب أن ننتقل من التدبير إلى التغيير الحقيقي كما دعا جلالة الملك، وأن تُرفع قضيتنا من التداول في اللجنة الرابعة ومجلس الأمن إلى مرحلة الحسم الواضح في السيادة والحكم الذاتي.”

إيدي.. من ملحمة كورونا إلى خراطيم القمع..

من جانبه، أكد الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، يوسف إيدي، أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي في سياق تجديد حيوي تشهده الفيدرالية بعد نجاح مؤتمرات قطاعات العدل، اتصالات المغرب، والفوسفاط، قائلا: “اليوم جاء دور قطاع الصحة، هذا القطاع المتنوع الذي يضم أطباء وممرضين وتقنيين وأخصائيين وعمال صيانة وغيرهم، والنقابة الوطنية للصحة العمومية أبانت عن حكمة في تدبير هذا التنوع.”

واستحضر إيدي صورتين متناقضتين لا تفارقانه: “الأولى تجند الأطر الصحية خلال جائحة كوفيد، والثانية هي صورة القمع بخراطيم المياه ضد المناضلين في شوارع الرباط. الفرق شاسع بين نبل ما تقدمه الأطر الصحية وتعامل الحكومة معهم.”

الحكومة بخيلة مع أطر الصحة وكريمة مع الفراقشية..

وعبّر عن استغرابه من سياسة الحكومة، قائلا: “النقابة تسعى لتحسين أوضاع القطاع دون الإضرار بصحة المواطنين، لكن الحكومة تبخل على الأطر الصحية بينما تُظهر الكرم لفئات أخرى مثل الفراقشية والتجار”، مشددا على ضرورة حماية الوضعية المهنية والاجتماعية للعاملين في الصحة، محذرا من تفكيك القطاع العمومي لصالح الخاص، واصفا الأمر بأنه يؤدي إلى “توجيه المواطن البسيط نحو حلول صحية مكلفة وغير عادلة” ليختم تصريحه بتأكيد رفضه المطلق لـ”عقلية البيع والشراء” في ملف الحماية الاجتماعية، معبرا عن دعمه للنقابة واعتبارها حصنا للدفاع عن صحة المغاربة.

السفير الفلسطيني الصحة لا تتحقق إلا في بيئة من الحرية..

من جهته، ألقى السفير الفلسطيني بالمغرب، جمال الشوبكي، كلمة مؤثرة عبّر فيها عن امتنانه العميق للدعم المغربي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية، مشيدا بدور الاتحاد الاشتراكي والاشتراكية الدولية، ومواقف النقابات المغربية، وعلى رأسها النقابة الوطنية للصحة العمومية.

وتوقف السفير عند الوضع الكارثي في غزة، قائلا: “نعيش كارثة إنسانية وصحية غير مسبوقة.. أكثر من 51 ألف شهيد، أغلبهم من النساء والأطفال، و117 ألف جريح، و12 ألف مفقود. القطاع الصحي مستهدف، 36 مستشفى دمرت أو تعطلت، 1400 شهيد من العاملين الصحيين.”

وأشار إلى أن الحصار على غزة “حوّل الحياة إلى مأساة من قصف وتجويع وحرمان، بهدف فرض واقع من الاستسلام أو التهجير، وهذه جريمة إنسانية مكتملة الأركان”

كما تطرق الشوبكي إلى أوضاع الضفة الغربية، حيث بلغ عدد الأسرى حوالي 10 آلاف، بينهم أطفال ونساء ومرضى. وختم بقوله: “الصحة حق أساسي لا يتحقق إلا في بيئة من الحرية والكرامة. ندعو القوى الحية في المغرب إلى دعم صمود شعبنا، وخاصة الكوادر الصحية، ونشكر جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، على الدعم المتواصل”.

بلمقدم.. مؤتمر تاسع مفصلي في سياق إعادة بناء المنظومة الصحية وتأهيل الموارد البشرية..

من جانبه، أوضح كريم بلمقدم، في تصريح على هامش المؤتمر، أن هذه المحطة التنظيمية، المنعقدة تحت شعار “تثمين الموارد البشرية ركيزة أساسية لبناء منظومة صحية مستدامة”، شكلت مناسبة لمناقشة مشاريع المقررات الأساسية، وفي مقدمتها مشروع مقرر الوضع الصحي بالمغرب، والملف المطلبي، إلى جانب القانون التنظيمي للمنظمة، وانتخاب الأجهزة التنظيمية الجديدة التي ستقود العمل النقابي في المرحلة المقبلة.

وأكد بلمقدم أن المنظومة الصحية الوطنية تعيش اليوم مرحلة تحول جذري وإعادة بناء شاملة، أصبحت مؤطرة بالقانون الإطار رقم 06.22، والذي يرتكز على أربع دعامات رئيسية: أولها تثمين الموارد البشرية، ثم تطوير العرض الصحي، فتعزيز الحكامة، وأخيرا تحديث المنظومة المعلوماتية.

وأشار إلى أن النقابة الوطنية للصحة العمومية، باعتبارها فاعلا نقابيا مركزيا، كانت في قلب الحوارات والاتفاقات طيلة السنتين الأخيرتين، بهدف تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لكافة الفئات التي يتكوّن منها الجسم الصحي، وتمكينها من تطوير مهاراتها، حتى تواكب الدينامية الجديدة التي يعرفها القطاع الصحي بالمغرب.

تجرد الإشارة إلى أنه وفي جو نضالي مميز، وبحضور وازن لفعاليات سياسية ونقابية ومجتمعية، انطلقت أشغال المؤتمر الوطني التاسع للنقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو المؤسس للفيدرالية الديمقراطية للشغل، يوم الجمعة 18 أبريل 2025 بالرباط، تحت شعار “تثمين الموارد البشرية الصحية ركيزة أساسية لبناء منظومة صحية مستدامة”، وقد شهدت الجلسة الافتتاحية حضور شخصيات بارزة، في مقدمتها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، والسفير الفلسطيني بالمغرب جمال الشوبكي، إلى جانب وفد مركزي من الفيدرالية الديمقراطية للشغل برئاسة الكاتب العام يوسف إيدي، وقيادات تاريخية وفعاليات من المجتمع المدني.

وفي الساعات الأولى من صباح السبت، صادقت الجلسة العامة على التقريرين الأدبي والمالي، قبل أن يقدم المكتب الوطني استقالته، ويدخل المؤتمر مرحلة انتخاب الأجهزة الجديدة، حيث تمت إعادة انتخاب الدكتور كريم بالمقدم كاتباً عاما وطنيا بالإجماع، بعد أن صدحت القاعة بإجماع المؤتمرين على تجديد الثقة فيه لولاية ثانية، اعترافا بما راكمته النقابة من نضالات ومكاسب، وهي التي تحتفل هذه السنة بمرور 47 سنة على تأسيسها، وتم اعتماد المقرر التنظيمي الجديد بعد عرضه من طرف لجنة خاصة، وتضمنت أشغال المؤتمر أيضاً مناقشة مشاريع المقررات المتعلقة بالوضع الصحي والملف المطلبي، في سياق التحولات التي تعرفها المنظومة الصحية المغربية، المؤطرة بالقانون 06.22، والتي تقوم على أربع ركائز أساسية أبرزها تثمين الموارد البشرية، وتطوير العرض الصحي، والحكامة، والمنظومة المعلوماتية.

المؤتمر شكل لحظة قوية للتأكيد على استمرار النقابة الوطنية للصحة العمومية في أداء أدوارها الترافعية والميدانية، وتحصين حقوق العاملين في القطاع، ومواكبة ورش الإصلاح الصحي الكبير الذي أطلقه جلالة الملك، في أفق منظومة صحية أكثر عدالة واستدامة.