شهدت المائة يوم الأولى من ولاية دونالد ترامب الثانية في البيت الأبيض تحولات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تبنى الرئيس الجمهوري نهجًا أحاديًا قائمًا على مبدأ “أميركا أولًا”، متحديًا التحالفات التقليدية والنظام الجيوسياسي العالمي. من فرض رسوم جمركية إلى تقارب مفاجئ مع روسيا، مرورًا بتصريحات مثيرة للجدل حول غزة وغْرينلاند، رسم ترامب مسارًا جديدًا لواشنطن يعتمد على الصفقات والقوة أكثر من الدبلوماسية التقليدية.
أبرز المحطات في سياسة ترامب الخارجية
1. تفكيك التحالفات وفرض الرسوم الجمركية
الحرب التجارية الشاملة: فرض ترامب رسومًا جمركية مرتفعة على عشرات الدول، بما فيها حلفاء تقليديون مثل الاتحاد الأوروبي، مدعيًا أنهم “يستغلون” الاقتصاد الأمريكي. وصلت الرسوم على الصين إلى 145%، مما أثار اضطرابات في الأسواق العالمية.
انتقاد الاتحاد الأوروبي: وصف ترامب التكتل الأوروبي بأنه “مصمم لاستغلال أمريكا”، وهدد بمراجعة العلاقات عبر الأطلسي.
2. تقارب غير مسبوق مع روسيا
إنهاء عزلة بوتين: بعد سنوات من العقوبات الغربية بسبب غزو أوكرانيا، أعاد ترامب التواصل مع الرئيس الروسي، وأجرى معه مكالمات ومفاوضات سرية في السعودية.
إهمال أوكرانيا والأوروبيين: تجاهلت إدارة ترامب كييف في مفاوضات السلام، بل هاجم ترامب الرئيس زيلينسكي علنًا، وصفه بـ”الديكتاتور غير المنتخب”.
3. تصريحات صادمة حول غزة وغْرينلاند
تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”: أعلن ترامب خطة لإعادة إعمار القطاع تحت السيطرة الأمريكية، مع ترحيل سكانه إلى مصر والأردن، مما أثار غضبًا عربيًا ودوليًا.
مطالبة بشراء غْرينلاند: أصر ترامب على أن الجزيرة ضرورية “للأمن الدولي”، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية مع الدنمارك.
4. مفاوضات غير تقليدية مع إيران
محادثات سرية في عُمان وروما: على الرغم من سياسة “الضغط القصوى”، أجرت إدارة ترامب مفاوضات غير مباشرة مع طهران، بقيادة مفاوضين مقربين منه.
تهديدات عسكرية: حذر ترامب من ضربات عسكرية إذا لم تلتزم إيران بحدود برنامجها النووي.
5. انسحابات من الاتفاقيات الدولية
الخروج من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، وتخفيض حاد في المساعدات الخارجية، بحجة “مكافحة الهدر”.
التأثير على الداخل الأمريكي
تصادم مع القضاء: وصف ترامب القضاة الذين عارضوا قراراته بـ”الفاسدين”، وواجه دعاوى قضائية حول ترحيل المهاجرين وتخفيض تمويل الجامعات.
إجراءات حول الهجرة والتحول الجنسي: شدد على ترحيل المهاجرين غير النظاميين، وأصدر أوامر تنفيذية تمنع المتحولين جنسيًا من الخدمة في الجيش.
جدل حرية التعبير: خفض تمويل جامعة كولومبيا بسبب احتجاجات مؤيدة لفلسطين، واتهامها بـ”معاداة السامية”.
ردود الفعل الدولية
انتقادات أوروبية: وصف مارك ليونارد (المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية) سياسة ترامب بأنها “قضت على كل المسلمات”، مبينًا أنها محت الفروق بين الحلفاء والأعداء.
غضب عربي وإسلامي: بسبب تصريحات غزة وخطة التهجير، وكذلك الضربات الأمريكية في اليمن.
توتر مع الصين: بسبب الحرب التجارية ورفض ترامب أي تنازلات.
“السلام عبر القوة” أم الفوضى؟
يقدم ترامب نفسه كـ”صانع سلام” يعتمد على القوة والمفاوضات غير التقليدية، لكن المائة يوم الأولى كشفت عن تحديات جسيمة:
استمرار الحرب في أوكرانيا وغزة رغم محاولات الوساطة.
تقلبات في الأسواق العالمية بسبب السياسات الأحادية.
تآكل الثقة في التحالفات الأمريكية التقليدية.
بينما يرى مؤيدو ترامب أنه “يكسر القواعد البالية”، يحذر منتقدوه من أن سياسته تهدد الاستقرار العالمي. يبقى السؤال: هل تؤدي هذه الرؤية إلى “أمريكا عظيمة” أم إلى عالم أكثر انقسامًا؟
تعليقات
0