نجاح “الملتقى الوطني للنقد الأدبي” الذي تحتضنه “روافد”، بخنيفرة، في انفتاح الهوية الثقافية على المشترك الإنساني

أنوار بريس الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 10:29 l عدد الزيارات : 1245

أحمد بيضي

اختتمت فعاليات “الملتقى الوطني للنقد الادبي”، بخنيفرة، الذي ينظمه “مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام”، بالإعلان عن نجاحه، إن على مستوى المشاركات والمشاركين أو مستوى الحضور المتمثل في النقاد والمبدعين والباحثين، والمهتمين بالشأن الثقافي محليا ووطنيا، أو من خلال حسن التنظيم والاستقبال، وكذا التفاعل الواسع مع أشغاله التي جرى احتضانها ب “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، وقد حملت دورته الثالثة (دورة المبدع والناقد حميد ركاطة) شعار “الهوية الثقافية في الإبداع والنقد: من المحلية إلى المشترك الإنساني لما لهذه المحطة من دلالات في خضم التحولات الثقافية الراهنة.

اختُتمت فعاليات الحدث الثقافي بمسائية تضمنت ندوة نقدية متميزة، عُقدت في جلستين ركزتا على قراءات معمقة ومتعددة الزوايا في أعمال الكاتب والقاص والناقد حميد ركاطة، وقد أدار الجلسة الأولى الناقد الحسين والمداني (حسام الدين نوالي)، وشهدت مشاركة بديعة لفضايلي بقراءة تحت عنوان “السرد بين العمى والإبصار في مذكرات أعمى”، تلتها مداخلة محمد شهبون بورقته حول “الملمح القرآني في مذكرات أعمى”، بينما شاركت عتيقة هاشمي بورقة بعنوان “في تفاعل الهويات والنصوص: الإبداع والنقد بين المحلي والمشترك”، ليختتم محمد العمراني الجلسة بعرضه “نحو ابستيمولوجية تحليلية للهوية النقدية في كتاب العتبات في القصة القصيرة“.

أما الجلسة الثانية التي أدارها الباحث في النقد السينمائي، إسماعيل هواري، وتمحورت هي الأخرى حول قراءات أكاديمية دقيقة لأعمال حميد ركاطة، بما يعكس عمق التفاعل النقدي مع تجربته الإبداعية في مجالي القصة والرواية، فقد تميزت بمشاركة ثلة من الطلبة الباحثين المنتمين إلى مختبر “السرد والأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع، قدّمت فيها فاطمة سمود ورقة بعنوان “الذاكرة والهوية في رواية مذكرات أعمى”، أعقبتها سكينة بوملخة بمداخلة تحت عنوان “النقد الأدبي مدخلا للهوية الثقافية”، واختُتمت الجلسة بمساهمة عبد الرحيم رفيقي، الذي قدم قراءة بعنوان “مصادر التجربة القصصية المغربية: قراءة في دموع فراشة وذكريات عصفورة.

وكانت فعاليات الملتقى قد تواصلت بفقرة تحت شعار: “الهوية الثقافية في الإبداع والنقد: من المحلية إلى المشترك الإنساني”، تمت إدارتها من طرف عبدالله وعدي، حيث تميزت الفترة الصباحية بجلسة تكريم للمبدعين والنقاد المحليين المتوجين بجوائز وطنية ودولية، وهم محمد العمراني (جائزة الشارقة للرواية)، إسماعيل هواري (الجائزة الوطنية للاستحقاق الثقافي والفني)، أيوب كريم (جائزة سيزار الوطنية للشعر)، هشام مودن (جائزة الشارقة للرواية)، زهير البوعزاوي (جائزة الملتقى الوطني للشباب)، فيما تعذر حضور عيسى ناصري (اللائحة القصيرة للبوكر وجائزة أفضل كاتب عربي) وجمال كريم (جائزة رضا عبادة التشجيعية للرواية) لظروف شخصية طارئة.

وعلى غرار الدورات السابقة، اختار مركز روافد “تكريم وجه محلي”، الإعلامي محمد مرادي، نظير ما قدمه من إسهامات في المشهد الإعلامي الثقافي، وقد قدّم الإعلامي أحمد بيضي شهادة في حقه، استهلها باستعراض مسار المكرم، منذ ولادته بالقرية المنجمية عوام، مرورا بمراحله التعليمية الابتدائية والثانوية والجامعية، إلى تخصصه في علوم الحياة والأرض، وتخرّجه أستاذًا خرّج أجيالا متعاقبة، فيما قدّمه كشخصية متعددة الأبعاد، يصعب اختزالها في صفة واحدة، لما يتحلّى به من نبالة في المعاني والمواقف، وجمعه بين أدوار المربي، والصديق الوفي، والفاعل السياسي والإعلامي، والمنتخب الذي خاض تجربة التمثيل في ظرفية مغربية خاصة.

ولم يفت الشاهد الإشارة إلى معرفته بالمكرم منذ أكثر من ثلاثين سنة، حين كان مشبعا بحس سياسي نبيل، وسبق أن اختار الصحافة يوم كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، فيما توقف عند خصال المكرم في التضامن الإنساني، واستعداده الدائم للمساعدة، كما استحضر محطات جمعتهما، من لقاءات وسفريات واختلافات، مؤكدا أن صداقتهما تجاوزت كل ما قد يفرّق، وظلت بمنأى عن تأثير الانتماءات، ذلك قبل تقدم المكرم محمد مرادي بكلمة بدا عليها التأثر العميق بلحظة التكريم، وقد أعرب فيها عما يخالجه من شكر وثناء حيال اختياره للتكريم، ومن عجز عن وصف شعوره وإحساسه في هذه اللحظة بالذات.

وقد افتُتحت فعاليات الملتقى بأمسية شعرية بهيجة، شكّلت نقطة انطلاق فقرات الحدث الثقافي، وأدارتها الشاعرة المتألقة والأيقونة نعيمة قصباوي، التي أضفت على الأجواء دفئا وحضورا شعريا مميزا، بينما أضفى الفنان معاد تهادي لمسة موسيقية وغنائية ساحرة بتقاسيم عوده، حيث شهدت الأمسية مشاركة كوكبة من الشعراء والزجالين الذين قدّموا نصوصهم بمزيج لغوي ثري، جمع بين العربية، الزجل، الأمازيغية، والفرنسية، في تناغمٍ فني يعكس التعدد الثقافي للمغرب، وهم مليكة المعطاوي، صالح لبريني، عبد الرحمان الوادي، فاطمة الزهراء فزازي، مالكة حبرشيد، محمد الغازولي، خديجة أبو علي، سعيد بوطرين، قاسم لوباي، محمد أعروش، وإيمان الونطدي.

وقد تم تتويج الحدث الثقافي بحفل تكريم المبدع والناقد حميد ركاطة، أشرف على تسييره الكاتب صخر المهيف، وقدم خلاله القاص والروائي عبد الواحد كفيح شهادة وفاء في حق المحتفى به، استعرض فيها محطات بارزة من علاقته به ومسيرته الإبداعية، وأشاد بإسهاماته في الحقل الثقافي الوطني، فيما المحتفى به لم يتمالك دموعه وهو يلقي كلمته في حفل تكريمه، فبين عبارة وأخرى، خنقته العبرات وهو يُعبّر عن امتنانه في لحظة قال بأنها ستظل محفورة في ذاكرته، لحظة تختصر سنوات من العطاء والحب والإبداع، مبرزا أنه رغم أنه حظي بالتكريم في مدن وأماكن كثيرة خارج “البلدة الحمراء”، يكون احتفاء اليوم له طعم الدفء والانتماء.

وزاد ركاطة معبرا عن تكريم من الأرض التي احتضنته في بداياته، من مدينة خنيفرة التي فتحت له ذراعيها، وآمنت بجنونه الجميل، وشكلت نقطة انطلاقه الأولى نحو آفاق الإبداع الواسع، هنا، على تراب هذا الوطن الصغير، نسج أحلامه الأولى، وحولها إلى واقع ملموس، وقال “لم يخطر ببالي يوما أن يُكرمني أهلي، لأننا، أنا وهم، جبلنا على نكران الذات ولا نفكر في أنفسنا بقدر ما نحمل همّ الآخر، ونؤمن بثقافة الاعتراف والتقدير للغير، وأضاف بنبرة تملؤها الدهشة والامتنان “انتابتني لحظة غريبة، وقلت: كيف يعقل أن يحتفي الإنسان بنفسه؟ بدا لي الأمر عبثيا… لكنني رأيت في عيون رفاقي فرحا حقيقيا، ووجدت في حماسهم ما يبرر هذا الاحتفاء.”

ويذكر أن الإعلان عن افتتاح فعاليات الملتقى قد تم بكلمات الجهات المنظمة والداعمة والشريكة، منها كلمة الجماعة الحضرية التي تكلف بإلقائها عبدالعالي الصديق، وتضمنت مدى انخراط هذه الجماعة في كل ماهو ثقافي وجمعوي، تلتها كلمة المركز المنظم، مركز روافد، التي تقدم بها رئيس هذا المركز، حميد ركاطة، معتبرا شعار الدورة يأتي في إطار مشروع ثقافي متكامل انطلق منذ الدورة الأولى، ويواصل ترسيخ حضوره برؤية منهجية منسجمة مع توجهات المركز المنظم، ويستند إلى معطيات ميدانية تم تجميعها عبر استمارات موجَّهة للمشاركين في الدورات السابقة، تتضمن مقترحات لمحاور مستقبلية وأسماء مبدعين مغاربة للاحتفاء بمنجزاتهم.

وتماشيا مع الرغبة في إبراز الخصوصية المحلية في مجالي الإبداع والنقد، وارتباطها بالهموم الإنسانية الكونية، أبرز رئيس مركز روافد أهمية اختيار الملتقى، في دورته الثالثة، الانفتاح على المؤسسات الأكاديمية والجامعية، من خلال استضافة مدير وطلبة مختبر السرد والأشكال الثقافية، في خطوة ستُتوج بتوقيع اتفاقية شراكة وتنسيق أنشطة مشتركة تغني المشهد الثقافي وتعزز التعاون المعرفي، فضلا عن التفاتة الملتقى إلى المبدعين والنقاد المحليين الذين بصموا المشهد الثقافي بإسهامات نوعية، وإلى الدور الحيوي للإعلام المساهم في ترسيخ حضور المشروع الثقافي في الذاكرة الوطنية.

وفي الكلمة التي ألقاها القاص والناقد الحسين والمداني (حسام الدين نوالي) باسم مختبر “السرد والأشكال الثقافية: الأدب واللغة والمجتمع”، نيابة عن مدير المختبر الذي تعذر حضوره في الوقت المحدد لأسباب علمية، هنأ المختبر مركز روافد على تنظيم النسخة الثالثة من الملتقى، مشيداً باختياره لمحور ذي راهنية يستدعي مقاربات متعددة وأسئلة ملحّة، واعتبر مشاركة المختبر في هذا الموعد الثقافي تمثل امتدادا لانفتاحه على الأنشطة الفكرية والفنية خارج أسوار الجامعة، كما أكد في كلمته على أن جلسات الملتقى وفقراته تشكل فضاءً خصبا للتفكير والحوار حول قضايا الإبداع والنقد والثقافة، بما يعزز من الحركية العلمية والثقافية بالعاصمة الزيانية.

أما مندوب وزارة الشباب والثقافة – قطاع الشباب، مصطفى الخيار، فأكد في كلمته أن الملتقى يمثل إحدى المبادرات الثقافية النوعية التي تعكس وعيا حقيقيا بأهمية الإبداع الثقافي في ترسيخ وعي مجتمعي متوازن، يُعلي من خصوصية الهوية الثقافية، وينفتح في الوقت ذاته على القيم الإنسانية المشتركة، فيما اعتبر شعار الدورة الثالثة للملتقى مدخلا لسؤال جوهري يتقاطع مع رسالة قطاع الشباب في ما يتعلق بتنمية قدرات الناشئة على الإبداع والتفكير النقدي، وتعزيز روح الانتماء إلى الهوية والانفتاح على العالم، كما أوضح أن قطاع الشباب يرى في هذه التظاهرات الثقافية شريكاً محوريا في مشروع تأهيل الشباب، لما تتيحه من فضاءات للحوار والتعبير والمعرفة.

وبدوره، رحب مدير “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، حسن بلكبير، بفعاليات الملتقى، ومؤكدا أن مركزه يشكل وسيلة هامة لتعزيز الشأن الثقافي، في جمعه نخبة من المثقفين المؤمنين بأهمية دعم المبادرات الجادة في مجالات المعرفة والفن والإبداع، فيما أشار إلى الدور المحوري للملتقى في دعم الإبداع والنقد باتجاه ترسيخ الهوية وتعزيز الحوار الثقافي من خلال استلهام الخصوصيات المحلية والانفتاح على المشترك الإنساني، كما عبّر عن اعتزازه بالتعرف على فعاليات ومسؤولين محليين غيورين على الثقافة، مما زاده عزما على مواصلة العمل رغم محدودية الإمكانيات وبفضل دعم المديرية الجهوية والثقة التي منحها له القطاع الوصي.

في ختام أشغال الدورة الثالثة للملتقى، دعا المشاركون إلى ضرورة طبع المداخلات التي تناولت مشروع المبدع والناقد حميد ركاطة، وعرض مؤلفاته بهدف التعريف أكثر بمسيرته الإبداعية وتقريبها من المتلقي، كما شددوا على أهمية الانفتاح على المؤسسات التعليمية من خلال تنظيم ورشات قرائية تُعنى بالنقد والإبداع، وتعزيز ثقافة الاعتراف بالمبدعين المحليين عبر تنظيم تكريمات مستحقة، علاوة على دعم وتشجيع التلميذات والتلاميذ المتوجين بجوائز وطنية في مجالات القراءة والتشكيل وغيرها، وبينما تميز الملتقى بحضور وازن للنقاد والمبدعين والمهتمين، تركت مشاركة طلبة مختبر السرد أثرا إيجابيا بين المتتبعين والمشاركين.

يُشار إلى أن مركز روافد، في مدينة خنيفرة، قد جعل من “الملتقى الوطني الأول للنقد الأدبي” حدثًا سنويا، رغم التحديات والصعوبات التي واجهته، حيث انطلق في نسخته الأولى عام 2020، خلال أيام الجمعة والسبت والأحد، 6 و7 و8 مارس 2020، تحت شعار “أحداث الربيع العربي وأصداؤها في الرواية” (دورة الناقد عبدالمالك أشهبون)، ونظرا لجائحة كورونا التي اجتاحت بلادنا والعالم، تم تعليق فعاليات الملتقى إلى عام 2023، حيث تم تنظيم النسخة الثانية في دورة الشاعر والناقد صلاح بوسريف، تحت شعار “الشعر المغربي وسؤال الهوية المنفتحة”، وذلك خلال أيام 24 و25 و26 فبراير 2023.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 13:54

وزارة الفلاحة تتوقع 44 مليون قنطار من الحبوب خلال الموسم الفلاحي الحالي

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 13:16

سفيرة الاتحاد الأوروبي تؤكد من داخل معرض الفلاحة على متانة العلاقات بين الرباط وبروكسيل

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 12:45

لقاء بالرباط لتعزيز التعاون بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمركز القطري للإعلام

الثلاثاء 22 أبريل 2025 - 12:30

لأول مرة في تاريخه الذهب يتجاوز 3500 دولار…

error: