رغم نتائج البحث الدائم حول الظرفية الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط برسم الفصل الأول من سنة 2025 ، والتي أعلنت فيه عن تحسن طفيف في مؤشر ثقة الأسر المغربية خلال الفصل الأول من سنة 2025، والذي بلغ 46,6 نقطة مقارنة بـ46,5 في الفصل السابق و45,3 نقطة في نفس الفترة من السنة الماضية، إلا أن التفاصيل الدقيقة تكشف عن واقع اجتماعي واقتصادي ما يزال يرزح تحت ضغط متواصل، تتداخل فيه مشاعر القلق والتشاؤم وعدم اليقين.
هذا التحسن المحدود، الذي جاء نتيجة تحسين نسبي في بعض المؤشرات الجزئية، لا يعكس تحسنًا حقيقيًا في معيشة المواطنين، بل يبرز مفارقة إحصائية أكثر منها واقعية.
فما تزال غالبية الأسر تعتبر أن مستوى المعيشة قد تدهور خلال السنة المنصرمة بنسبة بلغت 80,9%، مقابل 4,4% فقط ترى أنه تحسن. كما أن 53% من الأسر تتوقع تدهورًا إضافيًا في المستقبل، وهو ما يعكس أزمة ثقة حقيقية في الآفاق الاجتماعية والاقتصادية. ويزداد هذا الانطباع قتامة عندما تكشف الأرقام أن 42% من الأسر باتت تعتمد على المدخرات أو تلجأ إلى الاقتراض، بينما لا تتعدى نسبة القادرين على الادخار 2,2% فقط، ما يُترجم إلى هشاشة مالية حادة.
أما البطالة، فرغم تسجيل تراجع طفيف في درجة التشاؤم، فإن 80,6% من الأسر ما تزال تتوقع ارتفاعها في الشهور المقبلة، ما يعني أن التحسن الذي مس هذا الجانب هو تحسن “نسبي” وليس تغيرًا نوعيًا في التوقعات.
وتبدو الصورة أكثر قتامة على مستوى أسعار المواد الغذائية، حيث ترى 97,6% من الأسر أن الأسعار ارتفعت خلال 12 شهراً الأخيرة، وتتوقع 81,6% أن تستمر في الارتفاع. هذه النسب تعكس إحساسًا عامًا بالغلاء المستمر وانعدام الأمل في انفراج قريب.
في المجمل، يمكن القول إن تحسن المؤشر العام لثقة الأسر لا يعبّر عن تحول حقيقي في أوضاعها المعيشية، بقدر ما هو نتاج لحساب تقني يرتكز على متوسطات حسابية تغطي مؤشرات مختلفة، بعضها تحسن بدرجات طفيفة، فيما بقيت الغالبية في مستويات سلبية حادة. وهو ما يستدعي قراءة أكثر عمقًا للمؤشرات، تتجاوز الأرقام المجملة نحو تحليل كيفي يعكس الواقع الفعلي الذي تعيشه الأسر المغربية، والذي لا يزال يرزح تحت ثقل البطالة والغلاء وتدهور القدرة الشرائية.
تعليقات
0