أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن قانون المسطرة الجنائية لبنة أساسية في المنظومة التشريعية لدوره في تحقيق التوازن بين حماية المجتمع من الجريمة وضمان حقوق الأفراد وآلية لحماية حرياتهم من كل تعسف مع البت في القضايا في آجال معقولة ضمانا للأمن القانوني للضحايا والمتهمين. مشيرا أن إيجاد التوازن بين سلطة الادعاء ممثلة في النيابة العامة والعمل بمبدأ قرينة البراءة للمتهم، يمثل أحد الرهانات الأساسية للمنظومة الجنائية، وبخاصة قانون المسطرة الجنائية باعتباره قانون إجراءات، الأمر الذي يتطلب نصا سهلا في قراءته واضحا في معانيه، شفافا في مراميه دقيقا في صياغة فصوله وأبوابه، بسلطات تقديرية أضيق للعنصر البشري، وغير حمال لأوجه عديدة في التأويل كل ذلك لتسهيل قابليته للتطبيق.
واعتبر المجلس في رأيه حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، أن مشروع القانون رقم 03.23 أتى بمقتضيات ستسهم في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتبسيط المساطر وترشيد الإجراءات، وتعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية، وتعزيز حكامة جهاز النيابة العامة وعقلنة الوضع تحت الحراسة النظرية، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتقوية وسائل مكافحة الجريمة، وتقوية حقوق الدفاع، وتعزيز آليات التعاون القضائي الدولي، وإضفاء بعد إنساني واجتماعي في التنفيذ الزجري، وغيرها من المعايير التي تسهم في تحقيق العدالة.
وأكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، على أن مراجعة قانون المسطرة الجنائية ستحقق الأهداف المنشودة إذا تم إدراجها في إطار تنزيل سياسة جنائية متكاملة تنبع من الإصلاح الشامل المنظومة العدالة، على أن ينجز الإصلاح وفق برمجة وأجال محددة، وترصد له الاعتمادات المالية والإمكانيات والموارد الضرورية لتنزيله. كما يعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن مراجعة قانون المسطرة الجنائية من أجل مواجهة تنامي الجريمة وتحقيق العدالة وصون الحقوق، يقتضي إصلاح منظومة العدالة في إطار مقاربة أشمل تتسع لعدد من السياسات العمومية التي من شأنها معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية للانحراف والجريمة. إذ لابد من إصلاح المنظومة التعليمية بما يعزز قيم المواطنة والانضباط، ويهين الأفراد للاندماج الإيجابي في المجتمع. كما يقتضي الأمر تطوير السياسات الاقتصادية بما يعزز الاستثمار وخلق فرص الشغل، والارتقاء بالسياسات الاجتماعية الخاصة بتعزيز محاربة الفقر والهشاشة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وشدد المجلس، على أن المأمول هو أن يجيب مشروع مراجعة قانون المسطرة الجنائية على عدد من التحديات من أبرزها ثقة المواطن في منظومة العدالة وشعوره بالأمن، وكذا التحولات التي يعرفها العالم والمغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيني. وبالرغم من أن موضوع قانون المسطرة الجنائية هو الجريمة، إلا أن فلسفته وروحه يجب أن تكون غايتهما ضمان الحريات وتكريس الحقوق.
وأوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بوضع سياسة جنائية بالإسراع بإصدار القانون الجنائي الجديد، توضح جميع المبادئ والاستراتيجيات والتدابير التي تعتمدها الدولة لمكافحة الجريمة وضمان احترام الحريات والحقوق الأساسية للأفراد، كما تحدد الفاعلين في تنفيذ السياسة الجنائية وأدوارهم في ميادين الوقاية والزجر،و ربط المبادرات التشريعية ذات الصلة بالسياسة الجنائية بالتقييم المستمر والموضوعي لكفاءتها، مع الاعتماد على الأبحاث الميدانية والدراسات العلمية، والالتزام بمنهجية الشفافية والانفتاح، وكذا إشراك الفاعلين في منظومة العدالة والخبراء والمجتمع المدني والمواطنين عبر المنصات الرقمية في كل مبادرة تشريعية جنائية ذات أثر على العدالة الجنائية وحقوق الإنسان.
ودعا المجلس، إلى أنسنة مسار العدالة الجنائية حفاظا على كرامة المواطنين، سواء كانوا متهمين أو ضحايا أو شهودا، من خلال توفير الإمكانيات اللوجستيكية والبنيات التحتية اللازمة النقل، قاعات مكاتب، والكفيلة بإسناد الإجراءات الرامية إلى صون قرينة البراءة، وتعزيز حقوق الدفاع في جميع مراحل التقاضي. وتوخي مزيد من التقييد والتدقيق في إعمال الإجراءات السالبة للحرية الحراسة النظرية الاعتقال الاحتياطي وتضييق الحالات الموجبة لإعمالها، وتمكين الموقوفين من الطعن في هذه القرارات داخل آجال معقولة، وتوجيه المكلفين بإنفاذ المساطر الجنائية نحو الإجراءات البديلة غير المقيدة للحرية، وذلك بما ينسجم مع أهداف السياسة الجنائية في تقليص نسبة المعتقلين الاحتياطيين إلى 33% من مجموع الساكنة السجنية، ويحد من الكلفة الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية لهذه التدابير على الدولة والمالية العمومية.
وشدد على ضرورة، تعزيز مؤسسة قاضي التحقيق، بتوفير الإمكانات المادية والبشرية لتمكينها من أداء المهام الموكلة لها قانونا وكما تقرها معايير حقوق الإنسان وقواعد المحاكمة العادلة، مع القيام بدراسات وأبحاث لتقييم أداء هذه المؤسسة بشكل موضوعي وعلمي قصد تيسير وتبسيط شروط المحاكمة، وعقلنة الموارد وتبسيط المساطر وتجويد أداء العدالة الجنائية. مؤكدا على توضيح وتدقيق المفاهيم والمقتضيات والشروط التي يترتب عنها بطلان المساطر الجنائية، وترتيب هذا الجزاء على كافة الإجراءات التي لم يتم فيها احترام الحقوق الأساسية والشكليات الجوهرية التي يحددها القانون، ونتج عنها ضرر للمتابعين، وذلك لضمان الإعمال السليم لهذه المقتضيات من قبل الجهة القضائية التي ستبت في الطعون.
كما أكد على ضرورة وضع مساطر خاصة بالبحث والتحقيق في الجرائم المرتبطة بالنوع الاجتماعي (الاغتصاب العنف الزوجي التحرش… ) كتمكين الضحية من الحق في مرافقة أحد أفراد العائلة أو شخص موثوق به من قبلها عند تقديم الشكاية، واختيار جنس من يتولى الاستماع أو الإنصات لشكايتها، واتخاذ تدابير فورية لحمايتها وإبعاد المعتدي وإخفاء هويتها من التداول الإعلامي، وضمان ولوجها إلى الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني. و تكوين وتحسيس المتدخلين في إعمال المسطرة الجنائية، لا سيما ضباط الشرطة القضائية وقضاة النيابة العامة والتحقيق، في الجرائم التي تمس المرأة بسبب جنسها، وتعرضها للعنف بمختلف أشكاله. واستبعاد آلية الوساطة والصلح الزجري في القضايا التي تكون فيها الضحية امرأة تعرضت لعنف عمدي بسبب جنسها، أو قاصرا أو شخصا في وضعية إعاقة، حيث نتج عن العنف عجز أو مرض، وذلك لانتفاء شروط الإرادة والموافقة الحرة والمستنيرة على الصلح حينما يكون فيها الأشخاص في وضعية هشاشة أو تبعية، وما قد يترتب عن ذلك من ضغط أو تخويف يؤدي إلى التطبيع مع العنف والإفلات من العقاب.
وبخصوص الموارد البشرية وتدبير المرفق القضائي، أكد المجلس، على ضرورة اعتماد تدبير جديد في منظومة العدالة بشكل عام ومرفق العدالة بشكل خاص يعتمد على التقييم المستمر والشفاف لأداء المرافق والقضاة والموظفين، وعلى تقييم كفاءة القوانين والمساطر والإجراءات في تحقيق العدالة وتجويد الخدمات، وإعمال أمثل لمعايير التدبير المرتكز على النتائج كما ينص عليها القانون التنظيمي للمالية. والعمل وبشكل استعجالي على تدارك النقص الحاد في عدد القضاة بالمملكة مقارنة مع العدد الكبير للقضايا المعروضة، وتكوينهم في كافة التخصصات مع الاعتماد الواسع على الرقمنة والتكوين المستمر، وإيلاء الإدارة القضائية عناية خاصة من حيث توفير العنصر البشري المؤهل والإمكانيات لضمان تنزيل الإجراءات بسلاسة وانسيابية. وتكليف كتابة الضبط بشقيها كتابة النيابة العامة وكتابة الضبط بالمهام الإدارية والمهام ذات الطابع الإداري التي يضطلع بها القضاة والتي لا تدخل في صميم عمل السلطة القضائية، لتمكين القاضي من التفرغ لاختصاصه الحصري بالبت في القضايا، ومن أجل تجويد الخدمة العمومية وتسريع وتيرة عمل القضاء.
وبخصوص التحول الرقمي والتكنولوجيا، أكد المجلس، على تسريع أوراش استراتيجية التحول الرقمي لمنظومة العدالة من أجل تعميم الرقمنة في كل المرافق والمصالحوالمساطر المتعلقة بالمنظومة، بما في ذلك ما يخص العدالة الجنائية، ومواكبة التحول الرقمي بتحيين القوانين من أجل إضفاء الطابع اللامادي على الإجراءات المتعلقة بتبادل الوثائق، وتأهيل مهني العدالة بمختلف فئاتهم في مجالات الرقمنة. واعتماد السجل الاجتماعي الموحد في تحديد الأشخاص الذين لا يتوفرون على موارد كافية للتقاضي، والمؤهلين للاستفادة من المساعدة القضائية في الميدان الجنائي الإعفاء من الرسوم، تنصيب محام)، وذلك تفعيلا للمقتضيات الدستورية المتعلقة بمجانية الولوج إلى القضاء (الفصل (121) وإضفاء الشفافية والتبسيط على إجراءات هذه المسطرة الإدارية التي تمكن الضحايا والمتهمين من ممارسة حقوقهم والدفاع عنها أمام القضاء. وتكوين القضاة على الاستخدام المستنير للتكنولوجيات الذكية، ولا سيما وسائل الذكاء الاصطناعي، في مجالات البحث في النصوص القانونية والمراجع ورصيد الأحكام والاجتهاد القضائي، وفي المساعدة على اتخاذ القرار، وفي تحرير التقارير والوثائق والأحكام. وذلك بما يرفع مردودية القاضي ويرتقي بأداء منظومة العدالة.
وفيما يتعلق بالتصدي لجرائم البيئة والمال العام، شدد المجلس، على ضرورة تعزيز الدور الموكول للقضاء في ردع الجرائم البيئية، أولا، بإلزام مختلف القطاعات المتدخلة في البيئة بتبليغ النيابة العامة عند حدوث الجرائم الماسة بالبيئة، ثانيا، وضع مساطر وإجراءات تراعي خصوصية الجرائم البيئية، وتضمن الانسجام بين النصوص التشريعية المختلفة في هذا المجال. والإبقاء على حق الأفراد وهيئات المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام، مع إحاطة هذا الحق بما يلزم من تدابير لتحصينه من الاستعمالات غير المسؤولة أو المغرضة، والحفاظ على اختصاص النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في الجرائم ذات الصلة، وذلك تكريسا لانخراط المغرب دوليا في محاربة الفساد وتعزيزا لدور المجتمع المدني، وحماية للمال العام من كل تبديد أو اختلاس.
تعليقات
0