في خطوة تُعد من أخطر ما أُعلن منذ بدء الحرب على غزة، كشف مسؤول سياسي إسرائيلي لوكالة فرانس برس أن المجلس الوزاري الأمني المصغر صادق ليل الأحد/الإثنين على خطة موسعة للعمليات داخل القطاع، تشمل احتلاله الكامل، والسيطرة على أراضيه، مع تعزيز خيار “الهجرة الطوعية” لسكانه.
الخطة، بحسب المصدر، تتضمن “نقل سكان غزة إلى الجنوب”، دون تحديد الجهة أو الآلية، في تكرار واضح لخطاب سبق وأن روّج له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال الأشهر الماضية، تحت عنوان “إفراغ غزة من سكانها”، وهو اقتراح صيغ بلغة “الهجرة الطوعية”، بينما يُقرأ واقعياً كمسار تهجير منظم وممنهج، لا يختلف عن سياسات الطرد القسري.
المثير أن هذا التوجه يحاكي خطة قديمة تعود إلى عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويُعاد إحياؤها اليوم بدعم من أجنحة اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية، وكأن المطلوب ليس فقط كسر المقاومة، بل محو غزة من معادلة الجغرافيا والسياسة والسكان.
تصريحات المصدر الإسرائيلي لا تترك مجالاً للالتباس. السيطرة العسكرية على القطاع لم تعد هدفاً مؤقتاً في سياق الحرب، بل باتت جزءاً من خطة أوسع تستهدف “احتلال القطاع والسيطرة على الأرض”، ما يعني عملياً إنهاء أي احتمال لوجود كيان فلسطيني مستقل في غزة، وتحويلها إلى ساحة مفتوحة للاجتياح والتطهير الصامت.
هذه الخطوات تترافق مع مأساة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في ظروف كارثية، بلا مأوى، بلا مياه، بلا كهرباء، وتحت نيران القصف المستمر. ومع تعطل عمل معظم المستشفيات وشلل جهود الإغاثة، يجد أهالي القطاع أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: البقاء في الجحيم أو الهروب منه بلا وجهة ولا ضمانات.
ما يُسمّى بـ”الهجرة الطوعية” ليس إلا ستاراً لتغطية مشروع ترحيل سياسي وأيديولوجي، تقوده حكومة لا تُخفي طموحها في إعادة رسم الخريطة الديموغرافية للفلسطينيين. وبدلاً من أن تواجه هذه النوايا بإدانة دولية حاسمة، يُقابل المشروع بصمت رسمي من العواصم الكبرى، أو بمواقف رمادية تعطي الضوء الأخضر بشكل غير مباشر.
إن تمرير هذه الخطة – إن حدث – لن يكون مجرد انتهاك جديد للقانون الدولي، بل سيفتح الباب على مصراعيه أمام كارثة تاريخية شبيهة بنكبة 1948، ولكن بوسائل عصرية وأدوات أكثر تعقيداً ووقاحة.
ما يجري في غزة ليس فقط مأساة إنسانية أو قضية سياسية، بل اختبار أخلاقي حاد للمنظومة الدولية برمتها. هل يُسمح بتهجير شعب كامل أمام أعين العالم؟ هل يتحول الاحتلال من أمر واقع إلى مشروع مقنن؟
تعليقات
0