يظل المجلس الوزاري لأول أمس محكوما، ككل مجلس وزاري يترأسه الملك، بطابعه الاستراتيجي، سواء بمواضيعه أو بقراراته ومخرجاته.
والاجتماع الحالي لا يحيد عن القاعدة، المبنية على احترام دقيق وصارم للدستور.
فالمجلس، باعتباره أعلى سلطة تقريرية بالدولة، تناول أربع قضايا ذات الصلة بتطبيق أحكام الفصلين 48 و49 من الدستور ذات العلاقة بالقضايا والنصوص التي تهم التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة..منها مشاريع القوانين التنظيمية؛ وهي هنا القضاء..مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري؛ التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني والسفراء والولاة والعمال، سواء في ما يتعلق بالاستراتيجية المتوفرة في المواضيع ( الماء والأمن الغذائي من خلال القطيع الوطني) أو. من خلال المجالات المحفوظة للملك دستوريا ( كما هو حال الخارجية والقضاء ) أو من خلال التدبير الدستوري الاستراتيجي، بناء على مقترحات رئيس الحكومة ووزير القطاع كما في الداخلية ..
هذا الطابع الاستراتيجي لا يلغي، في الوقت ذاته، الطابع الآني أو الفوري العادي المتحكم في العديد من التعيينات، حيث نسجل مسألة ذات ارتباط، أحيانا مباشر، بمجريات الحقل الوطني، والذي أسال الكثير من المداد واللعاب، وأثار الكثير من السجال، يتعلق الأمر بإحالة ملف إسناد القطيع الوطني إلى السلطات الإدارية والترابية المعنية…
ففي الداخلية مثلا، لا يمكن أن نغفل تلك الفقرة الحاسمة، الخفيفة في اللسان والثقيلة في الميزان، والتي تقول بأن جلالته أعطى التعليمات بأن تكون» عملية إعادة تكوين القطيع ناجحة على جميع المستويات، بكل مهنية، ووفقا لمعايير موضوعية، وأن يوكل تأطير عملية تدبير الدعم إلى لجان تشرف عليها السلطات المحلية«.
وعليه، فإن إعادة تكوين القطيع الوطني:
– صارت مهمة للتتبع من طرف أطر الداخلية..وليس وزارة الفلاحة كما كان حال الاستيراد لتعويضه.
-استمرار التدبير بمنطق القرار الملكي الذي دعا فيه المواطنين إلى الاستغناء عن أضحية العيد ..مع المتابعة الملكية اللصيقة لتأمين عودة القطيع..
– لا يجب أن نغفل أن “تبديد “أموال القطيع الوطني وما أثاره من ردود فعل وسجال وطني سياسي إعلامي كشف عن ثغرات في التدبير كانت موضوع خلاف وصلت ارتداداته حتى صفوف الأغلبية الحكومية …
ولعل الاختيار الملكي الحالي هو النأي بموضوع استراتيجي مثل هذا عن تجاذبات النزاع السياسي والحفاظ على طابعه الاستراتيجي الذي يرتبط بالأمن الغذائي والأمان الروحي معا…
أولا: على مستوى المورد البشري للوزارة، فالملاحظ:
– أنها ثاني عملية واسعة في تغيير الطاقم البشري للإدارة الترابية على مستوى الولاة والعمال في ظرف لا يتجاوز 6 أشهر (منذ أكتوبر 2024) مما يعني أن الأمر يدخل في نطاق حركة شاملة تنهج إعادة انتشار المورد البشري وطاقم السلطات الترابية والإدارية.
ولعل ما نلتقطه في سياق هذا هو أن تفعيل المفهوم الجديد للسلطة، كما تم تعديله وتنقيحه وتأهيله طوال ربع قرن من الزمن. ما زال مستمرا، مثال ربط الإدارة الترابية بمهام تتجاوز الضبط والحكامة الترابية الرادعة باسم الردع المشروع للدولة..
ـ دفتر تحملات ترابي ثلاثي الأبعاد، يخضع له رجال السلطة الترابية، ولعل أهم مهامه الفعل التنموي والتأهيل المؤسساتي، كما تم تحديدها في أدوار. الاستمرار والتنمية والنجاعة الاقتصادية للتراب.
ـ المونديال وما تفرغ عنه من خطط عمل تتطلب رجالا ونساء من نوع خاص، على كامل الوعي بالرهانات في الزمان والمكان.
ـ منصات الجهوية التي أطلقت بتدشين الملك لمنصة جهة الرباط والتقائيتها مع ما أراده الملك في رسالته إلى المتناظرين في ندوة الجهوية بخصوص التصدي لبعض الأزمات والتكيف مع التحولات .
ـ الأدوار الجديدة لرجال السلطة الترابية بناء على ما تم الوقوف عنده في مناظرات الجهوية لا سيما المناظرة الثانية في طنجة، ولعل من أهم مخرجاتها..العلاقة بين اللامركزية واللاتمركز الإداري ودور الرافعة التنموية للجهات والعمالات والجماعات..
على مستوى «البروفايلات»، نلاحظ أن هناك انتظامية وتدوير النخب في غالبها، مما يجعل المهمة هي الأصل وليس صاحبها، والقطع مع تاريخ طويل من الجمود في المناصب.
ونلاحظ تطعيم الطاقم الترابي للإدارة بأسماء قادمة من مجالات غير المجال الترابي، كما هو حال عبد المومن طالب الذي كان مدير أكاديمية التربية بالدار البيضاء وعين مؤخرا عاملا على اليوسفية..
بخصوص الخارجية، لا بد أن ننبه إلى أنها الدورة الثانية من التغييرات التي تهم المجال. وهي دورة لها اتساع أكثر من المرة الأولى. حيث إن التعديلات شملت 10 أفراد.
سفراء وسفيرات بنسبة تضاهي المناصفة.
ثانيا، يتنقل الأمر بمصادقة المجلس الوزاري على 11 اتفاقية دولية.
ثالثا، هي المرة الأولى التي يتم الحديث فيها بالواضح عن ست من هذه الاتفاقيات بكونها وقعت بمدينتي العيون والداخلة بالصحراء المغربية، في اعتراف صريح بالسيادة المغربية الكاملة على هذا الجزء من التراب الوطني.
رابعا، حضور الفضاء الإفريقي من خلال عنصرين مهمين، أولهما وجود 8 اتفاقيات تهم الفضاء الإفريقي.. وثانيهما وهو وجود 5 سفراء: يوسف عيماني : سفيرا لدى جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية 2 - محمد صلاح بابانا علوي : سفيرا لدى جمهورية غينيا بيساو 3 - سيدي محمد بيد الله : سفيرا لدى جمهورية موزمبيق 4 - خالد أفقير : سفيرا لدى جمهورية زامبيا 5 - نزهة علوي محمدي : سفيرة لدى جمهورية رواندا .
الملاحظة الثالثة تتعلق باحترام دورية التعيينات، مع الطابع الداخلي والحصري لأبناء الدار كما يقال، من خلال تكريس خيار المهنية الديبلوماسية، والتركيز على الجيل الثاني من أطر الخارجية والتمرس على الملفات من خلال التعيين في الدوائر الديبلوماسية أو المقاطعات الديبلوماسية الدولية، من ينشط في أوروبا يعين في أوروبا ومن ينشط في الأوقيانوس وآسيا يعين في الفيتنام وفي الفلبين..
المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يوجد في طور البناء منذ أن وضع دستور 2011 الأسس الراسخة لاستقلال القضاء (الفصول من 107 إلى 110)، مع ما رافق ذلك من استقلالية للعدل كوزارة بتوليها من طرف المسؤولين المختارين بالتمثيلية الانتخابية. تضع هاته المؤسسة ضمانات استقلال القاضي، بما هو واسطة العقد في العملية برمتها. ومن خلاله ضمان استقلال القضاء نفسه عن السلطتين التنفيذية والتشريعية. الضمانة تتوفر من خلال الضامن الدستوري الذي هو جلالة الملك، ثم من الضامن المؤسساتي الذي هو المجلس الأعلى الذي له وحده الدور الحاسم في المسارات المهنية للقضاة، من التوظيف إلى التوجيه إلى المعاقبة أو الترقية والطرد. ومن خلال التشكيلة التي تكونه. بحضور المؤسسات الحقوقية، كالمجلس الوطني والوسيط، وترسيخ الاستقلالية من خلال وجود المجتمع المدني من خلال الأشخاص، إلى جانب القضاة المنتخبين، واستقلالية النيابة العامة (الفصل 113)..
لقد أصبح المجلس الأعلى سلطة مرجعية سواء في الاقتراحات التي تحيلها الحكومة عليه أو يحيلها البرلمان بخصوص القوانين التنظيمية مثلا…
والسيد بلاوي الذي خلف الأستاذ داكي، هو منتوج خام للمدرسة الوطنية والمسارات الأكاديمية وللمؤسسة الوطنية في القضاء، يكفي أن نلقي نظرة على سيرته لنرى أن المحطات الأساسية في مسار حياته تتقاطع مع مسارات مؤسساتية سواء في النقاش حول الدستور أو مناقشة مكانة النيابة العامة وعلاقتها بالسلطتين التشريعية والتنفيذية أو بالنقاشات التي عرفتها هاته المسيرة الطويلة نحو استقلالية القضاء…
تعليقات
0