أزمة الحوامض تتعمق: جفاف، سوء تدبير وفقدان الأسواق…

عماد عادل الجمعة 16 مايو 2025 - 19:20 l عدد الزيارات : 15984

قطاع يشغل 13 ألف عائلة يواجه خطر الاندثار ..

37 ألف هكتار من أشجار الحوامض اقتُلعت بسبب الجفاف وفشل المخططات الزراعية

كشف المؤتمر الوطني الأول لسلسلة الحوامض، المنعقد بمكناس، عن معطيات صادمة تؤكد انهيارا تدريجيا يضرب أحد أهم القطاعات الفلاحية في المغرب. الأرقام التي عرضت خلال اللقاء لم تترك مجالا للشك: السياسات الحكومية، منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر، فشلت في حماية سلسلة الحوامض من التقلبات المناخية والتراجع السوقي، بل ساهمت في تعميق الأزمة بفعل غياب التخطيط الاستراتيجي، وضعف الاستباق، وتراكم الأخطاء البنيوية.
بين عامي 2016 و2024، فقد المغرب أكثر من 37 ألف هكتار من المساحات المزروعة بالحوامض، أي ما يعادل تراجعا بنسبة 29% في ظرف ثماني سنوات فقط. السبب المباشر هو الجفاف المتكرر، لكن السبب الأعمق والأخطر هو غياب سياسة مائية منصفة تراعي خصوصية هذا القطاع، الذي لا يستهلك سوى 5% من الموارد المائية المخصصة للفلاحة، ومع ذلك يُستثنى من أي أولوية واضحة في التوزيع أو التهيئة. الحكومة لم تبادر إلى وضع مخطط مائي مخصص، ولم تواكب المهنيين في مواجهة الضغط المناخي الذي صار قاعدة لا استثناء.
فقدان السوق الروسية زاد من تعقيد الأزمة. المنافسة الإقليمية من مصر وتركيا كشفت محدودية القدرة التفاوضية للمغرب، كما عرت عن غياب التنويع السوقي وغياب استراتيجية للتموقع الدولي. الفلاحون وجدوا أنفسهم محاصرين بين ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتقلص المداخيل، وانعدام الآفاق. حتى النجاحات المحدودة، مثل صنف الناظوركوت الذي يمثل نصف صادرات الحوامض رغم أنه يشغل 10% فقط من المساحة، بقيت دون دعم كاف لتعزيزها وتوسيع أثرها. الدولة تركت المبادرات الفردية تواجه مصيرها، دون حماية أو تأطير أو تحفيز.
المؤتمر سلط الضوء أيضا على الأزمة الاجتماعية داخل القطاع. اليد العاملة الموسمية، التي شكلت لعقود ركيزة الإنتاج، بدأت تتلاشى تحت ضغط هشاشة الشغل، وتوسع برامج الإعانات غير المشروطة، وضعف الحماية الاجتماعية. الفلاحون يشتكون اليوم من نقص خطير في العمالة، في مقابل ارتفاع متطلبات التقنيات الحديثة في الزراعة والتوضيب والتصدير.
من جهة أخرى، لا يزال القطاع مرتهنا لتفكك البنية العقارية، وغياب التنظيم الجماعي. الأرض مشتتة، والمنتج معزول، والسوق خاضعة لوسطاء يراكمون الأرباح على حساب الفلاح والمستهلك معا. هذه الأعطاب لم تكن غائبة عن تقارير المؤسسات الرسمية، لكن السياسات الحكومية اختارت تجاهلها، أو الاكتفاء بتشخيصها دون أي إرادة فعلية للإصلاح.
فشل المغرب الأخضر لم يعوضه الجيل الأخضر. الخطابات تغيرت، لكن منطق التدبير ظل على حاله: دعم انتقائي، ومقاربة فوقية، وسوء توزيع للموارد، وغياب حقيقي للعدالة المجالية والقطاعية. النتائج اليوم واضحة: قطاع الحوامض يتراجع بسرعة مقلقة، ومهدد بالتحول إلى عبء اقتصادي واجتماعي بعد أن كان مصدرا للتصدير والتشغيل.
المؤتمر لم يقدم فقط أرقاما مقلقة، بل وجه إنذارا صريحا: إذا استمرت الدولة في التعامل مع هذا القطاع بمنطق التدبير البيروقراطي والموسمي، فإن سلسلة الحوامض ستلتحق قريبا بسلاسل إنتاجية أخرى فقدت تنافسيتها، وتحولت من مصدر فخر إلى عنوان للإخفاق.

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 17 مايو 2025 - 08:59

القبض على تاجر بسوق الثلاثاء بانزكان متلبسا بسرقة محفظة أحد المواطنين

السبت 17 مايو 2025 - 08:43

الولايات المتحدة تجيز أول فحص دم يتيح تشخيص مرض الزهايمر

السبت 17 مايو 2025 - 08:37

مسؤول: المغرب أثبت تحت قيادة جلالة الملك قدرته على مواجهة التحديات الأمنية وترسيخ الأمن والاستقرار

السبت 17 مايو 2025 - 08:29

كومان: الأجهزة الأمنية المغربية قطعت شوطا كبيرا في تناغم تام مع مسارات التنمية المتسارعة للمملكة

error: