هل تعلمون أن هناك تاريخًا وهناك سياسة قبل وبعد ملتمس الرقابة؟
توحي متابعة مواقف قيادة حزب العدالة والتنمية، وتشنج مواقفه بخصوص مآلات ملتمس الرقابة، سواء تلك التي عبّرت عنها في بيانها الأخير أو التي صرحت بها وجوه منه، كما لو أن هذا الحزب كان وراء هذه الخطوة التشريعية، وهو صاحبها ومالكها الرمزي والسياسي والمؤسساتي، وقد سُلبت منه وتعرض للهجوم لتجريده منها، في دروب السياسة.
والحال أن حقيقة الأشياء مغايرة لما تريد هذه الأمانة تصريفه كمواقف ضد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ فالحقيقة الساطعة هي أن الذي كان عرضة لمحاولة السطو المؤسساتي هو الاتحاد، الذي يتعرض للتشهير والتنمر والقذف بالكلام الرخيص.
وهو ما بات يستوجب وضع النقط فوق حروف … الملتمس:
ـ أولا، القرار الاتحادي، بالمبادرة إلى الدعوة إلى تقديم الملتمس أو بتعليق النقاش حوله، قرار سيادي، ومن صميم الاستقلالية الاتحادية المعروفة… ذلك أن لِملتمس الرقابة، تاريخا في مسيرة الاتحاد، وله محطات وتواريخ يعرفها الجميع، بحيث تقدمت به «المعارضة الاتحادية »في 1964، أيام الجمر والرصاص، ثم «الفريق الاشتراكي« في زمن العمل من أجل الخروج منها في 1990، والملتمس الذي دعا إليه الاتحاد في الولاية الحكومية والنيابية الحالية، جزء من تاريخ ممتد في السياسة وفي الفعل الوطني، بالرغم من الاختلاف في السياقات السياسية الوطنية، وبالرغم من الفرق في التأطير الدستوري للممارسة، بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والسياق الحالي مع دستور متقدم وطلائعي كان الاتحاد أول من تعبأ له..
في هذا المسار، تأسست ثقافة اتحادية حول ملتمس الرقابة، بشكل فردي، كما في أول برلمان مغربي، أو مع الإخوان في حزب الاستقلال في برلمان الإعداد لمغرب الإصلاحات، وهو بذلك ليس ممارسة طارئة، تدعي التأسيس للرقابة المؤسساتية على فعل الحكومة. أو السعي إلى زعامة متأخرة!
ثانيا: ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الاتحاد للهجوم بسبب ملتمس الرقابة، فقد تم ذلك في المحاولتين الأوليين، كما يتم في الموقف الحالي، والجديد هو أن الحزب الذي يتولى الهجوم السافر، كان قد هاجم قيادة الاتحاد وفريقه، في المقترح الأول، منذ ما يزيد عن سنة ونصف السنة، عندما اعتبره، ظلما وبهتانا، «مؤامرة»، (ضد من ؟)، وبنى عليها موقفا هجوميا، لا لسبب آخر إلا لأن الاتحاد كان وراءها. وللتاريخ فقد كان الحزب ذاته، على لسان زعيمه وقتها، يدعو إلى ما هو أكبر من ملتمس رقابة .. حيث طالب بحل الحكومة عن طريق انتخابات سابقة لأوانها وفتح الباب على المجهول.
وهنا نسأل بدون انتظار الجواب: ما هو تعريف المؤامرة يا ترى؟
ولا يخفى أن هجوم الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية التقى موضوعيا(نحن لا نقول بشكل مشبوه)مع أطراف الأغلبية وروافعها الإعلامية وأذرعها المهنية في تبخيس المقترح والهجوم على قيادة الاتحاد التي وضعته بوابة لنقاش ديموقراطي يعيد التوازن للمؤسسات، ومنها البرلمان الذي تم الاستفراد به من طرف الأغلبية المتغولة.. ولم يدافع أحد عن الاتحاد وسط الاتهامات والإيحاءات التي ادعت أن المتقرح ما هو إلا «حصان طروادة الذي سيمكن الاتحاديات والاتحاديين من الدخول إلى قلعة .. الحكومة!
كل ذلك أجاب عنه الزمن وتطورات الوضع السياسي..
وأما نحن فلم نتكلم لا عن مؤامرة ولا عن تنسيق مشبوه ولا عن تفاوض من وراء ظهورنا، ولا عن صفقات تحت الطاولات!!
ثالثا: الاتحاد يتعرض للاتهام والهجمات، لأنه رفض، أخلاقيا وسياسيا، أن يُجر إلى العبث والتتفيه واستصغار مبادرته، فقرر تعليق النقاش حول ملتمس رقابة تحول من آلية دستورية رفيعة في ممارسة الرقابة على الحكومة إلى تفصيل صغير وإجرائي، كل الهدف منه هو سحب المبادرة من صاحبها، والزج به في ركن المشهد السياسي، كما لو أن المهمة التي عليه القيام بها، هي تقديم الحد الأدنى الحسابي للمبادرة ثم التواري لحساب من يعتقدون بأنهم سدنة المعبد الديمقراطي، لمجرد إعادة انتخابهم على رأس حزبهم!
رابعا: لقد قدم الاتحاد، من خلال فريقه، التوضيح اللازم لمن يهمهم الأمر، أي للمغاربة وللرأي العام الوطني، الذي يتتبع الديناميات الحزبية كلها، وأهدافها المعلنة والمضمرة، وقد قام بواجبه الذي تمليه عليه ثقافته الذاتية وتربيته الديمقراطية، والتي تفرض عليه ذلك أمام الرأي العام الوطني وحده وليس سواه، بعد أن أسقط البعض شرط النزاهة والترفع والحس السياسي السليم في التدبير المشترك لهذا المقترح.
ولا يخفى على المطلعين وعموم المهتمين بأن الأطراف التي تقوم بذلك الهجوم هي الأطراف الأضعف في الجدار الدستوري المطلوب للترافع ضد الحكومة الحالية، عكس ما تعتقده من صدى الزعيق الذي تسمعه عن ذاتها، حيث تكشف لنا الرياضيات الحسابية البرلمانية أن هاته الأطراف ليست ضرورية ولا حاسمة في لائحة التوقيع، ومع ذلك فقد كان للاتحاد رأي في تواجدها، ينبع من ضرورة توفير ساحة فعل برلماني ينعش الحوار السياسي، ويساهم في التنشئة السياسية والمؤسساتية لأجيال من الشباب، ومن الذين فقدوا الثقة في جدوى السياسة وجدارتها…
والحال أن العكس هو الذي وقع، منذ البداية، بما فيه من تحامل على الاتحاد بهذا الخصوص. تحامل يكشف التعامل الانتهازي والمتقلب والضبابي مع آلية دستورية، موجودة في النص وفي المجتمع السياسي.
لقد تم الهجوم على الاتحاد عندما قدم المقترح منذ سنة، وتم الهجوم عليه بعد أن سحب نفسه من العبث المحيط بالمحاولة الثانية، ولنا أن نستخلص أن الثابت هو الهجوم والتشهير في حق الاتحاد، سواء كان مع الملتمس أو انسحب منه. وعليه، فإن السبب يجب البحث عنه في مكان وزمان آخرين، لا في التباكي على الملتمس وضياعه، أما حزب القوات الشعبية فلم ولن ينتظر الملتمس ليقوم بدوره في فضح العجز الحكومي ولا في الهشاشات العديدة في تنزيل التوافقات الوطنية الكبرى، ولا في لعب دوره في مساءلة أطراف الأغلبية، كما في إطلاق مبادرة رقابة شعبية عبر منظماته الجماهيرية والمهنية والإعلامية، ولا في مواصلة الرقابة على المؤسسات العمومية الكبرى، التي نعتبر بأنها مطالبة بمسايرة الأفق الذي حددته الإرادة الملكية باستمرار، كما دعت إليه خطب جلالة الملك بخصوص إصلاحها ومراقبتها ووضعها تحت المجهر الدستوري في« ربط المسؤولية بالمحاسبة»، وكذلك سنستمر.. لأن هناك نضالا سياسيا بعد … الملتمس!
وستكون لنا المتابعة الواجبة، من بعد، والتي يفرضها احترامنا لمؤسسات بلادنا وللرأي العام الوطني ولشركائنا الديمقراطيين الحقيقيين..
تعليقات
0