حين يعوي الحقد من فراغ السياسة: رد على ترهات الأزمي وتاريخ لا يُشترى

أنوار بريس الجمعة 23 مايو 2025 - 10:41 l عدد الزيارات : 17306

كمال الهشومي

في السياسة، كما في الحياة، ليس كل نباح تهديدًا، ولا كل خصومة تعني توازنًا بين الأطراف. فثمة من يسكنه الغيظ حين يرى حزبًا وطنيًا عريقًا يرفض أن يُقاد بغرائز اللحظة، أو أن يُستدرج إلى شعبويات الصوت العالي. وثمة من يصرخ لأنه فقد الأرض والناس والخيال، فيحاول أن يُعوّض كل ذلك بالهجوم الأرعن والافتراء المجاني. وهذا تمامًا ما ينطبق على إدريس الأزمي الإدريسي، وهو يُطلّ عبر شاشة القناة الأولى، لا ليحلّل، بل لينفث حقدًا سياسيًا دفينًا على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

من الذاكرة إلى الانكسار: حين لم يُشفَ الأزمي من جُرح البلوكاج

لنكن واضحين؛ ما عبّر عنه الأزمي في هجومه العشوائي ضد الاتحاد ليس مجرد “رأي مخالف”، بل هو ثأر سياسي قديم لم يُشف منه، يعود إلى ما بعد انتخابات 2016، حين فشل عبد الإله بنكيران، قائده الملهم، في تشكيل الحكومة، بعدما رفض التقدير السياسي العميق للحظة، وأصرّ على إخضاع الجميع لوصايته السياسية والإيديولوجية، ظانًا أن سلطته تمتد على امتداد سلطة الدولة.
حينها، شكل الاتحاد الاشتراكي عقدةً في وجدان قيادة العدالة والتنمية؛ رفض أن يُبتلع، ورفض أن يُذعن، ورفض أن يُستعمل كديكور في حكومة الإذعان.
ومنذ تلك اللحظة، لم تغفر له قيادة البيجيدي لا استقلاليته، ولا عمقه المؤسساتي، ولا جرأته في ممارسة السياسة دون إذن من أحد.

بين خطاب الضحية والبطولة الزائفة: أي معارضة تريد، يا سيّد الأزمي؟

من يسمع خطابات الأزمي يُخيّل إليه أن حزب العدالة والتنمية هو وصيّ على المعارضة، وأن كل حزب لا يدخل تحت عباءته فهو خائن أو متواطئ. والحقيقة أن البيجيدي لا يزال مسكونًا بوهم “الزعامة الأخلاقية”، حتى بعدما عاقبه الشعب، ومزّق أسطورته الانتخابية، وأسقطه من المرتبة الأولى إلى قاع المشهد السياسي.
الاتحاد الاشتراكي لم ينهزم لا أمام الدولة ولا أمام الشعب، لأنه لم يَبع خطابه، ولم يُسلّم مفاتيح الحزب خارج مؤسساته. وإن مارس المعارضة اليوم، فهو يفعل ذلك لا ليصرخ في الهواء، بل ليُعيد الوظيفة المؤسساتية للرقابة، ويُحيي ملتمسًا دستوريًا نسيه الجميع، وجَبُن عنه كثيرون.

التاريخ لا يُختصر في خطبة، والمشروعية لا تُمنح في استوديو
إدريس الأزمي، الذي لا يتردد في التلويح بالمبادئ، يتجاهل عمدًا أن الاتحاد الاشتراكي ليس حزب مناسبات، بل حزب تضحيات.
فحين نقول ذلك، فليس من باب التمجيد، بل لأن نضاله لم يكن يومًا رهين حسابات ظرفية أو ردود أفعال انفعالية، بل مشروعًا وطنيًا ديمقراطيًا طويل النفس، يحمل رؤية لبناء الدولة، ومواجهة الاستبداد، وإعلاء سلطة الإرادة الشعبية. وقدم، نتيجة لذلك، الشهداء لا المناورات. ونكتفي هنا بمثالٍ واحد موجع، يرتبط بالمرجعية الفكرية لـ”الطارئ السياسي” الذي يهاجمنا اليوم: اغتيال عمر بنجلون، شهيد الكلمة والموقف، الذي يطلّ يوميًا على الأزمي وأتباعه عبر الصفحة الأولى لجريدة “الاتحاد الاشتراكي”، تأكيدًا على الإدانة الأبدية لفكر استئصالي غادر. عمر بنجلون لم يُقتل لأنه حمل سيفًا، بل لأنه حمل مشروعًا وطنيًا حداثيًا، وواجه قوى الظلام والانغلاق باسم العقل والحرية. استُهدف واغتيل سنة 1975، لأنه كان الصوت الجريء في وجه الدولة الأمنية من جهة، وفي وجه القوى الظلامية من جهة أخرى.
فليخبرنا الأزمي: هل في أرشيف حزبكم اسم شهيد سياسي واحد اغتيل بسبب موقفه الديمقراطي؟ كم مناضل قضى في السجون؟ كم مرة وُجّه لكم الرصاص الحي كما وُجه لرفاق عمر بنجلون وعبد اللطيف زروال؟
ومن جهة اخرى، حين قَبِل عبد الرحمن اليوسفي تحمل مسؤولية قيادة الحكومة باسم الاتحاد، في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد، لم يكن ذلك طمعًا في الكرسي، بل لأنه اعتبر مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب. كانت “مغامرة وطنية محفوفة بالمخاطر” سُمّيت بالتناوب التوافقي، وأثمرت الانتقال السلمي نحو الديمقراطية. ثم غادر اليوسفي السلطة بصمت، وهو في المرتبة الأولى انتخابيًا، دون بكاء ولا عويل.
فمن أنت لتعطي دروسًا في النضال؟ وأنت القادم من فشل ذريع في تسيير جماعة فاس، ومن حزب انهار انتخابيًا حتى الإذلال، ثم تريد أن تُنَصِّب نفسك حارسًا على شرف المعارضة، وتُحاضر على حزب علم أجيالاً معنى الانتماء للوطن بالعقل والكرامة والدم؟

الازدواجية الأخلاقية: حين يصبح رفض الآخر دينًا سياسياً

أخطر ما في خطاب الأزمي ليس فقط كذبه السياسي، بل نزعته الإقصائية العميقة، ورغبته المستترة في احتكار “الطهرانية السياسية”. هو لا يحتمل أن يختلف معه أحد، ولا أن يُبادر غيره، ولا أن تخرج المعارضة عن وصايته الرمزية. إنه خطاب متوتر، منغلق، يرى في كل مبادرة من خارج منظومته خيانة، وفي كل استقلالية تمردًا.
لكن الاتحاد الاشتراكي لم يطلب يومًا صك براءة من أحد، ولم يضع شرعيته في يد خصومه. هو حزب يعرف تاريخه، ويشتغل بهدوء، ويتحرك بوعي، ويصنع السياسة كما تُصنع الدولة؛ بتراكم، لا بشعبوية. ففي وقتٍ كان فيه البعض يرفض الحديث عن الديمقراطية لأنها “غربية” و”مستوردة”، كان الاتحاد يناضل من أجل مأسسة الحقوق، وتجريم الاعتقال التعسفي، وضمان حرية الصحافة.

السياسة أخلاق قبل أن تكون صراخاً

ما قام به الأزمي ليس “نقدًا سياسيًا”، بل إسفاف، وانحدار، وهروب من فشل ذاتي. حزب العدالة والتنمية خسر الانتخابات، وفقد رصيده، وتراجع حضوره، لا بسبب “المخزن” كما يُروّج لمريدِيه، بل بسبب خطابه المزدوج، وغروره السياسي، وعجزه عن التكيف مع منطق الدولة، وعن الاقتناع بأن الولاء للوطن لا لمن هم خارج حدوده.
أما الاتحاد الاشتراكي، فلا يزال يُنتج المعنى، ويبني الرؤية، ويحاور الدولة بذكاء، ويواجه الحكومة بمسؤولية. هو حزب لا يرفع الشعارات فقط، بل دفع ثمن كل موقف اتخذه: بالدم، وبالحرية، وبالشرعية. ولا يحتاج إلى شهادة حسن سيرة من أحد، لأن تاريخه يشهد عليه، ومنجزه حاضر في كل بيت مغربي عرف طعم العدالة الاجتماعية، أو استظل بظلال الحريات، أو استشعر كرامة التناوب السلمي على السلطة.

على سبيل الختم:
يا سيدي، لا التاريخ يُزوَّر، ولا الأصوات المرتبكة تُخرس الحقيقة. الاتحاد الاشتراكي ليس حزبًا بلا ذاكرة، ولا بلا مشروع. هو حزب ضحى في سبيل بناء الوطن اى جانب القوى الديمقراطية الوطنية، وشارك في تحريره، وساهم في بناء مؤسساته، وهو الحزب الذي كلما حاول البعض دفنه، خرج من رماده بوعي جديد، وبوصلة وطنية لا تحيد.
أما أنتم، فقد فضلتم اختزال السياسة في تصفية حسابات، وتلخيص المعارضة في غيظ شخصي، وممارسة الهجوم بدل الإقناع.
لكننا هنا لنقول لكم، وبملء الوعي والكرامة: تاريخنا بشرفنا ولا يُخجلنا، ومبادراتنا نتعز بها ولا نستحيي منها، وخصومتكم لا تزعزع ذرة من قناعاتنا.
ولأننا نؤمن أن السياسة عطاء لا عواء، سنظل نعارض، ونقترح، ونبادر… حتى حين يصمت الجميع.

مناضل اتحادي

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:13

وضعية التحملات ومداخيل الخزينة تكشف عن عجز في الميزانية بقيمة 17,5 ملايير درهم

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:11

المغرب يحتضن النسخة الأولى من المعرض الدولي للموانئ ونظامها البيئي – SIPORTS 

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:09

المفتش العام للمالية يؤكد بسلا على ضرورة إرساء حكامة معززة بالذكاء الاصطناعي في التدقيق الداخلي العمومي

الجمعة 23 مايو 2025 - 19:46

انقطاع مؤقت لحركة السير بين عين داليا ومدينة محمد السادس بطنجة…

error: