من البرلمان إلى الشارع: الاتحاد الاشتراكي يطلق المحاسبة الشعبية

أنوار بريس الجمعة 23 مايو 2025 - 12:12 l عدد الزيارات : 31968

فادي الوكيلي العسراوي*

في مغرب يعيش أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، اختار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يُعيد تعريف دوره كمعارضة حقيقية. وبعد أن أفشل تحالف الأغلبية، وبتواطؤ بعض أطراف المعارضة، تقديم ملتمس رقابة ضد حكومة عزيز أخنوش، قرر الحزب تحويل النقاش من البرلمان إلى الشارع. لم يكن ذلك تراجعًا، بل قرارًا وطنيًا شجاعًا يعيد السياسة إلى مكانها الطبيعي بين الناس.

أطلق الحزب دينامية جديدة عنوانها “المحاسبة الشعبية”. الفكرة بسيطة وقوية. إذا كانت المؤسسة التشريعية عاجزة عن محاسبة الحكومة، فليكن الشارع الواعي هو منصة المساءلة. ولهذا، تحوّلت الفعاليات الحزبية إلى فضاءات حوار مفتوح، يشرح فيها البرلمانيون والمنتخبون الاتحاديون فشل السياسات العمومية وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين.

هذه الدينامية لم تكن لتنجح دون انخراط مكونات الحزب التنظيمية والموازية، وفي مقدمتها الشبيبة الاتحادية. فقد لعبت دورًا أساسيًا في اقتراح الفكرة، وفي الدفاع عنها داخل هياكل الحزب، ثم في تنزيلها ميدانيًا.

الشبيبة الاتحادية ليست جديدة على هذا النوع من المبادرات. فهي تملك رصيدًا من العمل التأطيري والميداني وسط الشباب، كما هو الحال في “ايام الوردة الرمضانية” السنوية التي تنظمها في كل جهات واقاليم المملكة، والتي تحولت إلى تقليد شبابي للتكوين السياسي والتواصل المجتمعي. واليوم، تستعد لعقد مؤتمرات اقليمية شبابية في كل من عين السبع وتازة، لتفسير ملتمس الرقابة وأهدافه، والتفاعل مع الشباب بلغة واضحة وسهلة، تجعل السياسة قريبة من الجميع.

ولأن التحدي كبير، فإن التوجيه السياسي الصادر عن قيادة الحزب يدعو كل أعضاء المجلس الوطني والمكتب الوطني للشبيبة الاتحادية إلى الانخراط المباشر في الميدان، والتحدث إلى الشباب بخطاب بسيط، صادق، ومبني على الأمل والتغيير. فالمرحلة تتطلب تعبئة جماعية، والشبيبة تعرف تمامًا أن المعركة لا تُربح إلا بثقة الناس، وخاصة الشباب.

القرار بنقل النقاش إلى المجتمع جاء أيضًا كرد فعل على أرقام صادمة: بطالة تفوق 13.5%، وتصل إلى 38% بين الشباب، وتضخم مستمر يقضي على قدرة الأسر على الصمود. برامج الحكومة، من “أوراش” إلى “فرصة”، لم تُحدث التغيير المطلوب، بل تحولت إلى شعارات فارغة، دون أثر فعلي في الواقع.

الأخطر من ذلك هو ما يحدث داخل المؤسسات. فبدل أن تعزز الحكومة دور الهيئات الرقابية والدستورية، اختارت إفراغها من مضمونها. مجلس المنافسة، والمجلس الأعلى للحسابات، وهيئة النزاهة، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، كلها مهددة اليوم بأن تتحول إلى مؤسسات شكلية، تنفذ قرارات سياسية ظرفية لا تخدم المواطن.

في هذا السياق، لم يعد ممكنًا السكوت أو الاكتفاء بالخطابات. فالاتحاد الاشتراكي، وبتوجيه من قيادته، اختار المواجهة بالوسائل الديمقراطية. والشبيبة الاتحادية، من خلال تحركاتها، أصبحت العمود الفقري لهذا الخيار. لم تعد مجرد تنظيم موازٍ، بل أصبحت صوت التغيير ومختبرًا للأفكار الجريئة، ووسيطًا بين الحزب والمجتمع، خصوصًا في صفوف الشباب.

وإذا كانت النخبة الحاكمة تدير الشأن العام بمنطق تقني بارد، وتُحوّل السياسة إلى تقارير وأرقام، فإن الشبيبة الاتحادية تُعيد السياسة إلى بعدها الإنساني، وتُذكّر بأن الإصلاح لا يمكن أن يتم بدون الإنسان، وبدون الإنصات لنبض الشارع.

إن المعركة اليوم ليست فقط مع الحكومة، بل مع منطق سياسي يُقصي الناس من القرار، ويُفرغ الديمقراطية من معناها. ومن هنا، تأتي أهمية القرار التاريخي لبرلمان الحزب، الذي لم يكن مجرد موقف عابر، بل خطوة تأسيسية نحو معارضة ميدانية متجذرة في هموم الناس، وتُخاطبهم بلغتهم، وتُعيد لهم الثقة بأن التغيير ممكن، وأن السياسة لا تزال قادرة على خدمة الصالح العام.

  • *الكاتب العام للشبيبة الاتحادية
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الجمعة 23 مايو 2025 - 23:31

خريطة الفقر في المغرب… المواطن في مفترق المعاناة

الجمعة 23 مايو 2025 - 22:52

فاس.. توقيف المتورطين في الاعتداء الجسدي بالسلاح الأبيض بمنطقة بنسودة

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:13

وضعية التحملات ومداخيل الخزينة تكشف عن عجز في الميزانية بقيمة 17,5 ملايير درهم

الجمعة 23 مايو 2025 - 20:11

المغرب يحتضن النسخة الأولى من المعرض الدولي للموانئ ونظامها البيئي – SIPORTS 

error: