خريطة الفقر في المغرب…حين يجد المواطن نفسه في مفترق المعاناة

محمد رامي الجمعة 23 مايو 2025 - 23:31 l عدد الزيارات : 9490

وكأن المواطن الفقير مدعو للاحتفال لأنه صار أقل فقرًا بقليل!

رغم ما يُروَّج من أرقام رسمية تتحدث عن تراجع الفقر متعدد الأبعاد في المغرب إلى حدود 6,8% سنة 2024، تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة على جدران المعاناة اليومية لمغاربة لم تلامسهم بعد بوادر التنمية الحقيقية.

فما معنى أن تنخفض نسب الفقر في التقارير بينما تتسع رقعة التهميش في  المغرب العميق وفي حواضر تُدار بمنطق ” الكانة”؟

  ما تكشفه خريطة الفقر الجغرافية ليس مجرد تباين بين الجهات، بل خريطة عميقة لانهيار العدالة المجالية. كيف نفسّر أن جهات مثل بني ملال–خنيفرة وفاس–مكناس ما زالت تسجل معدلات فقر تقارب 10%، رغم مرور عقود من البرامج التنموية المعلنة؟ بل الأدهى أن أقاليم مثل فجيج و تاونات و أزيلال تحطم أرقامًا كارثية تتجاوز 20%، وكأنها مناطق منسية خارج جغرافيا الدولة.

صحيح أن المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى أن أكثر من 70% من الفقراء يتمركزون في خمس جهات فقط، لكن هل هذا يُفهم كنجاح في تركيز الفقر؟ أم هو فشل صارخ في توزيع الثروة والسياسات العمومية؟

أي منطق هذا الذي يُمكِّن مدنًا مثل الدار البيضاء والرباط من حصد أغلب الاستثمارات، بينما تُترك مناطق كشيشاوة و تازة ووزان تصارع الإقصاء في صمت؟

ثم ماذا عن الفقر في الوسط القروي؟ أن تُسجل القرى نسبة 13.1% من الفقر متعدد الأبعاد، أي ما يفوق بأكثر من أربعة أضعاف المعدل الحضري، فهذا ليس مجرد رقم؛ إنه إعلان واضح عن الفشل في ربط المغرب العميق بركب التنمية. الفقر هنا لا يعني فقط غياب الدخل، بل غياب المدرسة، المستشفى، الطريق، وحتى الأمل.

المفارقة الأكبر أن الحكومة تتحدث عن تراجع “شدة الفقر” من 38.1% إلى 36.7%، وكأن المواطن الفقير مدعو للاحتفال لأنه صار أقل فقرًا بقليل! أما الهشاشة، التي تهم ثلاثة ملايين مغربي، فقد صارت رقمًا جانبيًا في التقارير، رغم أنها اليوم العتبة الخطرة التي ينزلق منها المجتمع نحو أزمات أعقد.

في النهاية، لا يمكن للسلطات أن تواصل تزيين الواجهة بالأرقام، وتجاهل الواقع الذي يصرخ في الوديان والجبال والمداشر. خريطة الفقر ليست وثيقة إدارية، بل هي شهادة وطن يُدار بالتمييز المجالي والإحسان الظرفي، لا بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

فهل نحتاج إلى خريطة جديدة، أم إلى بوصلة سياسية تعيد الاعتبار للمواطن حيثما كان؟

تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

السبت 24 مايو 2025 - 07:35

أبرز عناوين الصحف الوطنية الصادرة اليوم السبت 24 ماي

السبت 24 مايو 2025 - 07:17

توقعات أحوال الطقس يومه السبت

السبت 24 مايو 2025 - 04:14

النقابة الوطنية للتعليم العالي بأكَادير تستنكرالحملة الإعلامية المغرضة ضد جامعة ابن زهر وأساتذتها.

السبت 24 مايو 2025 - 04:14

مهنيو طهي السمك بباب مرسى أكَادير،يحتجون ضد سياسة “فرق تسد”التي تنهجها شركة التنمية المحلية المفوض لها تدبير هذا المرفق.

error: