ليس من عادتي صب الزيت على النار، ولا الاسترسال في تفاعلات سطحية مما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ثمة وقائع، كالحادثة التي انتشرت مؤخراً والمتعلقة بتصرف أحد رجال السلطة بإقليم تنغير، تفرض علينا التوقف والتساؤل، لا من باب الإثارة، ولكن من باب المسؤولية، والتذكير، والمطالبة بحماية ما تبقى من أمل المواطنين في مؤسسة الدولة.
فيديو قصير، انتشر كالنار في الهشيم، وثّق لحظة انفعال غير محسوب من رجل سلطة برتبة “قائد”، أساء لفظياً إلى مواطن مسن، ونعته بكلمة نابية لا تليق لا بالوظيفة ولا بالمقام، في مشهد مؤلم جرى أثناء قافلة طبية كان يفترض أن تحمل إلى سكان المنطقة أملاً لا وجعاً إضافياً.
ولأننا نعرف مسار السيد وزير الداخلية، وصرامته المشهودة، ونزاهته التي لا غبار عليها، فإننا نسائله من موقع المواطنة قبل أي شيء آخر: هل يدرك السيد الوزير أن بعض رجال السلطة، للأسف، لا يزالون يتصرفون وكأننا في زمن “أم الوزارات”، غير واعين بالتحول العميق الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، منذ عقود، تحت عنوان واضح: المفهوم الجديد للسلطة؟
هذا المفهوم لم يكن شعاراً مناسباتياً، بل كان عقداً أخلاقياً بين الدولة والمواطن، مؤداه أن رجل السلطة ليس سيفاً مسلطاً، بل وسيط عدالة وإنصات وإنصاف. لكن، للأسف، هناك من لا يزال يرى في سلطته امتيازاً، لا تكليفاً، ومن لا يزال يتعامل مع المواطنين بمنطق التهديد لا الخدمة، وبأسلوب الاستعلاء لا التواصل.
ما وقع في تنغير ليس حادثة عابرة، بل مؤشر على اختلالات إن لم تُعالج، قد تتحول إلى شرارات توتر في فضاءات هشة اجتماعياً وتنموياً، خصوصاً في ظل تربص المتربصين بالوطن واستغلالهم لأي شرخ أو تجاوز.
ولأننا نؤمن أن لكل قاعدة استثناء، وجب التذكير بأن واقع الإدارة الترابية يضم أيضاً رجالاً ونساءً من طينة نادرة، ممن يجسدون المفهوم الجديد للسلطة في أبهى تجلياته: انصاتٌ للمواطن، صرامة في تطبيق القانون، وحرص على الكرامة الإنسانية. هؤلاء هم من يستحقون التنويه والتقدير، وهم من يُعقد عليهم الأمل في إعادة الثقة بين المواطن والدولة.
إننا لا نكتب من باب الشكوى، ولا من موقع الخصومة، بل من منطلق الحرص على استقرار مؤسسات الدولة وهيبتها. ولهذا نلتمس من السيد وزير الداخلية أن يواصل بنفس الحزم الذي عُرف به، وأن يضرب على يد كل من يتجاوز حدود وظيفته، حماية لكرامة المواطن وصوناً لصورة رجل السلطة، وحتى لا تتحول استثناءات اليوم إلى أعراف الغد.
إن العدالة الإدارية لا تعني فقط محاسبة المخطئ، بل أيضاً حماية المواطن من الإهانة، أياً كانت درجته أو موقعه. فالدولة التي لا تساوي بين ابن الجبل وابن المدينة، بين المواطن العادي ورجل السلطة، في الكرامة والاحترام، دولة تفتح أبواباً موصدة على الفوضى.
نكتب اليوم لا لنهاجم أحداً، بل لنذكر فقط أن احترام الدولة يبدأ من سلوك ممثليها.
تعليقات
0