هل يمنحنا عيد الأضحى هذه السنة فرصة لمراجعة سلوكياتنا المدنية؟

محمد أمين السملالي السبت 14 يونيو 2025 - 15:15 l عدد الزيارات : 38312
محمد امين سملالي
في لحظة استثنائية من تاريخ الأعياد بالمغرب، مرّ عيد الأضحى هذه السنة بهدوء غير مألوف. لا خرفان تمعمع في الأزقة، ولا روائح نفّاذة في الحواضر، ولا أزبال مرمية في جنبات الشوارع، ولا طقوس ذبح عشوائي تُمارس في الشرفات والسطوح وأمام الأطفال.
مدننا بدت وكأنها استعادت شيئاً من روحها، نظافتها، وتنظيمها. لقد مارس المغاربة سلوكاً مدنياً جماعياً بامتياز، قلّما نشهده في المناسبات الدينية أو الوطنية.
الأمر لم يكن عشوائياً، بل جاء في سياق خاص، بعد إهابة ملكية واضحة بعدم ذبح الأضاحي لهذا العام لأسباب اقتصادية واجتماعية وبيئية.
استجاب الناس، بوعي أو باضطرار، فغابت مشاهد الذبح الجماعي، وانتفى التباهي الاجتماعي الذي حول الذبح من عبادةٍ إلى ممارسةٍ استعراضية تثقل كاهل الفقير وتشوه جمال المدينة وخف الضغط على الأسر ذات الدخل المحدود، وتراجعت الفوضى التي تعم عادة أسواق المواشي وأحياء الذبح العشوائي.
البعد البيئي: عيد بلا نفايات ولا نزيف مائي
من اللافت أيضاً أن غياب طقوس الذبح خلف أثراً إيجابياً غير مسبوق على البيئة.
فصبيحة العيد كانت، في العادة، مناسبة لبلوغ أقصى درجات التلوث البصري والروائح الكريهة، بفعل تراكم النفايات، وسوء تدبير مخلفات الذبح، واستنزاف الموارد المائية. هذه السنة، عرفت المدن المغربية “استراحة بيئية” نادرة:
لا دماء تسيل إلى قنوات الصرف، لا أشلاء تُلقى في الأحياء، ولا شيّ لرؤوس الأضاحي على الأرصفة.
حتى عمال النظافة، الذين يشتغلون عادة في ظروف استثنائية خلال العيد، عاشوا لحظة تنفس جماعي
. فهل يمكن اعتبار هذا التحول بداية  لوعي بيئي جديد يرافق السلوك المدني الجماعي؟
من لحظة ظرفية إلى ثقافة مدنية
ما وقع هذا العيد ليس فقط تعبيراً عن امتثال لتوجيهات عليا، بل أيضاً اختبار جماعي أظهر أن المواطن المغربي قادر على التأقلم، وعلى التصرف بمسؤولية، و إقرار بأن الإيمان الحقيقي لا يُسوغ إهداراً ولا إفساداً إذا توفرت الشروط المناسبة من خطاب عقلاني،و قرارات واضحة، و إحساس بالمصلحة العامة، وإجراءات مصاحبة تراعي الفئات المتضررة.
هذا ما يدفعنا للتساؤل:
•لماذا لا نحول هذا الاستثناء إلى قاعدة سلوكية؟
•ما الذي يمنع من أن تصبح المناسبات الدينية، لحظات للتربية على المواطنة والسلوك المدني؟
•كيف يمكن للمدن المغربية أن ترسم لنفسها “ميثاق سلوك جماعي” يراعي جمالية الفضاء العام، وكرامة الإنسان والحيوان، ونظافة الأحياء؟
من السلوك الفردي إلى السياسات العمومية
الواضح أن جزءاً من السلوكيات  اللا مدنية التي كانت تسجل في الأعياد السابقة، لا يعكس غياب القيم لدى الأفراد، بقدر ما يُعبر عن غياب سياسات مصاحبة، وافتقاد لثقافة التحسيس، وتراكم سلوكي لم يواجه بالبدائل التربوية والمؤسساتية. فالمواطن، في نهاية المطاف، يتفاعل مع الإشارات التي تصله:
•حين يرى أن الذبح العشوائي غير مرفوض رسمياً، يمارسه بلا حرج.
•حين يغيب البديل الحضاري، يختار الطريق الأسهل ولو كانت فوضوية.
•وحين يطلب منه سلوك حضاري بشكل واضح ومُقنع، فإنه يستجيب.
ما بعد العيد: سؤال الاستثمار في السلوك المدني
اليوم، أمامنا مناسبة فريدة للتأمل: كيف يمكن تحويل هذه التجربة الجماعية إلى رصيد مدني؟
كيف نحول أزمة القطيع إلى فرصة لإعادة التفكير في علاقتنا بالمواشي لا كسلعة موسمية، بل كمكون اقتصادي وثقافي يحتاج إلى تدبير عقلاني؟
أليس من العبث أن تظل مناسباتنا  الدينية فضاء لانفلات السلوك رغم أنها مناسبة للتهذيب الروحي؟
ثم، هل تجرؤ الحكومة على إطلاق برنامج وطني للسلوك المدني في المناسبات الدينية؟
وهل تتحمل الجماعات الترابية مسؤوليتها في مواكبة المواطن بالتوعية والتنظيم بدل الاكتفاء برد الفعل بعد الكارثة؟
عيد الأضحى هذا العام لم يكن كغيره، لا في طقوسه ولا في دلالاته. وقد يكون هذا التحول القسري، هو بالضبط ما كنا نحتاجه لنفكر بطريقة مختلفة في علاقتنا بالعيد، وبالمدينة، وبالسلوك الجماعي.
إن السلوك المدني لا يفرض، بل يبنى.
وقد يكون هذا العيد بداية لبناء شيء جميل، فقط إذا قررنا ألا نعود إلى الوراء.
تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من أنوار بريس على Telegram

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

تعليقات

0

مقالات ذات صلة

الأحد 15 يونيو 2025 - 09:05

توقيف متورط في سرقة بالعنف بالدار البيضاء والبحث عن آخر…

السبت 14 يونيو 2025 - 20:54

توقيف شقيقين بتهمة النصب والاحتيال بالدار البيضاء…

السبت 14 يونيو 2025 - 20:51

ضابط أمن يستخدم السلاح الوظيفي لتحييد خطر مسلح بالجديدة…

السبت 14 يونيو 2025 - 14:02

نتيجة الباك الأشهر على مواقع التواصل الاجتماعي تثير الجدل وتكشف اختلالات منظومة التقويم

error: