يدخل النزاع الإيراني الإسرائيلي يومه السادس، وسط تصعيد عسكري غير مسبوق وتوترات دولية متفاقمة تنذر بانفجار إقليمي قد يصعب احتواؤه. ومع تصاعد وتيرة القصف الجوي المتبادل والتلويح بتدخلات عسكرية أوسع، تبدو فرص التهدئة شبه معدومة في ظل تصلب المواقف السياسية وتشظي الجهود الدبلوماسية.
على الأرض، تواصل إسرائيل قصفها المكثف على منشآت حيوية في إيران، شملت مواقع عسكرية ونووية ومراكز قيادة أمنية، حيث أعلنت تل أبيب استهدافها لمصانع أجهزة الطرد المركزي في قلب طهران، مؤكدة على لسان رئيس وزرائها أنها “تسيطر على سماء العاصمة الإيرانية” وأن هدف الحملة هو القضاء على “التهديدين النووي والبالستي”. غير أن كلفة هذا التصعيد لا تأتي بلا ثمن، إذ أقر رئيس الحكومة الإسرائيلية بـ”خسائر مؤلمة”، بينما أفادت مصادر رسمية بمقتل 224 شخصا في إيران، و24 في إسرائيل منذ اندلاع القتال.
إيران، من جهتها، ترد بوابل من الصواريخ والمسيرات، وأكدت عبر تلفزيونها الرسمي تنفيذها لضربات باستخدام صواريخ فرط صوتية من طراز “فتاح”، قائلة إنها نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية. كما استهدفت مبانٍ محيطة بالمقر العام للشرطة في طهران في غارة إسرائيلية جديدة، بينما عرفت شبكة الإنترنت في إيران “انقطاعاً شبه كلي”، وسط تقارير عن تعرض التلفزيون الرسمي لاختراق إلكتروني مؤقت بث دعوات للاحتجاج.
على الجانب السياسي، تزداد الصورة تعقيداً. فقد رفض المرشد الإيراني علي خامنئي دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى “الاستسلام غير المشروط”، معتبراً أن “لغة التهديد لا تنجح مع الأمة الإيرانية”. أما ترامب، الذي يلوّح بتدخل عسكري أميركي، فقد أبقى قراره غامضاً، مكتفياً بالتحذير من أن “تغيير النظام الإيراني قد يحصل” بفعل هذه الحرب.
المجتمع الدولي يبدو في حالة تأهب، لكنه منقسم في ردوده. الصين أعربت عن “قلق شديد” حيال خروج النزاع عن السيطرة، متهمة إسرائيل بتجاهل القانون الدولي، وحذرت من “هاوية مجهولة” قد تنجر إليها المنطقة. فرنسا، من جهتها، أعلنت عن مبادرة مرتقبة لوقف إطلاق النار، فيما تعكف على تسهيل مغادرة رعاياها من البلدين، أسوةً بالولايات المتحدة التي أعلنت خطة إجلاء جوية وبحرية لرعاياها من إسرائيل.
من جهته، دعا مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة جديدة يوم الجمعة بطلب من إيران، بدعم من روسيا والصين، في محاولة لإيجاد مخرج سياسي للأزمة. لكن في ظل استمرار التراشق الإعلامي والدبلوماسي، لا تبدو الأمم المتحدة حتى الآن قادرة على كبح جماح هذا التصعيد.
في المقابل، دعت منظمات حقوقية كمنظمة العفو الدولية إلى تحييد المدنيين عن نيران النزاع، محذرة من أن “الأعمال العسكرية غير المسؤولة” تهدد أرواح الملايين وتفتح الباب أمام كارثة إنسانية تتجاوز حدود البلدين.
كل هذه التطورات تضع العالم أمام لحظة فارقة. فالمواجهة لم تعد مجرد تبادل ضربات بين دولتين معاديتين، بل باتت اختباراً صريحاً لقدرة المجتمع الدولي على منع انهيار إقليمي شامل. وما لم تتحرك القوى الكبرى بثقل سياسي ودبلوماسي فعلي، فإن حرب اليوم قد تغدو الشرارة الأولى لحريق أوسع في الشرق الأوسط.
تعليقات
0