انهيار تاريخي في أسعار النفط الأمريكي، بعد تراجع سعر برميل النفط الى مادون الصفر، مسجلا سالب 36 دولار للبرميل بداية الأسبوع لأول مرة في التاريخ، ما يعني أن شركات النفط تدفع للعملاء (يدفع المنتج للمشتري في بعض الصفقات)، كي يحصلوا على منتجاتها خشية تراكم المخزون الخام لديها خلال شهر ماي.
وقد حدث هذا الإنهيار لأن سوق النفط الدولية، شديدة التأثر بالمتغيرات السياسية والاقتصادية بشكل كبير، وقائمة على العرض والطلب، مما جعلها تتأثر بسبب التداعيات السلبية على الصعيد الاقتصادي لأزمة كورونا، ونضوب الطلب الفعلي على النفط ومشتقاته، الشيء الذي خلق تخمة عالمية في المعروض، حيث دفع هذا الفائض بالأسعار نحو الانخفاض الشديد، بينما لا يزال مليارات الأشخاص حول العالم يلزمون منازلهم لإحتواء انتشار فيروس “كوفيد 19” فلا “سيارات ولا مصانع…”، بالإضافة إلى أن الأزمة الصحية تزامنت مع انتهاء صلاحية عقود نفط تكساس.
كما أن حرب الاسعار بين السعودية وروسيا تسببت هي الاخرى في إغراق الاسواق لتقوم الدول بتخزين كمية كبيرة من النفط، قبل أن يتوصل الطرفان الى اتفاق بمشاركة أمريكا والمكسيك ومنظمة أوبك، لخفض الإنتاج بنحو 20 مليون برميل يوميا.
في الدول النفطية، قد لا يستفيد المواطن من هذا الأمر بشكل كبير بل قد يتضرر، لأن الحكومات سوف تتراجع إيراداتها، وبالتالي لن تقوم بخفض أسعار الوقود، لتجنب خسائر أخرى.
أما في الدول العربية غير النفطية، فإن عدم تخفيض أسعار الطاقة والوقود نتيجة انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية تبرره بعض الحكومات، بوجود عجز بموازناتها وكثرة الديون الخارجية.
الخليج قد يتأثر بشكل عام، ما سيدفع الدول الخليجية إلى تأجيل مشاريعها الضخمة أو إلى إعادة جدولتها على مدار السنوات اللاحقة، مع إمكانية تسريح العمالة.
“محمد بودن” الدول المنتجة للبترول تعاني من مشكلة كبيرة وهي امتلاء محطات الشحن والتخزين والتكرير في ظل اضطرارها مواصلة عملية الإنتاج والتصدير
عن هذا الموضوع أوضح الأكاديمي والمحلل السياسي “محمد بودن” في تصريح لأنوار بريس على أن اضطراب سوق النفط العالمي يمثل أسوء سيناريو يواجه الدول التي ترتكز في اقتصادياتها على الموارد النفطية، مشددا على أنه أشد بالنسبة للدولة التي تنحصر في دائرة الإقتصاد الريعي النفطي، مؤكداةعلى أن هذا الانهيار سيؤثر لامحالة على احتياطي الصرف والمزانية العامة بالنسبة لهذه البلدان ومنها الخليجية.
وأشار “بودن” إلى أن هذا الوضع سيفرض على هذه البلدان تعديل مزانياتها السنوية التي عادة ما تعتمد بشكل مسبق، حيث تحدد سعرا مرجعيا لإعداد قانون المالية السنوي و”بالتالي فهذا السعر المرجعي سيتم تعديله وتعديل قوانين المالية السنوية اليوم”، مضيفا “حتى منظمة أوبك أصبحت غير قادر على انقاذ السوق المرتبك في المجال النفطي بفعل تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي”.
كما أكد المحلل السياسي أن انتشار هذا الوباء عاد بشكل سلبي على معنويات المستثمرين بالمجال الطاقي، مشيرا إلى أن كل التوقعات تدل على أن “تراجع النفط العالمي خلال 2020 أصبح حقيقة واقعة”.
وتابع المتحدث قائلا “نعتقد أن هذا الأمر ( انهيار أسعار النفط) راجع الى هبوط النشاط الاقتصادي العالمي وتضرر عدد من القطاعات التي تحرك الطاقة وبالتالي نعتقد أن الدول التي تضررت بشكل كبير هي تلك التي تصدر البترول”، مضيفا “الملاحظ أن الدول التي تنتج البترول اليوم لاتحصل على أية قيمة مضافة لاقتصادها أو مردودية مادية لهذا النشاط”.
وختم “محمد بودن” تصريحه قائلا : “المؤكد أن الدول المنتجة للبترول تعاني اليوم من مشكلة كبيرة وهي امتلاء محطات الشحن والتخزين والتكرير وبالتالي فهي مضطرة الى مواصلة عملية الإنتاج والتصدير لأن هنالك قاعدة تقول أن غلق المحطات والمضخات والأبار تكون له كلفة في حال تم الاغلاق بعد هذا التفعيل، وبالتالي هذه البلدان اليوم تبحث عن أسواق للتخزين أو دول للتصدير من أجل مواصلة عملية الانتاج و كذلك من أجل تصريف الانتاج النفطي في انتظار تسوية الامر”.
من جانبه اقترح المحلل والكاتب الاقتصادي “أحمد الخطيب” أن تشتري الدول غير النفطية كل المعروض بما أنه بالسالب وتوفر في الفترة القادمة، ثم تبيعه لاحقا عندما يرتفع السعر.
تعليقات
0