قد يكون المغرب قد فقد أحد أبرز مناضليه وقاماته السياسية، من الذين قدموا تضحيات كبيرة لصالح الوطن الذي نعزيه في رحيل مقاوم ورجل دولة والكاتب الأول الأسبق لحزب الإتحاد الإشتراكي، إلا أن عزاءنا الخاص موجه لرفيقة دربه التي لم تفارقه لأكثر من 70 سنة عاشا خلالها ‘الصداقة، الحب، الغربة، الحزن والفرح ثم الزواج’ الذي تم بعد 21 سنة على خطبتهما التي تأتجلت بسبب مروره بمحطات سياسية صعبة.
“ماري هيلين اليوسفي” الرفيقة الأولى والأخيرة في حياة الوزير الذي قاد حكومة التناوب، والتي نالت حيزا كبيرا ضمن مذكراته، ابتداء من أول لقاء حتى مرافقتها له بمحطات مهمة في حياته، وهو الذي يعتبر واحد من بين من وهبوا حياتهم للسياسة ومعاركها.
يحكي الراحل “عبد الرحمان اليوسفي” بحب وعرفان قل مثيلهما عن أول لقاء جمعه بزوجته اليونانية الأصل، عندما كان يحضر سنة 1947 لتأدية دور مسرحي احتاج له بذلة بيضاء، ليقوده القدر إلى خياط ملابس قادم من فرنسا.
لم يكن يعلم “اليوسفي” حينها أن ذلك الخياط اليوناني سيصبح والد زوجته الفرنسية الجنسية، حتى جمعته به الصدفة مرة أخرى في عشاء أقامه أحد تجار الأثواب بالدارالبيضاء، وكان رفقة عائلته وابنته “هيلين”، ليكون ذلك اللقاء هو أول تعارف لهما، وبعدها الخطبة ثم الزواج.
“خطبة دامة 21 سنة“، سنوات من الإنتظار ساهم في إطالتها اعتقال “اليوسفي” مرتين الأولى سنة 1959، والثانية سنة 1963، ثم انشغاله بقضية “بن بركة” وبعدها انتقال عائلة “هيلين” لتستقر في فرنسا حيث مر الوقت قبل أن يتم الزواج سنة 1968 في باريس.
وقبل أن تكون “هيلين” زوجة “اليوسفي” فهي ‘صندوقه الأسود، كاثمة أسراره، رفيقة نضاله، مستشارته، ممرضته، مؤنسته في عزلته الإختيارية، وسكرتيرته الخاصة’، التي ظلت حاضرة في جميع مراحل حياته، حريصة على صحته وأناقته إذ كانت تعينه على اختيار ملابسه وتحرص على منحه جرعات الدواء في وقتها عند مرضه رغم تقدمها في السن حيث عاشت معه جميع الأدوار، ولعقود من الزمن.
لم يخجل الراحل من أن يثني على زوجته، ويعترف بجميلها وتضحيتها بالكثير من أجل الوقوف إلى جانبه، ومساعدته في رحلة الغربة الصعبة، التي قضتها معه في المنفى، قبل أن تنفرج الأزمة وترافقه سنة1981 إلى بلده ليلتقي بوالدته بعد طول فراق.
وعن عائلتها، يحكي “عبد الرحمان اليوسفي” أن جد زوجته كان يتاجر في البواخر بين تركيا وروسيا، قبل أن يضطر للرحيل بعد الحرب العالمية الأولى، من بلده التي احتلها الاتراك عندما خير بين تركها او التخلي عن ديانته ليتوجه إلى فرنسا التي التقى فيها ابنه بفتاة تزوجها ورزقا بابنة وهي “هيلين” التي انتقلت مع والديها إلى المغرب.
ورغم أن العزاء لن يضمد جرح فراق رجل لن يتكرر، فإننا نجدد عزاءنا لسيدة ظلت وفية الدرب، حاضرة بجانب السياسي المغربي الراحل في جميع وأهم محطات حياته، مع ابتسامة وقورة خجولة تخفي وراءها تفاصيل مسيرة سياسية استثنائية.
تعليقات
0