خطة التنمية المستدامة و خيار الاستهلاك المستدام

22٬349

 

جواد رسام

في سنة 1945 اجتمع جيل من قادة العالم لغاية إنشاء الأمم المتحدة ،  و بنوا هذه المنظمة على أنقاض الحرب والانقسام و الدمار الذي عرفه العالم ، وأرسوا قيم السلام والحوار والتعاون الدولي التي تستند إليها، ويمثل ميثاق الأمم المتحدة أسمى تجسيد لتلك القيم .

وبعده بعشرات السنين اجتمع جيل آخر  ليتخذوا أيضا قرارا ذا أهمية تاريخية عظيمة.  حيث عقدوا العزم على بناء مستقبل أفضل لجميع بني البشر، بمن فيهم الملايين ممن لم تتح لهم الفرصة لأن يعيشوا حياة لائقة كريمة موفورة، ومن تحقيق كامل إمكاناتهم البشرية. ويمكن أن يكون أول جيل ينجح في التخلص من الفقر، كما قد يكون آخر جيل تتاح له الفرصة لإنقاذ كوكب الأرض . وسيكون العالم أفضل حالا في عام 2030 إن تم التوافق في بلوغ أهداف التنمية المستدامة .

و تعتبر التنمية المستدامة أحد عناصر التنمية الشاملة الذي يعتبر المفهوم الشامل لجميع المجالات و الأوجه المختلفة للتنمية .

و قد ظهر مبدأ التنمية المستدامة في السنوات القليلة الماضية و الذي كان يهتم بتنمية الموارد الطبيعية و استدامتها للأجيال القادمة لأنها أمانة في أعناق الجيل الحالي و ليست ملكا له وحده ، و من هذا المنطلق، جاءت فكرة استدامة الموارد الطبيعية و تنميتها و ذلك بالاستخدام الأمثل و معرفة الطرق المناسبة للاستغلال والاستفادة من كافة العناصر ولكن بصورة مناسبة ومرضية .

و لقد ارتبطت الاستدامة بالتنمية ارتباطا وثيقا، وأصبحتا طرفان متلازمان في جميع المجالات بحيث لا يمكن تطبيق الاستدامة إلا مع التنمية .

و تعتبر خطة التنمية المستدامة التي تم الإعلان عليها هي بمثابة ميثاق للناس والأرض في القرن الحادي والعشرين ،  فإنهم سيجدون في الأهداف الجديدة مجالا يوجهون من خلاله قدراتهم اللامتناهية في إطار سعيهم الدؤوب إلى إيجاد عالم أفضل ، فلقد تفاعل مع هذه الخطة ملايين الناس ليجعلوا منها خطة لهم. فهي خطة الناس وضعت على أيدي الناس لصالح الناس، وهذا في اعتقادنا ما سيكفل لها النجاح ، خصوصا أنها ستكون مدعمة في رحلتها من كل الحكومات والبرلمانات ومنظومة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، والسلطات المحلية، والشعوب الأصلية، والمجتمع المدني، والأعمال التجارية والقطاع الخاص والأوساط العلمية والأكاديمية.

إن مستقبل البشرية ومستقبل كوكب الأرض ملك الحاضر كما هو ملك أيدي جيل الشباب الراهن الذي سيسلم الشعلة إلى الأجيال المقبلة. ولقد تم رسم الطريق نحو التنمية المستدامة ، وسيكون على الجميع الحرص على نجاح هذه المساعي الإنسانية وعلى عدم الانتكاس فيما تحقق من مكاسب.

خطة التنمية المستدامة

 

يتخذ مفهوم التنمية  أبعاد متعددة و يشمل كل الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية للمجتمع البشري ، و الذي تتفاعل فيه عدة مسارات تنموية ، فنجد التنمية البشرية و التنمية الإدارية و التنمية الاجتماعية و التنمية الاقتصادية و التنمية الزراعية إلى غير ذلك من أبعاد التنمية التي يعبر عنها بالتنمية المستدامة ، و التي تصبغ اليوم الجزء الأكبر من السياسة البيئية المعاصرة ، و لقد كان للعمومية التي اتصف بها المفهوم  دورا كبيرا في جعله شعارا شائعا و برقا مما جعل كل الحكومات تقريبا تتبنى التنمية المستدامة كأجندة سياسية حتى و لو عكست تلك الأجندة التزامات سياسية مختلفة جدا تجاه الاستدامة  .

و نظرا لعمومية المصطلح لابد من الإحاطة بمفهومها انطلاقا من التعاريف التي شملت موضوعاته مع تحديد أهدافه .

1 –  مفهوم التنمية المستدامة

 

أخد مفهوم التنمية المستدامة عدة تعاريف ، ارتبطت بالأبعاد الاقتصادية و البيئية و التكنولوجية و الاجتماعية ، فالتعاريف الاقتصادية تركز على الإدارة المثلى للموارد الطبيعية ، و ذلك بالتركيز على الحصول على الحد الأقصى من منافع التنمية الاقتصادية بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية و دون أن يقلل استخدام هذه الأخيرة من الدخل الحقيقي لأجيال المستقبل وهو ما يدعم القاعدة القائلة ” بالعيش على أرباح مواردنا والاحتفاظ بقاعدة الأصول”  .

و في الإطار نفسه فقد ذهب البعض ابعد من ذلك عندما عرف التنمية المستدامة في بعدها التكنولوجي بقوله ” التنمية المستدامة مفهوم يعني باستخدام تكنولوجيا جديدة تكون أنظف و أكفأ و اقدر على انقاد الموارد الطبيعية حتى يتسنى الحد من التلوث و المساعدة على تحقيق استقرار المناخ و استيعاب النمو في عدد من السكان و في النشاط الاقتصادي.

أما التعريف الاجتماعي للتنمية المستدامة فانه يرتبط بالمستوى المعيشي للساكنة، حيث تهدف هذه العملية إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية و التعليم و الرفاهية الاجتماعية و الإنصاف و العدالة ، و تحقيق هذه التنمية في شقها الاجتماعي رهين بالمقاربة التشاركية للمجتمع المدني لكي تتحرر الجماعات من الهيمنة المطلقة للرأسمال المالي العالمي من خلال حيازة المشاريع التنموية المؤدية إلى التغيرات الدائمة لكي تستعيد المنظومة البشرية قوتها للحفاظ على التوازنات في العلاقات الاجتماعية.

إذن وانطلاقا من هاته التعاريف يمكن الخروج بتعريف موحد للتنمية المستدامة  يجمع بين كل تلك الأبعاد ، و الذي مفاده أن التنمية المستدامة هي التنمية المتجددة التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم التي تحقق التوازن بين النظام البيئي و الاقتصادي و الاجتماعي.

و هذا التعريف الأخير يقرب التعريف الذي ساقته اللجنة العالمية للتنمية المستدامة في تقريرها المعنون ” مستقبلنا المشترك”  إلى أن هناك حاجة إلى طريق جديد للتنمية ، طريق يستديم التقدم البشري لا في مجرد أماكن قليلة أو لبعض سنين قليلة ، بل للكرة الأرضية بأسرها وصولا إلى المستقبل البعيد .

 و التنمية المستدامة حسب تعريف وضعته هذه اللجنة سنة 1987 على انه ” تلبية احتياجات الحاضر دون إن تؤدي إلى تدمير قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة”.

و بالتالي انطلاقا من الخصائص التي أبرزها التعاريف فإنه يمكن القول أن التنمية المستدامة ظهرت كفكرة تؤطر للتنمية التي تحقق التوازن بين النظام الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي دون الإخلال بين هذه الأنظمة الثلاث مجتمعة .

فأبعاد التنمية المستدامة تختلف بحسب منظور كل نظام على حدة ، فالاقتصاديون يجعلون الأهداف الاقتصادية محددا هاما لهذه التنمية ، و الاجتماعيون يشددون على مبادئ العدالة الاجتماعية و الإنصاف في الحياة ، أما البيئيون فيؤكدون على أهمية حماية الطبيعة كمدخل هام و أساسي لهذه التنمية.

2 –  أهداف التنمية المستدامة

أهداف التنمية المستدامة، والمعروفة كذلك باسم الأهداف العالمية، فهي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار.

وهي سبعة عشر هدفا ، تستند إلى ما تم إحرازه من نجاحات في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية (2000-2015)، كما تشمل كذلك مجالات جديدة مثل تغير المناخ، وعدم المساواة الاقتصادية، وتعزيز الابتكار، والاستهلاك المستدام، والسلام، والعدالة، ضمن أولويات أخرى.

و ما يميز هذه الأهداف أنها مترابطة ، وغالبا ما يكمن مفتاح النجاح في تحقيق هدف بعينه في معالجة قضايا ترتبط بشكل وثيق بأهداف أخرى.

وتقتضي أهداف التنمية المستدامة إلى العمل بروح الشراكة وبشكل عملي حتى يمكننا اليوم اتخاذ الخيارات الصحيحة لتحسين الحياة  بطريقة مستدامة  للأجيال القادمة ، فهي توفر مبادئ توجيهية وغايات واضحة لجميع البلدان لكي تعتمدها وفقا لأولوياتها ، مع اعتبار التحديات البيئية التي يواجهها العالم بأسره .

و تمثل أهداف التنمية المستدامة جدول أعمال شامل , فهي خارطة طريق تعالج الأسباب الجذرية للفقر , وترمي إلى التوحيد لإحداث تغيير إيجابي لكل من البشر والكوكب.

ولقد صرحت مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك أن “دعم خطة عام 2030 هي أولوية قصوى بالنسبة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي،” وأضافت “إن أهداف التنمية المستدامة توفر لنا خطة وجدول أعمال مشتركين لمعالجة بعض التحديات الملحة التي تواجه عالمنا مثل الفقر وتغير المناخ والصراعات ويتمتع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالخبرة والقدرات اللازمة لدفع عجلة التقدم والمساعدة في دعم البلدان على طريق التنمية المستدامة”.

و دخلت أهداف التنمية المستدامة حيز التنفيذ في يناير 2016، وستستمر في توجيه سياسات وتمويل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للسنوات الخمسة عشر المقبلة.

و بوصفه الوكالة الرائدة في مجال التنمية في هذه المنظومة ، فإن برنامجها الإنمائي في وضع فريد يمكنه من المساعدة في تنفيذ الأهداف من خلال العمل في نحو 170 بلدا وإقليما.

وتركز خطتها الإستراتيجية على عدة مجالات رئيسية، تشمل الحد من الفقر، وتعزيز الحكم الديمقراطي وبناء السلام، ومواجهة آثار تغير المناخ، ومخاطر الكوارث، وعدم المساواة الاقتصادية ، ويقدم البرنامج الإنمائي الدعم للحكومات لإدماج أهداف التنمية المستدامة في خططها وسياساتها الإنمائية الوطنية ، و لتحقيق هذه الأهداف يتطلب شراكة واسعة تجمع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين على حد سواء للتأكد من أن الجيل الحالي سوف يترك كوكبا أفضل للأجيال المقبلة .

و بالتالي ، وحسب إحصائيات قامت بها الأمم المتحدة خلصت إلى أن استهلاك الأسر المعيشية 29% من الطاقة العالمية ، وتساهم بنسبة 21% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون .

و جاء خُمُس الاستهلاك النهائي للطاقة في العالم في عام 2013 من مصادر الطاقة المتجددة ، و أن أکثر من ملیار شخص لا یحصلون علی میاه عذبة ، و أن ثلث الطعام الذي ينمو على كوكبنا يُفقد أو يُهدر، بينما يعاني 821 مليون شخص من الجوع. و أن بأنه نتيجة لتزايد عدد سكان العالم  وتدهور الموارد الطبيعية وزيادة التحضر تؤدي إلى تغذية المزيد من السكان بأقلّ من المياه  والأراضي الزراعية .

و يرتكز نجاح أهداف التنمية المستدامة إلى حد كبير على عمليات الرصد والاستعراض والمتابعة الفعالة. وتشكل مؤشرات أهداف التنمية المستدامة الأساس لهذا الإطار العالمي الجديد للمساءلة المتبادلة. ومنظمة الأغذية والزراعة هي الوكالة التابعة للأمم المتحدة “المؤتمنة” على 21 مؤشرًا، وعلى أهداف التنمية المستدامة و من أبرزها الهدف 12 الذي يقر بضمان وجود أنماط استهلاك و إنتاج مستدام .

خيار الاستهلاك المستدام

إن الإفراط في الاستهلاك هو بالأساس أحد مفرزات مجتمع الرفاه و بالتالي يخلق خلل بين ما هو معيش الآن ، وما يتوخى منه في الغد لأجيال القادمة التي لم تولد بعد.

و تلعب جمعيات حماية المستهلك وحماية البيئة  دوراً هاماً في هذا البرنامج التوعوي ، عن طريق نشر الثقافة الاستهلاكية الرشيدة التي تعتبر أحد أهم العوامل للاستهلاك المستدام.

يهدف الاستهلاك المستدام إلى إيجـاد حـلول يمكن تطبيقها على الإختلالات الاجتماعية والبيئية ، من خلال السلوك المسؤول لجميع الأشخاص.

ويرتبط الاستهلاك المستدام بوجه خاص بالإنتاج والتوزيع والاستخدام والتخلص من المنتجات والخدمات ويوفر أسلوباً لإعادة النظر في دورة حياتهم . لغاية ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية لكل المجتمع الدولي  وتقليل الإفراط وتجنب الإضرار بالبيئة .

فإذا كانت التنمية المستدامة هي التي تلبي احتياجات الحاضر دون المخاطرة بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجات المستقبل، فان الاستهلاك المستدام عنصر مكمل للتنمية المستدامة ، ومسألة في غاية الأهمية للأمم المتحدة .

فطبقاً لما جاء في جدول أعمال القـرن الحـادي والعشرين من خطـة العـمل الخاصة بالتنمية المسـتدامة والتي أقرت في قمة الأرض للبيئة في ريو ديجانيرو 1992 بأن السبب الرئيسي في التدهور المستمر للبيئة العالمية هو نمط الاستهلاك والإنتاج غير المستدام، لا سيما في البلدان الصناعية.

وأنه لم يعد الاستمرار في العيش بأنماط تفوق إمكانيات كوكب الأرض خياراً فعالاً على المدى الطويل، فالقضية تتمثل في تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك بسرعة تكفي للحاق بالنمو الاقتصادي ،  فسكان أمريكا (على سبيل المثال) يشكلون 5 % من سكان العالم و يستهلكون 30 % من موارد الأرض وينتجون 40 % من نفايات العالم .

1 – أنماط الاستهلاك و الإنتاج المستدامة

تتعلق أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة بتشجيع الكفاءة في الموارد والطاقة، واستدامة البنية الأساسية، وتوفير إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل اللائق وغير المضر بالبيئة، وتحسين جودة الحياة لصالح الجميع. ويساعد تطبيق أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة على إنجاز خطط التنمية الشاملة، وخفض التكاليف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية مستقبلا، وتوطيد القدرة التنافسية الاقتصادية، وخفض حدة الفقر.

وتستهدف أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة ”إنتاج المزيد بشكل أفضل وبتكلفة أقل“، وزيادة المكاسب الصافية في الرفاه الناشئة عن الأنشطة الاقتصادية بخفض استعمال الموارد وتقليل تدهورها وما ينشأ عنها من تلوث، على مدار كامل لدورة الحياة ، و العمل على زيادة جودتها ، ويدخل فيها شتى أصحاب المصلحة، ومنهم أصحاب الأعمال، والمستهلكون، و المسؤولون عن رسم السياسيات، والباحثون، والعلماء، وتجار التجزئة، ووسائط الإعلام، ووكالات التعاون الإنمائي.

وهي تقتضي أيضا إتباع المنهجية في التعاون فيما بين الجهات الفاعلة العاملة في سلسلة الإمداد، بدءا من المنتج وحتى المستهلك الأخير. وتشمل، من بين ما تشمل، إشراك المستهلكين من خلال التوعية والتثقيف بأنماط الاستهلاك والحياة المستدامة، وتزويد المستهلكين بما يكفي من معلومات من خلال المعايير والملصقات التعريفية، والانخراط في المشتريات العامة المستدامة و غيرها.

2 – الاستهلاك المستدام ضرورة حتمية

 

بالنسبة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE)1999 ” الاستهلاك المستدام لا يعني الاستهلاك اقل بل الاستهلاك بطريقة مختلفة ،اي الاستهلاك بكفاءة من اجل تحسين نوعية الحياة”  ، هذا التعريف يتجنب فكرة تقليص الاستهلاك التي تطالب بها بعض التيارات الفكرية و المنظمات غير الحكومية و التأكيد على ضرورة الاستهلاك بطرق أفضل و أكثر مسؤولية.

و عرفت ندوة أسلو حول الاستهلاك و الإنتاج المستدام التي أقيمت سنة 1994 بأنه ” الاستهلاك المستدام بيئيا هو استعمال المنتجات و الخدمات التي تستجيب للحاجات الأساسية و تساهم في تحسين نوعية الحياة من خلال تقليص إلى الحد الأدنى كمية الموارد الطبيعية و السامة  المستخدمة ، أيضا كمية النفايات و الملوثات على طول فترة حياة المنتجات و الخدمات ، بطريقة تضمن تلبية حاجات الأجيال في المستقبل”.

 

في هذا التعريف نجد التركيز على ضرورة استهلاك المنتجات المستدامة ، و بالتالي الاستهلاك المستدام هو مرادف للإنتاج المستدام أو هما وجهين لعملة واحدة ، و هو ما انعكس في الجهود و السياسات الرامية إلى تحقيق الكفاءة البيئية ، المنتجات الخضراء ، التكنولوجيا النظيفة، كفاءة استخدام الموارد ، تحقيق المسؤولية البيئية للمؤسسات … الخ .

أما قاموس التنمية المستدامة ل  AFNOR فيعرف الاستهلاك المستدام بأنه ” إستراتيجية تركز على الطلب من اجل تغيير استخدام الموارد البيئية و الخدمات  الاقتصادية بطريقة تلبي الاحتياجات و تحسن نوعية الحياة للجميع ليتم تجديد الرأسمال الطبيعي للأجيال المستقبلية”، هذا التعريف يؤكد على دور سلوكيات المستهلكين و أنماط حياتهم التي تعتبر محورا أساسيا في إستراتيجية التنمية المستدامة و منه فالمشكلة تكمن في السلوكيات الاستهلاكية ، و ليست فقط في رفوف المتاجر ، و التالي تغيير هذه السلوكيات هو المنطلق نحو تحقيق التنمية المستدامة .

بصفة عامة الملاحظ في هذه التعاريف للاستهلاك المستدام أنها و إن كانت أكثر ما تستعمل مفهوم التنمية المستدامة كمرجعية ، فإنها تركز على التحديات البيئة للاستهلاك أكثر من الرهانات الاجتماعية و الاقتصادية كما أنها تعكس الاختلاف ما حول ما يشكل مضمون الاستهلاك المستدام و بالتالي الاختلاف حول طبيعة السياسات التي تحقق ذلك .

إذن يرتبط الاستهلاك المستدام بوجه خاص بالإنتاج والتوزيع والاستخدام والتخلص من المنتجات والخدمات ويوفر أسلوباً لإعادة النظر في دورة حياتهم . و الغرض هو ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية لكل المجتمع الدولي، وتقليل الإفراط وتجنب الإضرار بالبيئة .

الحفاظ على البيئة باتت مسؤولية كل المؤسسات والأفراد عليها أن تحمل هذه المهمة بأهمية بالغة في تحديد مصير كوكب الأرض وبالتالي مستقبل الأجيال القادمة.

بإمكاننا أن نحيا بطريقة أفضل مرتين، لكن باستخدام نصف ما نستخدمه من الموارد الأرضية ، فالنفايات هي مواد أولية مهدورة يمكن إعادة توظيفها في صناعة أخرى .

و لقد تم إتباع مجموعة من الإجراءات و السياسات التي تتخذها السلطات العمومیة من أجل التأثیر في الأنماط الاستهلاكیة وجعلها أكثر استدامة و هي متطلبات ضرورية لتحقيق الاستهلاك المستدام و هو ما تطرق إليه الفصل الرابع من فالأجندة 21السياسية التي رسمت مفهوم الاستهلاك المستدام بقمة الأرض بريوديجانيرو و الرامي  إلى التركيز على أهم السیاسات و الاستراتيجيات الوطنیة لإحداث تغيرات على أنماط الاستهلاك غیر المستدامة و المتجلية في  :

  • تشجیع زیادة الكفاءة في استخدام الطاقة والموارد عن طریق تشجیع استعمال التكنولوجیات النظیفة وأعمال البحث والتطویر المتعلقة بها، مساعدة الدول النامیة على استخدام هذه التكنولوجیات واستحداثها وفقا لظروفها الخاصة، و تشجیع الاستخدام السلیم بیئیا والمستدام للموارد الطبیعیة ولمصادر الطاقة الجدیدة و المتجددة.

  • التقلیل من تولید النفایات إلى الحد الأدنى من خلال مساهمة كل من الحكومات والصناعة والأسر في ذلك، بتشجیع إعادة التدویر في العملیات الصناعیة وعلى مستوى الاستهلاك، و تخفیض تعبئة المنتجات بطریقة تتسم بالتبذیر، و كذلك تشجیع استحداث منتجات أسلم من الناحیة البیئیة .

  • تقدیم المساعدة للأفراد والأسر لاتخاذ قرارات شراء سلیمة بیئیا، من خلال التشجیع على ظهور جمهور مستنیر من المستهلكین، و توفیر المعلومات المتعلقة بالآثار المترتبة على خيارات الاستهلاك، بغیة تشجیع الطلب على المنتجات السلیمة بیئیا، أیضا التوعیة بالآثار الصحیة والبیئیة للمنتجات عن طریق وسائل مثل: قانون المستهلك، وضع العلامات البیئیة وكیفیة استعمال المنتجات، تشجیع البرامج الموجهة نحو المستهلك على وجه التحدید، مثل نظم إعادة التدویر واسترداد التأمین .

  • ممارسة القیادة عن طریق الشراء الحكومي ، خاصة في الدول التي یكون فیها دور كبیر للقطاع العام في الاقتصاد، لذلك یجب تحسین المضمون البیئي لسیاسات الشراء الحكومیة من خلال إداراتها ووكالاتها، التحرك نحو تحدید الأسعار بصورة سلیمة بیئیا، وذلك في إطار استخدام الوسائل الاقتصادیة المناسبة للتأثیر في سلوك المستهلك كالرسوم و الضرائب وغیرها، وهذه العملیة تكون في ضوء الظروف الخاصة بكل بلد .

  • تعزیز القیم التي تدعم الاستهلاك المستدام، بحیث یجب على كل الأطراف (الحكومات، منظمات الأعمال وغیرها ) أن تعمل على تهیئة مواقف أكثر إیجابیة للتأثیر في سلوك المستهلك، عن طریق الإعلام، التربیة،التثقیف والتوعیة، الإعلان بشكل إیجابي عن المنتجات البیئیة.

جواد رسام

باحث في القانون و السياسات البيئية

error: