وليدات “الحاجة كرمومة” يغتنون من السياسة والمجالس المنتخبة

87٬128

       محمد رامي

 

مفارقة غريبة لطالما أثارت استغرابي ، لكنها لم تثر انتباه حماة المال العام. فكيف لمن التحق بالمجلس الجماعي مُعْدَمًا أو بالكاد يتدبر مصاريفه الشهرية أو مُذٌَخِرًا لقليل من المال لايكفي حتى لاقتناء شقة اقتصادية، كيف لهؤلاء أن يصبحوا بين سنة وأخرى من رجال الأعمال ومنعشين عقاريين  ملتحقين بقوافل البورجوازيين الجدد؟

لنقف عند هذه المعطيات الرسمية ولنحاول قراءة ماوراء الأرقام، لنعرف إن كان الأمر يتعلق بنشاطات مشبوهة لهؤلاء، أم أن الأمر لايعدو أن يكون عملا مشروعا لا يأتيه الفساد من أمامه ولا من خلفه.

ينص المرسوم رقم 2.16.495 الصادر في أكتوبر 2016 على أن رئيس مجلس الجهة يتلقى تعويضا عن التمثيل، إضافة إلى تعويض عن السكن قدره 15 ألف درهم إذا لم تخصص له الجهة سكنا وظيفيا بمقر الجهة.

ويصل مقدار التمثيل الشهري لرئيس الجهة إلى 40 ألف درهم، ونائبه 15 ألف درهم، وكاتب المجلس أربعة آلاف درهم، ونائبه 2400 درهم، ورئيس لجنة دائمة أربعة آلاف درهم، ونائب رئيس لجنة دائم بـ2000 درهم، ورؤساء الفرق بـ2000 درهم.

كما يستفيد رئيس مجلس الجهة ونوابه وباقي أعضاء المجلس من تعويضات يومية عن التنقل بمناسبة المهام التي يقومون بها داخل المغرب وخارجه، وتصل إلى 350 درهما داخل المغرب و2500 درهم بالنسبة إلى الرئيس.

ووفقا للمرسوم رقم 2.16.493 الصادر في أكتوبر 2016، يتقاضى رؤساء مجالس الجماعات ونوابهم وكتاب المجالس ونوابهم ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم تعويضات عن التمثيل.

ويختلف مقدار التعويضات حسب عدد السكان، حيث يتراوح ما بين 2800 درهم للجماعة التي تضم أقل 15 ألف نسمة و30 ألف درهم في الجماعات ذات نظام المقاطعات.

وبالإضافة إلى التعويض عن التمثيل، يستفيد رؤساء مجالس الجماعات والمقاطعات ونوابهم وباقي الأعضاء من تعويضات يومية عن التنقل بمناسبة المهام التي يقومون بها داخل المجلس وخارجه لفائدة المجلس الذي ينتمون إليه.

وبالنسبة إلى رؤساء الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 225 ألف نسمة، يتقاضون التعويض عن التنقل الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم العاشر. أما الجماعات التي يفوق سكانها 225 ألف نسمة ورؤساء المقاطعات فيتلقون التعويض الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم الحادي عشر.

فمن أين جاء مجموعة من المنتخبين بالأموال الطائلة التي راكموها؟

وماسر النعمة التي تظهر عليهم فجأة والمشاريع التي يباشرونها والتي تدر عليهم ذهبا؟

وماسر مرابطة مجموعة منهم بمقرات الجماعات والمقاطعات والجهات بدون سبب لدرجة أن للبعض منهم مكاتب قارة بها وهم لايغادرونها حتى بعد مغادرة الموظفين؟

وكيف لمن كان يقترض لتدبر أمور معيشته أن يتلاعب بالملايين بقدرة مفسد خبر التدبير الجماعي ومسارات غنائمه؟

فالقاعدة العامة تقول بأن السياسة لاتغني، وبأن الإغتناء من خلال العمل السياسي، جماعيا كان أم نيابيا، يرجح فرضية الفساد، والقائل بغير ذلك عليه أن يثبت مصدر الثروة التي راكمها هؤلاء خلال فترة قياسية خلال تواجده بالمجالس المنتخبة.

هؤلاء هم المسؤولون عما وصلت إليه الأوضاع بمجموعة من الجماعات ببلادنا.

هؤلاء هم من يتحمل مسؤولية الصفقات غير القانونية والمشبوهة ومسؤولية عدم إتمام الأشغال بالأوراش أو الغش فيها، هؤلاء هم حماة الغش في التصاميم وتراخيص البناء الممنوحة .

هؤلاء باختصار هم «وليدات الحاجة كرمومة» التي كانت ولاتزال بدرجة أقل اليوم تتحكم في تسيير مجموعة من المجالس الجماعية.

كانت هي الآمر الناهي فيها ، لم لا، وهي التي كانت تملك مفاتيح الفرج بها وكانت تسهل توقيع المسؤولين بالجماعة على الوثائق من دون تأخير!

أتساءل هنا وإن كان الأمر لايحتاج السؤال، أيستحق الفساد أن نحتفل به مرة كل سنة ونعلن يوما عالميا لمحاربته، ونحن نرصد تحركات هؤلاء وأولئك من دون أن تطال بعضهم يد الرقيب؟

أيستحق أن ننشئ هيئات ومنظمات لمحاربته وهو الظاهر البائن أمامنا و لايحتاج إلى تبيان؟

لربما لأن الفساد في جماعاتنا ومدننا كبيت العنكبوت في شكل الخيوط التي تشكل أضلعه المتعددة، وهو كذلك بالنظر لقدرته على الايقاع بالضحايا طوعا أو كرها.

لكن الفساد لا تنطبق عليه مقولة «أهون من بيت العنكبوت»، فشبكة الفساد متينة وهي قد تتقوى بالسلطة والمراكز المتقدمة منها.

تتقوى بالعلاقات الأسرية والعلاقات الخدماتية المشبوهة، لدرجة أن الجميع يتحدث عن محاربته حتى أولئك الذين عاثوا فسادا في البلد، وتلك هي المفارقة الغريبة حقا.

فكيف لا تتم محاسبة هؤلاء الذين اتسخت أياديهم بالمال العام بين المقاطعات والجماعات، كيف لا تتم محاسبتهم والبحث في مصدر ثرائهم  المشبوه؟

إن تخليق الممارسة الجماعية يمر عبر إعمال حقيقي لآليات الحكامة الجيدة، وإشاعة ثقافة المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وتجسيد حرمة المال العام، وتطويق الأذرع الطويلة لأخطبوط الفساد المالي وإقرار مبدأ من أين لك هذا، وإنشاء هيئة «محاربة الكسب غير الشرعي»، لربما إذا ماتم هذا، قد نجد أنفسنا خلال الانتخابات القادمة ، أمام نقص مهول في عدد المرشحين لعضوية المجالس الجماعية، من يدري؟

error: