ميمونة بجات قصة طالبة من خنيفرة تتحدى الإعاقة والصعاب والمشاكل الأسرية في أفق الحصول على الدكتوراه

92٬367
  • أحمد بيضي
ميمونة بجات، ابنة مدينة خنيفرة، واحدة من النساء اللواتي استنشقن أنفاسهن الأولى عام 1995، وهي من الأشخاص في وضعية إعاقة، واعتقد المحيطون بها أنها ستظل رهينة حجر الزاوية في انتظار الوفاة، إلا أنها استطاعت بعنادها وإصرارها، وقوة عزيمتها، الخروج من قوقعتها الأسرية إلى معركة الحياة، لتصير نموذجا للمرأة المؤمنة  بصلابة الثقة بالنفس، وبعدم الاستسلام للإكراهات والجحود الاجتماعي، حيث تمكنت، منذ نعومة أظافرها، من اقتحام مجال التحصيل والدرس بتحديها للإعاقة الحركية والاعتماد على قدراتها الذهنية والفكرية، فيما ساهم التحفيز الذي تلقته من أصدقائها وأساتذتها في اكتشاف أعماقها.
تحكي ميمونة بجات، بافتخار واعتزاز قويين عن الدور البطولي الذي لعبته أمها المنفصلة عن أبيها منذ سنها الذي لم يتجاوز وقتها أربع سنوات، تصف أمها بالبطلة لأنها كانت تحملها على ظهرها لمسافة تقدر بحوالي كيلومترين لتوصلها إلى فرعية “الصبان”، التابعة لمجموعة مدارس تاجموت بإقليم خنيفرة، حيث كانت تتابع دراستها إلى أن حصلت على شهادة الدروس الإبتدائية، وهنا تبدأ معاناة أخرى، تضيف ميمونة، حين انتقالها إلى السلك الإعدادي، حيث قضت ثلاث سنوات دراسية بثانوية لحسن اليوسي التأهيلية بآيت إسحاق، بعد أن التحقت بأبيها رغم تخليه عنها، إلا أن الحاجة دفعتها إلى البحث عنه أملا منها في الحصول على رعايته.
إلا أن أمر بحثها عن والدها لم يكن كما تصورته، حسب قولها، لتظل يتيمة الأب الحي، مقابل توسيعها لدائرة صداقتها، الشيء الذي ساعدها على التغلب على مرارة العيش مع أبيها، إذ كانت تقضي معظم أوقاتها مع صديقاتها وعائلاتهن إلى أن أكملت فترة السلك الإعدادي بنجاح، دون أن يفوتها الاعتراف المطلق بالفضل لصديقاتها وأصدقائها الذين كانوا بالنسبة لها صدر السند والدعم، سيما أنهم لم يقتصروا فقط على الترحيب بها في بيوتهم بل كانوا يدفعون بها الكرسي المتحرك نظرا لعمق إعاقتها على مستوى الحركة والقامة، ورغم كل شيء لم يمنعها وضعها من تحويل حياتها من عادية الى قصة نجاح وإصرار على تحقيق الوصول الى الهدف.
وفي خضم الإصرار، التحقت ميمونة بجات بدار الفتاة، بعد انتقالها إلى مدينة خنيفرة، بمساعدة من زوج أمها المسن ومدير المدرسة الابتدائية التي درست فيها سابقا، فاستطاعت أن تحصل من “الثانوية التأهيلية طارق” على شهادة الباكالوريا، شعبة الآداب العصرية، دورة يونيو 2017، متفوقة بذلك على وضعها الجسدي بعزم وإرادة، بعد كفاح طويل ومعاناة مع الصعاب والعراقيل، ما جعلها تخلق علاقات قوية مع محيطها، بما فيه الأساتذة والأطر التربوية بشكل عام، وفي ذلك ما ساعدها على الاستمرار في الإقامة ب “دار الفتاة” رغم الشرط المقيد بحدود الحصول على شهادة الباكالوريا، ولأنها لا تتوفر على مأوى تلتجئ إليه.
ومن خلال طموحها القوي، وجدت ميمونة بجات نفسها متدربة بمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، بخنيفرة، وبالموازاة مع ذلك كانت تواصل متابعة دراستها بمسلك الإجازة بمدينة مكناس، وبعزمها الملحوظ استطاعت كذلك أن تحصل سنة 2019 على دبلوم تقني في كتابة المكتبيات، وبعده على دبلوم الإجازة في الدراسات الأساسية شعبة الفلسفة سنة 2021، دون أدنى كلل أو استسلام لقساوة الظروف الصحية والاجتماعية والمادية، وهي الآن طالبة باحثة بالسنة الثانية بمسلك ماستر الفلسفة والتربية، شعبة الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، دون أن تتوقف عن رصد الصعاب التي تواجهها في كل دقيقة بإرادتها.
وفي سؤال حول ما إذا كانت قد اجتازت مباراة من مباريات التشغيل العمومي؟، أكدت ميمونة بجات أنها قامت فعلا باجتياز مختلف المباريات ولم توفق، من بينها المتعلقة بتوظيف الأطر النظامية للأكاديميات، حيث اجتازت عام 2022 الامتحان الكتابي فقط ولم تحظ بفرصة المرور إلى الشفوي، بينما في السنة الجارية 2023 لم يتم انتقاء ملفها، منذ لحظة قيامها بالتسجيل الأولي، على حد قولها، أما فيما قامت باجتياز المباراة الموحدة الخاصة بأشخاص في وضعية إعاقة ولم توفق، مقابل حرصها على التسجيل في أي مباراة يتم الإعلان عنها عبر بوابة التشغيل العمومي، وتقول إذا كان الحق في الشغل حق مشروع، فلا يجوز حرمان أي شخص في وضعية إعاقة من حقه.  
وبشكل مؤثر تتحدث ميمونة بجات عن معاناتها مع مصاريف التنقل، ذهابا وإيابا، عند نهاية كل أسبوع تقريبا، بين مدينة مكناس (التي تتابع فيها دراستها) ومدينة خنيفرة (حيث تقطن أسرتها)، وكذا مصاريف الدواء والكتب والمطابع والأنترنيت، زائد مصاريف البطاريات والإصلاحات الخاصة بكرسيها الكهربائي الذي كلما تعطل تعمقت معاناتها، وتكبدت عناء استعمال العكازين أو الاضطرار لاستئجار سيارة أجرة بين موقع الدراسة والسكن أو العكس، وقد تحدثت عن ضياع ما يقارب 5 كراس كهربائية، علما أن أسعارها باهظة، حيث يبلغ سعر الكرسي المستعمل منها ما لا يقل عن 15000 درهما، أما الكراسي الجديدة فسعرها أغلى من ذلك بكثير، على حد قولها.
ولم يفت ميمونة بجات ربط طموحها القوي بوضعها المادي الصعب، إذ تؤكد أن مصدر رزقها في الفترة الطلابية، هو المنحة الدراسية البسيطة التي لا تكفيها في سد الحاجيات الأسرية والذاتية؟، فتضطر أحيانا إلى المزاوجة بين الدراسة والاشتغال من أجل اكتساب بعضا من المال، وتشير إلى ما يفيد أنها كلما بحثت عن شغل لا أحد يقبل بتشغيليها نظرا لشكلها وانتقاصا من قدراتها، وتتساءل دائما: ما مصيرها بعد الانتهاء من مسلك الماستر وهي على أبواب النهاية؟، والابواب جميعها موصدة في وجهها؟، وطالما جمعتها الدراسة بقلوب رحيمة، هل سيتذكرها أحدهم حينما تغيب عن ساحة الدراسة؟، علما أن طموحها يسعى إلى الحصول على شهادة الدكتوراه.
وفي كل حديث معها، تقف ميمونة بجات عند نظرة المجتمع التي لا تخلو من الاحتقار في الغالب، وتصفه بالمجتمع الذي لم يصل إلى ثقافة الاعتراف بالآخر المختلف عنا، ناهيك عن النظرة الدونية والاحسانية التي تحد من حرية الشخص في وضعية إعاقة واندماجه بشكل حر، وبصفتها إنسانة حاملة لإعاقة حركية، تضيف ميمونة بجات أنها لم تفلت من هذه النظرة المرضية المتجذرة في مناحي الحياة ككل، رغم مسيرتها الدراسية التي لم تكن سهلة بل كانت نتاج لصراع دائم، بدء من عائلتها التي كانت ضد استمرارها في الدراسة باستثناء أمها، لكون الشخص في وضعية إعاقة في نظرهم هو مجرد كائن خلق كلعنة وعليه الاختباء والانكماش في انتظار دنو أجله.
error: