عبد الواحد الراضي …بكل الحب لهذا الوطن

51٬233

عبد المنعم محسيني

عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

هناك قصة فرنسية وجيزة وجديرة بالاهتمام بطلها رئيس الجمهورية الفرنسية رينيه كوتيه يقدم فيها تمييزا بين رجل السياسة ورجل الدولة ، ففي احدى المناسبات ذكر له أحد وزرائه اسم زعيم بارز من زعماء الحياة السياسية في فرنسا فاستخف به الرئيس الفرنسي به وقال : ” انه ليس سوى رجل عادي بسيط من رجال السياسة ” . فسأله أحد الحاضرين : ولكن يا حضرة الرئيس ما الفرق بين السياسي ورجل الدولة في رأيك ؟ فأجابه قائلا : الفرق بسيط جدا ، رجل الدولة يريد أن يعمل شيئا من أجل بلاده ، والرجل السياسي يريد من بلاده ان تفعل شيئا من أجله .
ومن خلال تتبعنا لمسار الفقيد سي عبد الواحد الراضي الغني والمتنوع ، نسجل أن الرجل فعل أشياء كثيرة من أجل بلاده ، والثابت البنيوي في فكر وخطاب وفعل الراحل سي عبد الواحد هو خدمة الوطن والانتصار للوحدة الترابية والوطنية .
عندما يتعلق الأمر بالوطن فعبد الواحد كان يضع الانتماء الحزبي بين قوسين لأن مبدأ الانتماء للحزب هو حقل لخدمة الوطن أولا وأخيرا .
المناضل عبد الواحد الراضي كان وفيا للمبدأ والتاريخ …وفيا للوطن ..
كان يقولها بالصوت المغربي الصادق …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد ، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا ، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وابائنا وأمهاتنا ، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق . نفخر بهذا الأمر أيما افتخار ، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء إلا للمغرب . وهذه لوحدها تكفينا ، اليوم ، وغدا في باقي الأيام ، إلى أن تنتهي كل الأيام …. لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن . والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني ، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ . إنه قضية وجود …
كان الراحل بالدرجة الأولى وطنيا كبيرا ، مدافعا شرسا عن قضايا بلاده وخصوصا عن قضية الترابية للمملكة ، وكان شرسا في التصدي لخصوم الوحدة الترابية في المحافل الدولية وفي المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف . ويمكن الجزم بأن الرجل أسس خطابا برلمانيا وطنيا بشأن القضية الوطنية ، خطابا يستحضر التاريخ ، المؤامرات التي كان المغرب ضحية لها ، بالأخص منذ مؤتمر برلين التي 1884 – 1885 الذي ” نظم ” استعمار القارة الافريقية .
كان سي عبد الواحد الراضي يضطر أمام محاوريه ، من أجل مزيد من الإقناع ، استعمال الخرائط والألوان ، وكأنه يلقي درسا أكاديميا في الجغرافيا السياسية .
ومهما كان موقع الاتحاد داخل الخريطة السياسية ، في الأغلبية أو المعارضة ، كان سي عبد الواحد ممن يتجندون دوما للذود عن قضية الصحراء المغربية .
كان عبد الواحد الراضي شاهدا وفاعلا في محطات وطنية نضالية كثيرة . رافق المهدي بنبركة طيلة عشر سنين ، ولازم عبد الرحيم بوعبيد طوال ثلاثين سنة ، ورافق عبد الرحمان اليوسفي ، منذ أن تعرف عليه في الستينيات ، ومنذ كان يلتقيه في منفاه ، ثم حين عاد إلى المغرب وأسهم في الحياة السياسية الوطنية في الداخل وصولا إلى قيادة الاتحاد وتعبيد الطريق أمام محطة استقبال سياسي كبير لعب فيه عبد الواحد نفسه دورا حيويا ساعد على تمهيد الطريق فعليا لتناوب بدأ بتشكل أغلبية برلمانية متعاقدة ومتحالفة ومتضامنة حول الرئيس المنتخب عبد الواحد الراضي .
كان يرفض بالمطلق نشر غسيل بلاده خارج بلاده ، كان يرفض بالمطلق مناقشة القضايا الداخلية في القنوات الخارجية …كان يؤمن بأن المعارضة البناءة تمارس داخل المغرب لا خارجه …وكلنا يتذكر كيف انسحب بكبرياء وطني من نقاش ملغوم في قناة ” فرانس 24 ” ، إنه وطني أصيل …إنه مغربي
مواقف عبد الواحد الراضي كانت جزءا من مواقف ودروس المواطنة الاتحادية .
جاء في برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحوم الأستاذ عبد الواحد الراضي “كما نستحضر، بكل إجلال، ما كان يتحلى به فقيدكم العزيز من خصال رجال الدولة الكبار، المشهود له بدماثة الخلق، وبالغيرة الوطنية الصادقة، وبالحنكة السياسية العالية، وبالنزاهة والاقتدار في مختلف المهام السامية، الحكومية والبرلمانية والجامعية، التي تقلدها، سواء في عهد والدنا المنعم، جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، أو تحت إمرة جلالتنا”.
وجاء في كلمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأستاذ إدريس لشكر أثناء تأبين الفقيد السي عبد الواحد الراضي رحمة الله عليه ظهر يوم الثلاثاء 28 مارس
“عبرك أدركنا قيمة الانتماء للفكرة، ومعنى الثبات على الموقف، في مدرسة كنت من مؤسسيها وحاضنيها كي تنقل الرسالة من جيل إلى جيل، وكي تسهم في بناء وتعزيز مغرب الديمقراطية والمساواة والتنمية.
تعددت المهام والشيم واحدة محورها الوفاء والإخلاص، في مختلف السياقات وبجميع العناوين: السياسي المناضل، الأستاذ الجامعي، المسؤول الحكومي، المنتخب البرلماني، المنتخب المحلي أو القائد الحزبي.
من موقع المسؤوليات المختلفة: حكومية وبرلمانية وحزبية، كنت مثالا للمسؤول النزيه الذي نذر حياته لخدمة المصلحة العليا للوطن.
رجل الدولة الصادق الأمين الذي خدم بلاده في أكبر المحطات: محطة استقلال البلاد تحت قيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، ومحطة بناء الدولة تحت قيادة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، ثم محطة الإقلاع التنموي التي يقودها جلالة الملك محمد السادس من البدايات إلى اليوم.
كنت من المساهمين في تطوير المسار المؤسساتي الديمقراطي منذ البدايات الأولى نائبا برلمانيا. رئيسا للفريق الاشتراكي . رئيسا لمجلس النواب، واستطعت حينها، بحنكتك الراقية وحسك التوافقي، أن تيسر العديد من التراكمات الإيجابية لحكومة التناوب داخل المؤسسة البرلمانية.
مسؤول حكومي رزين وقامة وطنية شرفت بلادنا في المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الاتحاد البرلماني الدولي …”
سي عبد الواحد الراضي …نعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت…ترحل بيولوجيا لتفرض حضورا أقوى ، فأنت الحضور ، بالامس واليوم وغد ، وجودك كان له معنى ، لم تأت إلى هذا العالم زائرا ، لم تكن مؤقتا …بل أتيت فاعلا وحكيما …إنك عبد الواحد… وطني أصيل …إنك اتحادي …
لم تنته بل بدأت …كنت البداية دائما …ستستمر …ستخلد…ستستمر في كل من يؤمن بالمغرب بلدا حرا وناميا…ديموقراطيا وحداثيا…في كل من عرف انك كنت تزرع الوطنية والمواطنة …
نقدر ونعتبر الخسارة الكبرى التي لحقت الوطن ….التي لحقت الاتحاد الاشتراكي…
نعم لم ولن تموت …فالرجل انت والصدق فيك …والنبل ولد معك…إنك وطني وفي…إنك اتحادي أصيل
أنت النموذج …أنت القدوة …أنت المثال ….أنت المدرسة التي تعلمنا فيها معنى أن مغربيا ، مواطنا ووطنيا ، تعلمنا فيها وستتعلم فيها الأجيال اللاحقة مبدأ الانتماء للوطن وقيمة حب الوطن ونبل خدمة الوطن …
علمتنا الأمل والتفاؤل…علمتنا الصمود والكبرياء …علمتنا أن هذا البلد سيعبر الى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين ، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد الاف المرات ، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء …
نم مطمئنا يا عبد الواحد، المغرب ينمو ويتقدم مستلهما قيمك وقيم الوطنيين الشجعان …

error: