محمد اليزناسني
الجمعة 29 سبتمبر 2023 - 15:54 l عدد الزيارات : 6567
عبد السلام المساوي
من أجل رفع الظلم الاجتماعي ، الذي يقترف باسم تأويلات ومرجعيات مختلفة للنصوص الدينية وتحرم ذوات حقوق لفائدة الأغيار ، يجب أن نعتبر فتح ورش المشاورات في تعديل مدونة الأسرة ، حدثا تاريخيا ، وإشراف جلالة الملك أمير المؤمنين ، شخصيا ، على هذه المشاورات وتعيين المؤسسات والهيآت التي ستتكلف بذلك ، ضمانا لإحقاق الحق وعودة الحقوق إلى أصحابها .
” إن بلاغ الديوان الملكي جاء واضحا ودقيقا في لغته ومضامينه وحاملا لعدد من الرسائل إلى كل من يهمه الأمر .
الرسالة الأولى ؛ مفادها أن زمن إصلاح المدونة قد حان بعد 20 سنة على قانون 2004 ، والنص والواقع والثغرات والتجاوزات ، التي أظهرتها الممارسة ، تحتاج اليوم إلى إعادة النظر في المدونة بما يسمح ببناء أسرة مستقرة ومتماسكة ، لأن في تماسكها واستقرارها تماسك واستقرار للمجتمع والدولة .
الرسالة الثانية تقطع الطريق على محكما على تجار مدونة الأسرة الذين ينتظرون منذ فترة فتح هذا الورش للقيام باستغلاله السياسوي والركوب عليه لتحقيق مكاسب سياسية ظرفية . فإصلاحات المدونة ، كما يستبطنها بلاغ الديوان الملكي ، لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها انتصار لفئة على أخرى ، بل هي مكاسب للأسرة المغربية . لذلك فقد أسند الملك الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام ، بشكل جماعي ومشترك ، إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ، وذلك بالنظر إلى مركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع . بالإضافة إلى المجلس العلمي الأعلى ، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة ، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين .
الرسالة الثالثة تؤكد استمرار الملك محمد السادس على نهجه في الحفاظ على الطابع البرلماني للمدونة ، وهذا مؤشر إيجابي ، بمعنى أن الملك يدعو المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان وهيئات دستورية إلى تحمل مسؤوليتها الكاملة في التوصل لمشروع يحظى بالتوافق المجتمعي والمؤسساتي ، ولا ننسى أن الملك صنع الحدث خلال 2004 ليس بقراره فقط إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية ، ولكن لأنها المرة الأولى في تاريخ المغرب منذ خمسينات القرن الماضي الذي تحال فيه مدونة تتعلق بالأسرة على البرلمان للمصادقة عليها ، بعدما ظلت المدونة تصدر بظهير تشريعي في إطار المجال المحفوظ المخول لإمارة المؤمنين .
الرسالة الرابعة أن البلاغ فتح التعديل على كل المجالات والمواضيع المرتبطة بالمدونة ولم يحدد سقفا محددا لا يمكن تجاوزه باستثناء السقف الزمني المحدد في 6 أشهر . وبناء عليه ، فكل المواضيع التي أثبت النص والممارسة قصورها ستكون فوق طاولة النقاش والتعديل بالإضافة أو الحذف أو التتميم ، سيما مواضيع تقسيم الإرث وزواج القاصرات وتقسيم الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال فترة العلاقة الزوجية ، والطرد من بيت الزوجية ، والولاية الشرعية والحضانة ، والتعدد وغيرها .
الرسالة الخامسة تشدد على أن الخطوط الكبرى لمشروع المدونة الجديدة لن تكون لها أي شرعية مؤسساتية ودينية ودستورية دون حسم الملك ، والموافقة النهائية على ما انتهى إليه المشروع ، بوصفه أمير المؤمنين وحامي الملة والدين ، كما ينص على ذلك الفصل 41 من دستور المملكة المغربية . لذلك فإن ما ستقوم به السلطات المكلفة من لدن الملك لا يعدو أن يكون مسودة لن يبنى عليها أي قرار دستوري وقانوني إلا بعد الكلمة النهائية للملك الذي سيقرر في النص الذي ستتم إحالته على البرلمان من أجل المصادقة عليه . ” ج الأخبار العدد 3287 .
إن تعديل بعض مواد ونصوص مدونة الأسرة ، بعد مرور 20 سنة على القانون السابق ، ليس غاية في حد ذاته ، أو مناسبة لإثارة الجدل والنعرات والانقسامات في المجتمع ، أو فرصة لتسجيل كل طرف هدفا في مرمى الطرف الآخر .
بينما الهدف الأمثل أن يسعى الجميع إلى إنتاج نص قانوني يرفع الظلم على الأفراد ويحصن حقوقهم وممتلكاتهم وإرثهم من النصب والتحايل باسم الدين ، وقانون يكرم المرأة المغربية ويحمي حقوقها في الزواج والطلاق والنفقة والولاية والحضانة ، ويرفع من شأن الرجل ، ويصون الأطفال من الاستغلال الجنسي ، ويحاصر الذئاب المفترسة التي تتربص بالقاصرات .
إن مدونة الأسرة التي يريد المغاربة ، ويضمنها أمير المؤمنين بتوجيهاته ، هي قانون يستحضر المصلحة العليا للأفراد والجماعات ، ويعيد الطمأنينة إلى القلوب ، ويصالح الأسر والعائلات ، ويهيء مناخا للتعايش من منطق الإسلام الوسطي المغربي المتسامح.
تعليقات
0