حفل في خنيفرة لتوقيع وتفكيك هواجس ديوان “لحظات معراج” للشاعرة خديجة بوعلي

79٬266
  • أحمد بيضي
إيمانا بقيمة الفعل الثقافي ومكانته في بناء جسور التواصل بين الكاتب والجمهور، نظم “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، عشية الجمعة 20 أكتوبر 2023، حفلا لتوقيع ديوان “لحظات معراج”، للشاعرة خديجة بوعلي، بمشاركة ذ. محمد العمراني، ذ. كريم أيوب وذ. عبد الرحمان الخودي، وتسيير ذ. اسماعيل هواري، فيما سجل الحفل حضورا نوعيا متميزا وأجواء دافئة بالتفاعل الممتع نظرا لما بات يساهم به الخطاب الشعري من دور في تعزيز الهوية والحب والانتماء والأمل في “عصر متوحش بالكراهية والحرب والخراب”، كما جاء على لسان الشاعر عبدالصمد حدوشي الذي حضر الحفل.
وافتتح الستار بكلمة رقيقة للباحث والناقد السينمائي، صاحب كتاب خطاب السينما وتخوم التربية: بحث في الجماليات”، اسماعيل هواري، وصف فيها اللقاء بمحطة لتجديد الوصل بين الوجوه الثقافية، ومبرزا دواعي الحفل لاحتضان “شاعرة متألقة يحضر اسمها في الكون وحفر أغوار شعرها كمبدعة ومرهفة الحس”، حيث استعرض شخصية هذه الشاعرة وأعمالها، فيما لم يفت مدير المركز، الباحث المصطفى فروقي، تجديد تأكيده على “استمرار المركز في انفتاحه بغاية تحقيق الفعل الثقافي المطلوب”، بينما كشف بالمناسبة عن تفاصيل التهيئة التي يعرفها هذا المركز، ومبشرا بعودة ملف إحداث قاعة المسرح للواجهة، إلى جانب فضاء للسينما.
ومن جهته، انطلق الناقد والشاعر عبدالرحمان الخودي، في ورقته، من قراءة عميقة في لوحة غلاف الديوان المحتفى به، و”عنوانه الرامي إلى الامتاع والإقناع”، وكذا من “خبايا سطوره عبر عبارة المعراج بين دلالته في القرآن ورمزيته في العمل الشعري”، دون أن يفوته استحضار شخصية الشاعرة “العميقة في معانيها والحزينة في مغانيها”، ومدى “تمكنها من ترويض الحروف لأجل الجمع بين الانكسار والانتصار وبين الفرح والقرح في أفق تسهيل السهل الممتنع”، ليغوص الخودي، بلغته الشاعرية، في الجماليات الأسلوبية للديوان من خلال تجاوزه المبنى التقليدي نحو تجسيد نوع من الصراع الوجودي ومن الرؤى التي تنتصر للإنسان.
أما الشاعر والناقد، صاحب ديوان أزهار أرض باخوس، أيوب كريم، ففتح مشاركته بسؤال السجال القائم بين المتعة والهوية ولذة النص والكاتب والكينونة المطاردة، ليلج قلب الديوان على ضوء “راهن الشعر”، بقوله إن هذا الديوان “لا ينتمي لأية إيديولوجية، بقدر انتمائه للصوت الفردي بجماليته الفكرية واختلاف مشارف تجارب الشاعرة”، وكذلك ل “مسار ثقافي يختلف عن المسارات السابقة”، حيث رأى الشاعر كريم في هذا الديوان “مجموعة من الخطابات الجديدة التي لا تقل عن الحرية والرفض والكونية والعلاقة بالآخر”، ليضع الديوان قاب سؤال: “هل أكتب النص أم يكتبني؟”.
وفي ذات السياق، حرص المتدخل على تمييز مداخلته باستعراض أربعة مواثيق قرأ فيها “مجموعة من عناوين الديوان وربطها بالواقع الراهن”، وكذا إيقاعات حروف هذا ديوان انطلاقا من “انتماء العمل لقصيدة النثر التي تحاول التخلص من قيد الإيقاع بحثا عن المستوى الجمالي وشعرية التخيل والمتخيل الذي هو مجموع خبرات تمثل المادة المكتوبة وتميل لما قد يحرك في القارئ لذة القراءة”، يضيف الشاعر كريم أيوب صاحب كتاب الشعر المغربي في الألفية الثالثة: من ظنون الفهم إلى يقين المتاه”، الفائز ب “جائزة المهندس لوطاطي مولاي رشيد الإدريسي للنقد”، بعد فوز مجموعته الشعرية: “النهر يشرب ذاته” ب “جائزة سيزار الوطنية للشعر”.
وبدوره، شارك في الحفل الناقد والقاص محمد العمراني، صاحب المجموعة القصصية “لسان بورخيس: إبر حلمية و لقاحات ميتا قصصية، والفائز بجائزة الرافدين للكتاب الأول، وذلك بقراءة في ديوان “لحظات معراج” للشاعرة خديجة بوعلي، انطلاقا من “سؤال الكتابة”، بقوله “إنه عندما قرأ الديوان لم يكن موقنا من ملامسة سياقه فاختار باب تخوم الكتابة”، حيث استهل مداخلته من تخومية العنوان، وكيف “عرجت فيه الشاعرة إلى المشتهى على وزن معراج النبي إلى المنتهى”؟، أو كيف “يكون الملاذ الكتابي ملاذا آمنا”؟، وكذلك من لوحة الغلاف التي مزجت الحياة في “تجريديتها” بألوان ساخنة وبصمات متفردة.
وعلى مستوى آخر، رفع محمد العمراني من وتيرة قراءته للديوان من خلال تفكيكه لما وصفه ب “مسحة المواجهة ورشقة الأنثوية في عمل الشاعرة”، ليختار استغوار بعض نصوص هذا الديوان تحت ضوء “الكتابة الشذرية”، ومحاولات الشاعرة “إبراز خبرتها في تقديم إجابات حول الرحيل والحرب والحرية داخل زمن يكتنفه القلق والجنون واللامعنى”، حيث حاولت الشاعرة جاهدة “كتابة التحرر بكل الحروف الممكنة”، وحتى ب “الصوفية والصراع في ظل البرود، وبالواقعية والسريالية واستغوار العقل الباطن”، على الأقل من باب المراهنة على إثبات الذات الإبداعية والمشاركة في روح القصيدة المعاصرة.
ذلك قبل إسدال الستار على الحفل بأنامل الشاعرة خديجة بوعلي التي لم يفتها تتويج اللحظة بقصيدة شعرية وبكلمة رقيقة جددت في مستهلها “حبها العميق لبلدتها خنيفرة روحا ومنبعا”، وأعربت فيها عن شكرها للمركز الثقافي والمشاركين وجمهور الحاضرين، و”لعشاق حروفها الذين تقتات منهم صمودها”، ولمصمم غلاف ديوانها الزجال توفيق لبيض، بينما لم يفتها التوقف للدعاء بالشفاء العاجل لقيدوم شعراء لغة موليير بالمدينة، شاعر الضفة الأخرى، قاسم لوباي، وقد تم فتح زاوية من زمن الحفل في وجه الحاضرين لإغناء اللحظة بالتعبير عن مدى تفاعلهم مع طقوس “لحظات المعراج” قبل توقيعها.  
error: