المركز الثقافي بخنيفرة يحتضن رواية “ملحمة روسيو” ويحتفي بكاتبها عبدالكريم عباسي

309٬248
  • أحمد بيضي
تماشياً مع الدينامية الثقافية التي ينهجها “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، وسعيه إلى بناء جسور التواصل بين الكاتب والجمهور، احتضن هذا المركز الثقافي، عشية السبت 2 دجنبر 2023، حفل توقيع رواية “ملحمة روسيو”، لكاتبها المغربي، عبدالكريم عباسي، بمشاركة ذ. رشيد مسيد، ذ. مصطفى داد وذ. حسن بوسلام، وتقديم وتسيير ذ. محمد عياش، حيث تمكن المشاركون والكاتب من جر الحضور النوعي إلى الغوص في أحداث الرواية وشخوصها وأمكنتها وأزمنتها، وفي ثورة القرنفل وفن الفادو، ومظاهر حياة لشبونة البرتغالية وخصائصها التاريخية، وحياة إشبيلية الإسبانية وتعايشها بين صومعة الخيرالدا وكاتدرائية إشبيلية.
افتتح الستار بكلمة رقيقة للمسير المبدع الجميل، ذ. محمد عياش، وصف فيها اللقاء ب “الأمسية الأدبية المتميزة”، ووصف الكاتب المحتفى به ب “الكاتب الجهوي بالمفهوم الأدبي وليس بالمفهوم الإداري، أي الكاتب الذي سخر قلمه للحياة الجهوية، وهو النابع من تراب القصيبة، المنطقة الجميلة المحكومة بالتهميش والإقصاء”، قبل أن يشخص ميولات الكاتب ك “مبدع وقاص ومترجم وفنان على آلة العود”، وك “تجربة روائية ساهمت في خلق تصالح مع الذاكرة الجماعية المهددة بالمحو، وفي تثمين الهوية ومقاومة الهشاشة التي تحاول قتل الإبداع”، ليتوقف أمام التفاصيل التي رأى فيها “الشيء الذي تختبئ خلفه الشياطين كما الملائكة أحيانا”.
من جهته، انطلق الناقد ذ. مصطفى داد، في مداخلته المعنونة ب “ملحمة السرد ورهاناته في رواية “ملحمة روسيو””، من “موقع هذه الرواية في المشهد الإبداعي المغربي العام، و”مما شكلته من نوعية إضافية وخصوصية سردية”، فيما حاول تشريح “التقنية السردية فيها”، و”خياراتها وتجلياتها الأسلوبية، وكذا شخوصها وعتباتها النصية، وأحداثها التي تنمو، في سرديتها، بسلاسة شديدة”، حيث تمكن ذ. داد من الاستغوار في باطن الرواية وما “شكلته من خلفيات فكرية وفنية وجمالية، وما كشفته بجلاء من رهانات سردية تم نسجها بعناية على خلفيات تناصية”، دون أن يفوت المتدخل ذاته تطريز مداخلته بمقتطفات من كتاب ونقاد عالميين.
ومن خلال قيمة الرواية وما يلوح إليها كاتبها، بشكل ضمني، حرص ذ. داد على ختم ورقته بما يشبه النداءات، ومن ذلك الدعوة إلى “ضرورة الاحتفاء بالمثقف باعتباره رأسمالاً رمزياً وطنياً، احتفال واحتفاء يستدعي انخراط المجتمع المدني، وكذا مؤسسات الدولة بغاية إعلاء قيمة الفعل الثقافي في الفضاء العام”، انطلاقا من “قناعات راسخة تؤمن بأهمية انخراط المثقفين في الشأن العام، باعتبارهم أمل الأمة في تمجيد البطولات الوطنية”، ولعل “الرغبة في الاحتفاء ببطل الرواية، خوسيه أنطونيو دا سيلفا، هي رسالة ذكية من الروائي إلى المثقف المغربي لاستعادة أدواره الحقيقية” يرى المتدخل.
وبدوره تمحورت مداخلة الناقد ذ. رشيد مسيد الموسومة ب “شعرية الفضاء المنهجي في رواية “ملحمة روسيو” من منظور “بروكسيمي” حول محورين متكاملين: أولهما “نظري يتناول شعرية الفضاء من خلال تحديدات نظرية لمفهوم الفضاء الروائي يتناول جملة من القضايا النظرية التي يثيرها هذا المفهوم”، ومنها “إشكالية الالتباس الاصطلاحي بين المكان والحيز وإشكالية الإيهام بالواقعية”، فيما يتعلق المحور الثاني ب “مظاهر الاشتغال الفضائي في رواية “ملحمة روسيو”، حيث جاءت بدورها مقسمة على مرحلتين متضافرتين ابستمولوجيا: الأولى منها تقسم الفضاء في الرواية – من منظور سيكولوجي- إلى فضاء معادي”.
وبينما قرأ ذ. مسيد في “مكابدة البطل خوسيه، ببيت الزوجية، الكبت الجنسي والحرمان العاطفي والحصار الخانق والاضطراب النفسي مع زوجته كاتالينا…”، يرى بالمقابل “أن الفضاء الآمن يتمثل فيما أفلح فيه السارد عبر قيامه بتهريب البطل بعيدا عن فضاء البيت إلى فضاء بديل فسيح ينعم فيه بالحب والمسرات”، بالإضافة إلى “فضاءات موازية مثلت المتنفس للبطل من الأزمة التي يعاني منها (من قبيل المكتبة، الفضاء الافتراضي، ضفاف نهر تاجة، الحانة، المقهى البرازيلي)، دون أن يفوت المتدخل تفكيك مفهوم الفضاء بمفهومه الواسع، وما يبنيه من نسيج سوسيوثقافي وسيكولوجي.
أما ذ. حسن بوسلام فانطلق في مداخلته: “الصناعة السردية من السياق إلى النسق” من “حاجة قراءة أعمال ذ. عبدالكريم عباسي لعين ثالثة”، ومنها “روايته الأخيرة “ملحمة روسيو” التي تُرجمت قبل نشر أصلها العربي”، كما صورة غلافها التي “التقطها الكاتب قبل التفكير في إنجاز عمله الروائي”، ليبحر المتدخل بالحضور في أساليب “الصناعة السردية وما تتطلبه من شروط”، وفي عالم فن الفادو وساحة روسيو، ثم شخصية الكاتب الذي “تكمن قوته في ما يضعه ويوظفه من كلمات وعناصر بين السطور ولها معان ودلالات (كورونا، وريقة تم تسليمها على متن الطائرة، رسالة هاتفية قصيرة، أداة سبسي، علاقة زوج بزوجته…).
وفي ذات السياق، اختار ذ. بوسلام “تشريح” تجربة الكاتب ذ. عبدالكريم عباسي، و”كيف يؤلف السرد ويفرض على القارئ تتبع أغوار العمل”، و”كيف يكتب قصة قصيرة فيحولها إلى رواية”، بل “كيف يتمكن من مزجه المتخيل بالواقعي، انطلاقا مثلا من شخصية عبدالحق النادل بمطعم “الركن البيروتي”، المكان والمحطة الأساسية في الرواية، والذي لم يفت الكاتب القيام ب “إهداء هذا النادل نسخة من روايته”، وقد سبق لهذا الكاتب أن أشار لموقع المطعم “قبالة جامعة إشبيلية العريقة، والمجاور لفندق ألفونسو السادس التاريخي، ولقصر المعتمد بن عباد كذلك، وللوادي الكبير، وصومعة الخيرالدا، وكاتدرائية إشبيلية”، وكلها أماكن اتسعت لها روايته بكل تفاصيلها.
وتم تتويج الحفل بكلمة صاحب رواية “ملحمة روسيو” المحتفى بها، ذ. عبدالكريم عباسي، الذي وضع الحضور في الظروف التي كتبت فيها الرواية، وهي زمن كورونا وتداعياته وانعكاساته على الحياة البشرية، حيث “فرض على كل واحد الانزواء في عزلته، والنبش في كتبه وصوره القديمة، والتفكير في ما قد يملأ به فراغه ويكسر رتابته”، وهنا عثر بين صوره القديمة على “فضاءات قام بزيارتها بين إسبانيا والبرتغال، ما “فرض عليه التفكير في توظيف ذلك في قالب روائي فني بطريقة خاصة بعيدة عن لغة الحشو”، مع استحضار العادات والتاريخ والمعمار والموروث الثقافي للبلدين الجارين”، قبل تزيين غلاف الرواية بصورة نصب تذكاري أقيم تكريما لفن الفادو.
وبينما انطلقت فعاليات الحفل بكلمة ترحيبية لمدير “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، الباحث في التراث، ذ. المصطفى فروقي، اختتمت بفتح الباب للحضور الذي طيب أجواء هذا الحفل بتفاعله المتأبط لجملة من التصورات الغنية ووجهات النظر الممتعة، تناولت في مجملها ما يتعلق بالمعمارية السردية، ومدى علاقة الملحمة بالرواية، وجدلية مفهومي الصنعة والصناعة في منطق الكتابة الروائية، فيما تساءل أحدهم بعفوية تامة حول مكامن الفاصل بين الكذبة البيضاء والكذبة السوداء في السرد الروائي، لتختتم أشغال الحفل بتوقيع العمل المحتفى به، وتوزيع شهادات تقديرية على المشاركين في جو من الحميمية الثقافية.
error: