رضوان أفندي
كنت أتوقع أن تحرز هذه التحفة السينمائية إحدى جوائز مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية، فكانت جائزة لجنة التحكيم من نصيبه.
تزويج قاصر . تفضيل الذكر على الأنثى منذ الولادة . تقدير قيمة طفلة بتعلمها الطبخ و العجن وخلافه لإعدادها لزواج مبكر . تحرش فقيه بصبايا و تغاضي أوليائهن عن تجاوزاته … تلك من تجليات ذاكرة تهوي بثقلها على نمط العلاقات و السلوكات ، وتكرس واقع الحيف و التخلف . ولا سبيل للإنعتاق من هذه القيود إلا بنسيان هذه الذاكرة والقطع معها، كشرط أولي للإنفتاح على آفاق أكثر رحابة و تحررا. يتم عرض كل هذا بلغة إيحاءات الكاميرا، دون حاجة إلى التقرير و المباشرة . و هذا ما تشير إليه شخصية المخرجة في الفيلم _ الممثلة نجاة الوافي _ ، عندما تثير انتباهنا إلى أن الكاميرا لا تكذب ، فهي تصور ما تراه كما هو بلا زيادة أو نقصان . وللمتفرج أن يستوحي ما يراه راجحا اعتمادا على قرائن الصورة . تتأطر مجريات الفيلم في فضاء بئيس ، يقع فيه جامع _ مسيد _ معزول ، يتسلطن فيه فقيه بيدوفيل _ الممثل جمال لعبابسي _ ، و تنحصر وظيفته التعليمية في شحن أدمغة المتعلمين بآيات قرآنية يحفظونها و يرددونها بشكل ببغائي _ دون فهم _ ، و يعاقبهم بالطرد في حالة العجز عن الإستظهار ، ليخلو له الجو للإنفراد بضحيته ، فينفرد بها و يغلق باب الجامع ..
و من أكثر ما أثار إعجابي في الفيلم ، ذلك الحقل شبه القاحل الذي يقابل الجامع ، والذي تتوسطه فزاعة بشكل دكتاتوري . و يبدو أن رمزية الفزاعة لا تختزل في وظيفة إبعاد الطيور و تخويفها ، و إنما تمتد إلى تخويف البشر أنفسهم ، و تحذيرهم من تجاوز خطوط حمراء ، هي موانع و محرمات مجتمع أبوي patriarcal ، يكبح التطلعات و يصادر الحريات بغير قليل من العنف . و شخصية المخرجة في الفيلم التي تبادر بكشف عورات هذا المجتمع ، هي نفسها لا تنجو من هذا القمع ، حيث يتبرأ منها والدها بسبب عملها هذا . لكن الجميل في الفيلم ، هو انحيازه الضمني لما هو إيجابي . ويتجلى ذلك في فرح المخرجة بمعية طاقم التصوير ، بالنجاح في إتمام عمل ينتصر لنور العقل ضدا على ظلام الجهل ومرارة التخلف عمل ممتع.
تعليقات
0