المكتبة التاريخية بالمغرب تتعزز بإصدار جماعي حول “قضايا من تاريخ وتراث جهة بني ملال خنيفرة”

250٬207
  • أحمد بيضي
تعززت المكتبة المغربية مؤخرا بإصدار جماعي، من منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يحمل عنوان: “قضايا من تاريخ وتراث جهة بني ملال خنيفرة”، عبارة عن مساهمة علمية وعملية في “تحقيق تراكم مونوغرافي يساعد على الانتقال إلى تاريخ تركيبي لمجمل أجزاء التراب المغربي”، وفق ما حملته مقدمة للجنة تنسيق العمل الذي يتناول جوانب وقضايا هامة من تاريخ وتراث جهة بني ملال – خنيفرة، و”مما يعطي الدليل على أهمية هذا العمل الجماعي هو الاهتمام الذي حظي به من طرف ثلة من الباحثين المهتمين بالمنطقة” على مستوى الجهة الممشار إليها.
العمل الجماعي “قضايا من تاريخ وتراث جهة بني ملال خنيفرة”، قام بتنسيق مواده دكاترة باحثون في التراث والتاريخ بالجهة، هم ذ. جواد التباعي، ذ. إدريس أقبوش، ذ. عبد الغاني السراضي وذ. الحو عبيبي، ويضم أربعة محاور لإحدى وعشرين مقالة بحثية شملت مواضيع متنوعة وفترات تاريخية مختلفة، تناولت جوانب من الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية، تشخيص التراث المادي وغير المادي وسبل تثمينه، أنماط ووظائف المقدس، السياسة الاستعمارية والمقاومة المسلحة، وفيها “يتقاسم الباحثون أسئلة حارقة، ترمي إلى التدقيق في أحداث تاريخية لم يول لها الاهتمام الكافي في الدراسات التاريخية”.
وفي هذا الصدد، سجل المحور الأول من العمل الجماعي المذكور مشاركة ذ. محمد زروال (جذور قبيلة إشقيرن ومساهمتها السياسية في الأطلس المتوسط)، ذ. محسن بوعلالي (إشكالية التدبير المخزني للمجال التادلي خلال القرن 19م: الحركات السلطانية نموذجا)، ثم ذ. شفيق رزيق (المراحل التاريخية للتعليم العتيق بتادلا)، فيما تضمن المحور الثاني مشاركة ذ. ياسين آيت بلال وإدريس أمهوش (التراث الأركيولوجي بالمجالات الجبلية: التشخيص، أساليب التدبير وسبل الإدماج في التنمية المستدامة)، ذ. إدريس أقبوش (التمدين ببلاد أيت سكوكو خلال العصر الوسيط: مدينة عوام أنموذجا).
وضمن المحور الثاني أيضا شارك ذ. جواد التباعي (مساهمة المواسم في اقتصاد التراث الثقافي: موسم مولاي بوعزة ببلاد زيان نموذجا)، ذ. هشام بويزكارن (تثمين التراث المعماري بإقليم أزيلال: التحديات والإمكانيات)، ذ. عبد الحكيم سمراني (تاريخ المكتبات في إقليم تادلة بالمغرب الأقصى: نشأتها ذخائرها ومصائرها)، وذة. حنان اقشيبل (الجوانب الشكلية في كتابة عقود المحاكم العرفية بقبائل زيان: قراءة أولية)، بينما استهل المحور الثالث من ذات العمل ذ. غانيم المهدي بموضوع (التاريخ والتراث الصوفي وأدواره التاريخية بجهة بني ملال- خنيفرة: قضايا ونماذج منتخبة).
ومن بين المشاركين في المحور الثالث من العمل الجماعي القيم دائما ذ. كمال أحشوش (دور الزوايا والأضرحة والمزارات في تدبير المراعي الجماعية بالأطلس الكبير الأوسط)، ذ. عبد الفتاح عوني (من أعلام الأطلس المتوسط: سيدي علي أمهاوش، الشيخ الصوفي والزعيم القبلي المجاهد)، ذ. محمد أسموني (الماء وجغرافية المقدس الصوفي بإقليم تادلا زمن التشوف)، وذ. عبد الغاني السراضي (التدين الشعبي وتحولات المقدس بسهل تادلا)، أما المحور الرابع فافتتحه ذ. محمد العزوزي بورقة حول (الغزو الفرنسي والمقاومة ناحية بني ملال حالة معارك قصبة تادلة).
ذلك إلى جانب مشاركة ذ. المصطفى الرباني (استراتيجيات استحواذ المعمرين على الأرض بتادلة خلال فترة الحماية)، ذ. محمد أيت تفغالين (التنظيم الإداري والقضائي لدمنات ومحيطها في عهد الاستعمار)، ذ. رشيد عابدي (عصرنة الاقتصاد الرعوي بمنطقة وادي زم زمن الحماية الفرنسية)، ذ. عبد المجيد الهلاليلمقاومة الزيانية بالأطلس المتوسط في الكتابات الوطنية والكولونيالية)، ذ. محمد أمزيان (دور شيوخ الزوايا باتحادية ايت سخمان في المقاومة والجهاد)، ذ. الحو عبيبي وذ. مصطفى علا حمو (تاوكرات ولت عيسى أنموذج المقاومة النسائية بالأطلس المتوسط).
وارتباطا بالعمل، لم يفت لجنة التنسيق تقديمه بما يفيد أن البحث في تاريخ المغرب ظل لمدة طويلة مرتبطا بتاريخ المدن والحواضر الكبرى”، و”بناء على هذا المنطق، يجد الباحث في موضوع الهوامش المغربية نفسه أمام مصادر يطغى عليها التاريخ السياسي، ولا توفر له (فيما يخص الهوامش) إلا معلومات متناثرة عبر تتبع التحركات العسكرية للمخزن”، و”لترميم هذه الثغرة، اتجه البحث التاريخي المعاصر اتجاها إيجابيا في مقاربة الهوامش من خلال الكتابات المنوغرافية، في إطار منحى جديد (micro- histoire) يهم البحث في التاريخ المحلي للوحدات الإقليمية، بقناعة مفادها أن كتابة تاريخ شمولي ينطلق من تناول الوحدات المحلية”.
ومن خلال ما عبر عنه عبد الله العروي بقوله: “بدون مفهوم المبحثة لا يستقيم لا منطقيا ولا عمليا مشروع التاريخ الشمولي”، أكدت لجنة تنسيق العمل المذكور بأن هذا المنهج قد “دشن في الدراسات التاريخية منذ مطلع السبعينيات، من القرن الماضي، من قبل أعلام الفكر المغربي المعاصر، ومنهم محمد المختار السوسي في كتابه “المعسول”، و”إينولتان” لأحمد التوفيق، و”البوادي المغربية” لعبد الرحمان المودن، و Tafilalet Le لصاحبه العربي مزين…، حيث أسهمت هذه الأعمال في بلورة مجموعة من القضايا التاريخية التي كانت مغمورة وذلك بتوسيع مفهوم الوثيقة”، تضيف مقدمة العمل.
 وسيرا على هذا النهج ارتأت لجنة تنسيق العمل “تسليط الضوء على جهة بني ملال خنيفرة كجهة ساهمت في تشكيل الشخصية المغربية عبر التاريخ بخصوصياتها التاريخية والثقافية، وحافظت على الثقافات المحلية والذاكرة الجماعية على غرار باقي المناطق الهامشية بمفهومها الواسع”، إذ “رغم الأدوار البارزة لهذه الجهة عبر التاريخ على مستويات عدة، لازالت قضاياها في حاجة ماسة إلى مزيد من البحث في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية”،  والعمل يندرج “ضمن إعادة الاعتبار لهذا لمجال الجغرافي عبر التعريف بخصوصياته ومكامن قوته وآفاق إشعاعه، إسهاما من المشاركين في تحقيق تراكم مونوغرافي يساعد على الانتقال إلى تاريخ تركيبي لمجمل أجزاء التراب المغربي”.
وبما “أن الدراسات المونوغرافية المنجزة ارتبطت بجهات معينة وكرست نفس المنحى الذي سارت عليه الكتابة التاريخية التقليدية”، يتضح أن أهمية الكتاب، حسب مقدمة لجنة التنسيق، تكمن في “كونها تسعى إلى طرح قضايا بجهة بني ملال خنيفرة، وفي هذا الإطار جاءت المقالات، التي يحتويها العمل، لتطرح جملة من القضايا التي ستشكل اللبنات الأساس لأعمال قادمة، خاصة وأن مقاربات الباحثين والمشاركين استجابت لما طرحته ورقة العمل من إشكاليات وقضايا، تمتح من مصادر جديدة (سماها المؤرخ المغربي علي صدقي أزايكو ب “المصادر الموشومة”)، يمكن الرجوع إليها في تعميق البحث في دراسة تاريخ الجهة”.
error: