شعرية الكتابة في رحلة “صيف الوصل بالأندلس، سفر الدهشة” للكاتب الرحالة عزيز الشدادي

16٬192
  • المصطفى داد (°)
تقديم :
ماتزال الأندلس بتاريخها الحافل حضاريا، الجوهرة العالقة بالوجدان الجمعي للمسلمين، وبضياعها، فقد غذت الجرح النرجسي، الضارب في أعماق الأمة، ولأدل على ذلك وسمها ب” الفردوس المفقود” لاعتبارات شتى، وتلك خصيصة يشترك فيها كل من قصد زيارتها، أو الارتحال إلى جناتها المعروشة، أو دنا إلى عوالم جغرافيتها الجميلة، وتلك تسمية كانت، وستظل اللازمة الشجية التي تلهج به ألسنة الخاصة والعامة على حد سواء.
لذلك فلا غرو، أن تكون منية النفوس و مهجة القلوب التي تملي النفس استردادها وعودتها واسترجاعها، ولو على مستوى الحلم، وما أقساه من حلم أو طيف، لطالما تغنى الرحالة بوصاله، مذ سقطت هذه الديار الشاهدة على مجد الحضارة الإسلامية بتلك الربوع الجغرافية الجميلة، فضاء وذاكرة. ولا يعدم المطلع على جل الرحلات الى الاندلس أن يؤكد على أن هاته النصوص الرحلية تشترك في جملة كبيرة من القواسم والخصائص والمقومات الفنية و التاريخية والموضوعية، مما يسمها بطابع خاص يلقي بظلاله على سيكولوجية المتلقي و يحفز ذاكرته الجمعية على لملمة ندوبها و جراحاتها التاريخية الدينية والقومية.
    و في هذا السياق نفسه، تأتي هذه الرحلة الماتعة، التي قام بها الكاتب عزيز الشدادي (*) إلى بلاد الأندلس، والتي اختار لها عنوانا مائزا “صيف الوصل بالأندلس” (1)، مبأرا بعنوان ثان فرعي، “سفر الدهشة”. لما يحبل به من دلالات صريحة ومضمرة، تشي بطبيعة الاستراتيجية الخطابية، التي راهن الرحالة عليها في تدوين وقائع هذه الرحلة. خاصة إذا علمنا أن مشروع هذه الرحلة ، قد جاء استجابة لرغبة ملحة للرحالة وهو يخوض غمار هذه التجربة، التي ارتهنت في كتابتها وانكتابها على شرطين أساسيين متكاملين:
    شرط فني وجمالي، يؤمن بقيمة اللغة الواصفة في نحت معالم تجربة الارتحال، بشكل مغاير للسائد والمتداول في المدونة الرحلية العربية قديمها وحديثها، وشرط أخر، يتجسد في طبيعة الرؤيا، التي يحتكم إليها الرحالة في تفاعله و تجاوبه مع فضاءات الرحلة، على طول سيرورة السرد الرحلي، التي تستند في تبنينه على مرآة الذات و آلية الذاكرة، فضلا عن عامل أساسي يتحكم في حطاب الرحلة ألا وهو زمن تلفظ الرحلة ، انطلاقا من قاعدة رئيسة تؤكد أن الخطاب الرحلي في تشكله الأدبي” ليس نصا توثيقيا تسجيليا فقط، بل هو نص ينتج معرفة ترتبط بزمن مغاير الرحلة وهو زمن تلفيظ الرحلة، و يعبر عن معتقدات تكونت لدى الرحالة – المؤلف و هو يعيد وقائع الرحلة و ينظمها خطابيا، و بالتالي تتحكم هذه المعرفة في سيرورة السرد من جهة، و في التفاعلات الخطابية للخطاب العام من جهة ثانية” (2)
      و بناء على هذه الخصائص السردية الخطابية للرحلة وغيرها، يجذر بنا، أن نتساءل عن استراتيجية الكتابة الرحلية  في هذا المؤلف الأدبي، الذي لن نجانب الصواب إذا قلنا، بأنه يتقاطع و يتداخل مع أجناس أدبية أخرى، صيرته نصا منفتحا على عوالم متعددة و متنوعة، كاليوميات و المذكرات والسيرة الذاتية…و لعل ذلك، ما ساهم يشكل جلي في تكثيف منسوبه التخييلي والرمزي الاستعاري، الفاتن والممتع للمتلقي، والموجه لعمليتي التفاعل والتجاوب الجمالي بمفهوم إيزر (3). لهذه التحفة الأدبية الباذخة. وتلك لعمري خصيصة يلاحظها متلقي هذه الرحلة الأندلسية، الصادرة في حلة قشيبة، مبنى ومعنى، عن مطبعة اخوين سليكي بطنجة.
       وإذ نروم الكشف عن المقومات الفنية الجمالية المشيدة لخطاب النص أو خطاباته الظاهرة أو المضمرة، فكأننا نجيب بشكل تلقائي وعفوي عن سؤال جوهري، يهجس به كل نص رحلي معاصر، يتخذ من الأندلس موئلا، وسؤالنا في ذلك هو: ما الثابت و المتحول في هذه الرحلة الأندلسية المعاصرة؟ و ما خياراتها الأسلوبية و الجمالية؟ و ما رهاناتها الخطابية؟ وما الرهان الذي اشتغل وانشغل به الكاتب الرحالة  في تشييد هذا المتن السردي، إذا ما قورن بغيره مع نصوص رحلية  قبلية جعلت من الأندلس موئلا؟ كما يمكن التساؤل عن كيفية إنتاج الرحالة لصور الغيرية ، مادامت الرحلة مشتلا لإنتاج صور الآخر، إما انطلاقا من مشاهداته أو اعتمادا على ما توارثته ذاكرة الأنا الجمعية الضاربة في عمق التاريخ، على نحو ما نجده عند كل شعوب العالم في علاقتها مع غيرها ؟

 شعرية الكتابة :

      تتعدد المقومات الفنية و الأسلوبية الجمالية التي تتشكل منها البنية السردية لهذا النص الإبداعي، المحكوم باستراتيجية خطابية، تم برمجتها وفق رؤية فنية، في تعالقها مع رؤيا نقدية و فكرية. مما يبرز بجلاء، أن خطاب الرحلة في بنينته، يشي بكثافة الاشتغال الفني الجمالي في عرض الوقائع والمشاهدات، التي حرص السارد الرحالة على تدوينها، مادامت تشكل رؤيا جديدة قادرة على رفده بجملة من الإبدالات والتغييرات النصية، ووكده في ذلك، محاولة  تشييد نص رحلي جديد، يقطع مع السائد و المألوف في المدونة الرحلية المغربية خاصة والعربية عامة، القديمة والمعاصرة على حد سواء.
     ولا يخفى على المتلقي كثافة التجليات الدالة على رهانات المبدع في بلورة جملة من المؤشرات المنشغلة  باستراتيجية الكتابة الرحلية في هذا النص، ولا نزعم التوقف عندها كاملة، بل تطمح هذه المقاربة، التوقف عند بعض التجليات الدالة على هذا المنزع التجريبي، و يمكن إجمالها في ما يلي:  
  • استراتيجية العنوان.
  • المحكي الشعري
  • سيميائية الوصف.
  • الرحلة و التاريخ
  • الرهان السردي

سياق الرحلة:

       قبل الوقوف عند تجليات استراتيجية الكتابة في هذه الرحلة المدروسة، يجوز لنا الوقوف عند سياق الرحلة، باعتبارها مشروعا ذاتيا، مسكونا بأسطورة شخصية ملحة، من لدن الكاتب الرحالة عزيز الشدادي، المهووس بجملة من الأسئلة الجوهرية التي يكشف عنها المنطوق التلفظي لنص الرحلة و خطابها الصريح و المضمر في الوقت نفسه. مما يخولنا القول، بأن هذه الرحلة  المعاصرة،  تأتي استجابة لرغبة ملحة في البحث عن أصل العائلة في الهناك (الأندلس)، مادام حفيده بالهنا ملزم بالإجابة عن سيل من الأسئلة التي تناسلت في رأسه” هل جاء جدنا الأول من الجزيرة العربية مباشرة أم عرج على الأندلس ثم وصل الى الهنا؟ هل كان أصلا في الأندلس و هرب من لعنة الموت البئيس مع جميع الهاربين من محاكم التفتيش أم أنه لم يعرف بتاتا طريق الهناك؟ ” (صيف الوصل ص 9 ).
     ومهما تكن الحوافز الباعثة على فعل الارتحال من الهنا إلى الهناك صوب الفردوس المفقود، فإن مسوغاتها تكتسي طابع القداسة، و لعل في هذا المقطع الحابل بلحظة توهج للمحكي الفكري يؤمن الرحالة المبدع بأن زيارة الأندلس فرض عين على كل من أدرك قيمة هذا الفردوس المفقود جماليا و حضاريا، يقول السارد الرحالة ” و لما كان الفردوس مبتغى المؤمنين والحكمة ضالتهم و العقل وسيلتهم، شعرت أن زيارة الأندلس فرض عين  على من أدرك أن هذا البلد هو المنبع الذي انتشرت منه المعرفة الإنسانية إلى باقي أوروبا في العصور الوسطى، ثم إن مجرد التلفظ بكلمة “الأندلس ” يدعوك لأن تتمتع برنينها و يفرض عليك أن تعشقها بدون علمها قبل رؤية مفاتن الفكر والجمال فيها.” (صيف الوصل ص :9)
    وانطلاقا من هذه الهواجس الذاتية (بمعناها الإيجابي) الدالة على مشروعية هذه الرحلة، يهيمن على النص لغة تمتح من معين ذات حالمة ، تصبو إلى معانقة الجمال، و تتبع مواطنه، و استغوار أقانيمه المخبوءة في فضاءات الأندلس الحضارية و مواقعها الطبيعية، مما يبرز رهان الرحلة ومقصدياتها، عبر لغة تلبس لبوس البوح والاعتراف والكشف والمكاشفة عن كل ما تجيش به نفسية الرحالة، وما  يعتمل فيها من أسئلة، هادئة حينا و حارقة في أحايين كثيرة.
   وهي أسئلة محورية، تشي – كما أسلفت – برهان الرحلة و مقصدياتها. و من بين تلك المقاطع الكاشفة عن سلطة الذات الراحلة المهوسة بجدوى الرحلة و غائيتها، ما عبر عنه  السارد الرحالة  في المقاطع السردية الواردة في اللوحة الأولى المعنون ب ” يفنى الزمتن و حبكم يتجدد” :”  أذاهب إلى الهناك للبحث دون وعي عن أصلي و فصلي و كتاب تاريخي الشخصي الذي لا يهم أحدا ؟ أم مسافر لأكتشف و أرى بنفسي ما بقي من هؤلاء الذين سبقوني ؟”(صيف الوصل ص:10).
استراتيجية الكتابة في النص الرحلي :

عتبة العنوان :

    تكشف عموم الدراسات الادبية و النقدية المعاصرة أهمية  العنوان، و مسوغ ذلك، كونه عنصرا أساس من العناصر المكونة للنص و ليس عنصرا اعتباطيا، فهو الأثر (4)، الذي يسم النص و يحدد أفق انتظاراته، مثلما يحصر الإطار السوسيوثقافي و التناصي الذي يندرج فيه التلقي” (5) وعلى هذا الاساس، ففهم النص وتأويله رهين بتشريح هذه العتبة التي عدت نص موازيا (6) أو مفتاحا لسبر أغواره، والكشف عن مقصدياته وتشريح مستغلقاته.
   ولعل من يقف عند عنوان هذه الرحلة “صيف الوصل بالأندلس سفر الدهشة” سيكشف أن العنوان علامة دالة، ومعطى إستطيقي، تجاوز البعد الإخباري (الوظيفة الإخبارية التقريرية)، ليشحن بطاقة ايحائية، يستحضر معها بشكل جلي، مسوغات اختياره ومقصدياته النصية وخارج النصية، من خلال اجتراح الكاتب الرحالة لميثاق قرائي، يوجه أفق انتظارات المتلقي، ورهنها بإطار سوسيوثقافي وتناصي مع نصوص غائبة، واستحضار ذخيرة شعرية وثقافية، تلقي بظلالها على محكي الرحلة، من خلال التبئير على فضاء الرحلة (الأندلس) في تعالقه مع تيمة الوصل، باعتبارها التيمة (الموضوعة) البانية لخطاب الرحلة.
    مما يكشف ويبرز ذلك الحضور البين لمدونة معجمية، تظهر أكثر ما تضمر، ذلك الارتباط الوجداني العارم بالأندلس، والذي تترجمه جمالية العبارات المنتقاة بروية و تبصر، والكاشفة في السياق نفسه، عن علاقة الذات الراحلة المهوسة باقتحام هذه العوالم، المفعمة بالجمال، والشاهدة على المجد العربي والإسلامي التليد، والتي لا يسعها أي الذات الراحلة، أمام ما تبصره و تتأمله من مظاهر الجمال و فنون الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلا أن تعبر عن دهشتها واندهاشاتها الحالمة. مما يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، في أن هذا الصنف من العنونات ينحو منحى ” عناوين ذات حساسية جديدة نظرا لإلحاحها على ما هو تخييلي و إيحائي و روائي” (7)
    و تزداد الكثافة الدلالية  الواسمة لعنوان النص الرحلي المدروس، سواء على مستوى التلقي أو على مستوى اجتراح العنوان، من خلال جل العنونات التي انتقاها الرحالة المبدع عزيز الشدادي للوحات هذه الرحلة الإبداعية، من معين شعرية أندلسية خالدة، تستحوذ على سيكولوجية المتلقي، كما استحوذت على المبدع الرحالة نفسه. فلا ينفك من سلطتها الرمزية، وهو يتفاعل و يتجاوب مع مضامينها، لما لها من تحفيز للذاكرة القرائية الجمعية على استحضار تلك النفائس الإبداعية الخالدة، التي يمكن اعتبارها بمثابة تعويض سيكولوجي عن الإحساس بالفقد و الغبن التاريخي، أمام هول ضياع الأندلس(الفردوس المفقود). 
    وانسجاما مع هذا الرهان البنائي المشيد لشعرية العنوان، يستوجب الإشارة إلى هذا المنحى الانزياحي، المخصب للدلالات و المكثف في الوقت نفسه للبعد الايحائي والشاعري لملفوظات عنوان الرحلة وعنوناتها الداخلية، والتي اعتمد فيها الرحالة أيضا على خلفية تناصية، تضع نص الرحلة في علاقة ظاهرة أو مضمرة مع نصوص غائبة، يتم استحضارها عبر مقاطع شعرية، تشكل سندا أو خلفية ثقافية، تمارس سلطتها الرمزية سواء في بناء النص أو في التجاوب الجمالي معه.
     ومن بين تلك العنوانات نذكر، (توشية – يفنى الزمان وحبكم يتجدد – سادتي ما لي ذنب – ابرزوا وجهك الجميل – جسمي نحيل قد رق- جل ترى المعاني – يا منية القلب مهلا- يا من على الملاح تولى – بعدكم زادني اشتياق – يا طلعة البدر الأكمل – لي في الهوى مذهب – أه على ساعة جاد الزمان بها – بعدكم زادني اشتياق – اليوم يوم أغر – ثم نادوا من افتتن – اغنم في الدنيا ساعة – و السر في المنازل – من يهوى مليح الملاح – قلوبنا مودعة عندكم كتمت المحبة سنين )، وهي عنوانات تكتسي دلالات و إيحاءات رمزية، يكاد كل عنوان منها، أن يكون بمثابة ملخص لموضوعة (تيمة) هذه النصوص- اللوحات البانية لمعمارية هذه الرحلة، وكأننا أمام لوحات مشهدية، تتضافر وتتشاكل فيما بينها، لتكشف رؤيا الكاتب عزيز الشدادي، التي تجسد خطاب  هذه الرحلة، التي لبست لبوسا مغايرا للمعلوم والمألوف في مدونة الرحلات العربية الإسلامية إلى الأندلس. انطلاقا من قناعة بنيوية تؤكد أن العنوان أحد الاستراتيجيات البانية لشكل النص و خطابه.
     و من تمة، ينكشف بجلاء قيمة هذه العنوانات، بناء و دلالة، لكونها تستحضر مجموعة من النصوص الغائبة، التي تشكل ذاكرة جمعية وسلطة رمزية، ترخي بظلالها الممتدة تاريخيا على المتلقي، بحيث توجه عملية القراءة أو التجاوب الجمالي مع نص الرحلة، نحو ضفاف المعاني و الدلالات المشيدة لخطاب الرحلة ورهاناتها، التي يروم  السارد الرحالة تجسيدها عبر بنية تلفظية إيحائية و رمزية و استعارية، اقتضتها النزعة التجريبية، التي نحاها الكاتب و هو يعيد إنتاج رحلته بنفس إبداعي تجريبي، مغاير و منزاح عن الصيغة التقليدية لجنس الرحلة، كما اعتادت علية الذائقة القرائية، و ذلك بين من خلال انفتاح عملية أو صنعة الكتابة على أجناس إبداعية أخرى  كالمذكرات و اليوميات و الخاطرة الأدبية .

المحكي الشعري:

     لقد كان لهيمنة الذات على معمارية الرحلة و مقصدياتها، أن استدعت الحضور المكثف لما يمكن تسميته بالمحكي الشعري في النص، من خلال التشديد على التلاقح و التداخل اللامشروط للأجناس الإبداعية، مما ساهم في إضفاء سمة  المحكي الشعري، أي توظيف شعرية سردية جامعة، استنادا على شعرية اللغة واكتناز البناء والاعتناء بالخصائص الأسلوبية، باعتبارها عناصر دالة، وذلك، لم يتسن للمبدع الرحالة إلا من خلال الاشتغال على تخوم الاستعارة والرمز والايحاء، مما جعل الرحلة لوحات شاعرية ، ينذغم فيها الخبر بالتخييل، ويتقاطع فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي، ومحكي الأفكار بالمحكي السيكولوجي..
   كما يتداخل الهنا والهناك في دينامية إبداعية، تبعث الحياة والنضارة وتزيد من انشغالات ذات الرحالة، وهي تحاول الفكاك من سلطة صور نمطية، علها تكشف حجبا وأستارا غطتها غيوم سلطة انساق قديمة، تم تكريسها في كتابات العديد من الرحالة العرب السباقين إلى زيارة الأندلس أمثال: ابن فضلان والورداني والغساني وابن العثمان المكناسي .. بدء من الرحالة وصولا إلى كتابات الرحالين المعاصرين، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: أمين الريحاني (8) محمد لبيب البتنوني (9) وشكيب أرسلان (10) وأحمد الرهوني (11) ومحمد الأممي (12) وأبو بكر سعيد التونسي (13)، وعائشة عبد الرحمان (بنت الشاطئ) (14) ومحمد روحي الخالدي (15)..
     ويحضر المحكي الشعري بكثافة في نص الرحلة من خلال مقاطع سردية، ترفل في لغة شاعرية شفافة، مكتنزة وصفا واستعارة و إيحاء، عن طريق كتابة مشهدية، قسمت نص الرحلة إلى لوحات مشهدية، عمل من خلالها السارد المتماهي مع الرحالة ذاته، على نقل الوقائع و الأحداث، وتصوير الأمكنة، علاوة على رصد المشاعر والأحاسيس المتقلبة والمتبدلة، تبعا لأحوال ذات الرحالة وهي  تستغور– الفضاءات العامة أو الخاصة أو تساءل المنسي أو تحاول أن تنفض الغبار عن أحداث الماضي أو استشراف المستقبل .
    ولعل المتلقي سيلحظ ارتفاع منسوب التكثيف الدلالي لمقصدية النص، وهو يتفاعل مع هذه اللوحات الشعرية الضاجة بالحياة، واليانعة جمالا. عبر مشاهد تتشييد معماريتها، اعتمادا على الأهواء والأحاسيس، دون أن ننسى فعل الذاكرة، الحاضر عبر تداعيات سرد استرجاعي، يوضح ما قد يشوش على ذهن المتلقي. ولا تنحصر فعاليتها في إضفاء أبعاد فنية وجمالية على النص الرحلي، بقدر ما تكشف بجلاء، عن طبيعة الصور النمطية أو التمثلات الذهنية التي تبنيها الذات عن الآخر، أو ما تكرسه نظرة الآخر المتعالية حول الأنا، و ما تحمله من نذوب نرجسية جراء ضياع الأندلس. وتلك مهمة انبرى المبدع لمقاربتها، وهو يخوض غمار هذه التجربة الرحلية.
    وكثيرة هي الشواهد الدالة على ذلك، لكن يكفينا التوقف على ما ورد في هذا المقطع السردي، لنرى جمالية هذا المحكي الشعري، المتشح بنفس رمزي استعاري، يصوغ من التاريخ سبائكه الشعرية، التي يتقاطع فيها الماضي بالحاضر، والحزن بالفرح، والقبح بالجمال، والخير بالشر، تشبه فيه قرطبة بامرأة ثكلى، متشحة بالحزن، جراء ما شاهدته من مذابح و مجازر، فيكون فعل غسل وتنظيف شوارع قرطبة من طرف عمال النظافة أشبه بطقس اغتسال قرطبة من أدران ماض تراجيدي، علها تتخلص من أعطاب هذا  الماض الأليم والحزين، الذي يشهد على همجية الإنسان ووحشيته وهو يقتل وينكل بالأبرياء ويحطم مجد حضارة إنسانية مجيدة. و في ذلك يقول السارد الرحالة “في الطريق الى الفندق، وجدت عمال النظافة يغسلون شوارع قرطبة في الثانية صباحا كأنهم يطهرون تاريخهم و أسوار مدينتهم التي كانت شاهدة على المذابح والمجازر التي عاشتها.
   رحل الراحلون و ترجل الراكبون و بقيت قرطبة تورث أسرارها لمن تشاء و تعرض حسنها الحزين لكل زائر. قرطبة  مدينة تلون الحزن بالجمال مثل امرأة فاتنة تتشح بخمار شفاف حزنا على غياب أبنائها بعد أن تفرقت بهم السبل “. (صيف الوصل، ص: 57)
    وبالرغم من هذه الجراجات والندوب الذاتية الأعطاب التاريخية التي لا تفتأ تتسلل إلى مخيلة الرحالة، والتي تأبى الظهور والبروز في عبر ملفوظية قاموس لغوي، أساسه الشوق والحنين والرغبة في وصل ما اندرس ومسخ وطمست معالم هويته الحضارية.
  ويمكن أن نستشهد بمقاطع أخرى، تكشف عن رغبة الذات الرحالة في استكناه الجمال والحرص على إدارك كنهه وحثه على تملي عجائبه، من خلال تتبع مشاهده التي تكشف عنها ريشة الرحالة وعبقريته في تصوير مشاهداته .
   كما أن استحضار العديد من النصوص الشعرية القديمة وخاصة الشعر الأندلسي على نحو ما نجده في المتون الرحلية، وخاصة تلك التي لقيت هوى في نفس الرحالة، مما يمس شغاف القلب و يهيج الوجدان و يحفز الذاكرة ويشحذ المخيلة والتخييل،  قد أضفى على نص الرحلة أبعادا جمالية،  زاد وهجها و نضارتها، ما حملها اياها المبدع من معان ودلالات قصية، وفق خطة إمتاعية و إقناعية ، تقدر على تكثيف منسوب رمزية الرحلة و تدعم مقصدياتها. وهنا يمكن أن نمثل لذلك بالبيتين الشعيرين لواحد من أكبر شعراء الوصف بالأندلس ابن خفاجة ، حيث يقول فيهما:
    يا أهل أندلس لله  دركم    ماء وظل وأنهار وأشجار
   ما جنة الخلد إلا في دياركم   ولو تخيرت هذا كنت أختار
            (صيف الوصل ص:75)        
    لقد جعل السارد الرحالة من هذين البيتين الشعريين الشهيرين عند عشاق الشعر الأندلسي سندا فنيا و خلفية معرفية ثقافية، لوصف قرطبة وسكانها المتميزين مقارنة مع غيرهم من سكان الأندلس. والأمر نفسه، نلحظه أيضا حينما عمل على وصف وتصوير مالقة، استحضر بيتين شعريين شهيرين للشاعر المالقي أبو الحجاج يوسف ابن الشيخ البلوي، وقد ورد ذكرهما  في كتاب ” نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب”، حيث يقول الشاعر:
  مالقة،  حييت  يا تينها    الفلك من أجلك ياتينها
 نهى طبيبي عنه في علتي    ما لطبيبي عن حياتي نهى
                   (صيف الوصل، ص 47) 
     وكثيرة هي النماذج الشعرية التي استشهد بها الرحالة في كتابة رحلته،  مما يبرز بشكل جلي ان الرحالة شبيه في هذا الخيار الفني شبيع بمن سبقوه من الرحالين الذين وظفوا الاشعار القديمة، فهو لا يصف “إلا من خلال مرجعية أدبية محددة شملت مظهرين: مظهر شعري و آخر حكائي” (16)
     ولا يكتفي المبدع باستحضار هذه النصوص الغائبة المالكة لزمام سلطة الوجود و الانوجاد في الذاكرة كلما تعلق الأمر بالأندلس، بل يمضي في غمرة التجاوب مع سلطة الأمكنة التي تأسر كل زائر، فيبدع مقاطع شعرية، تفاعل فيها مع أشخاص تعرف عليهم على نحو ما نجده في تعليقه حول الإيطالية سيمونا ذات الابتسامة الراقية، وهي تبيع البيتزا في محل خطيبها ، و في ذلك يقول:
هناك وجوه أليفة
تستضيفك كلاجئ..
و تحضنك كعاشق .
ترتاح عندها كالظل ..
ترتوي منها كالغدير ..
لتسمعك آلاف الحكايات .”
( صيف الوصل ص: 67 )
   أو على نحو ما نجده في اللوحة المشهدية ” يا قرة العين مالك”، في ما يشبه ومضة شعرية – سبقت المقطع السالف- توهجت فيها أفكار الرحالة، الذي لبس قبعة الشاعر المفتون بسر الحكمة، والمسكون بأعطاب الذات الفردية وأسئلة الكينونة الجماعية، فالسارد الرحالة هنا، و في مواضيع شتى، متماه مع الكاتب عزيز الشدادي، من خلال حضور ملفت لمحكي سيكولوجي، تمثله مختلف الانطباعات والأحاسيس التي تهجس بها ذات الرحالة، وهي تتفاعل مع الوقائع المرئية، إضافة إلى محكي الأفكار، الحاضر بسلطته الرمزية في الكثير ما تبصره العين الناظرة للآخر المنظور إليه، عبر مصفاة الذات (الأنا)، التي تجد صعوبة في الافتكاك من سلطة المقارنة، باعتبارها “رحلة ( نقدية) بين فضاءات ثقافية متباينة ” (17)، بالرغم من إصرار الكاتب على الانفلات من سلطتها التي تؤطر العلاقة بين الأنا و الأخر والهنا والهناك. ويمكن أن نستشهد في هذا السياق، بما عبر عنه الرحالة في هذه الومضة الشعرية الحابلة كما قلنا، بمشاعره وأحاسيسه وهو يمعن في قراءة وجوه العابرين او من تواصل معها في وقائعه اليومية في المدن التي زارها .
      “هناك وجوه ملائكية
    تشعر أمامها بالضعف
    تذكرك بإنسانيتك المنسية..
   تخرج ذلك الشيء الجميل من داخلك
    لتجعلك عاشقا بدون موعد ”
( صيف الوصل بالأندلس.. ص 64)
    والأمر نفسه، يمكن ملاحظته، حينما وصف أناقة الأندلسيين وحسن جمالهم الموريسكي، وإعجابه بافتتانهم بحب الحياة، حيث يقول في اللوحة الرابعة المعنونة ب” جسمي نحيل قد رق” و هي لوحة مشهدية، تشف بشكل صريح، ردة فعل الرحالة النفسية تجاه مشاهداته، التي يتقاطع فيه الذاتي و الموضوعي. 
    ” هناك وجوه شهية
   جميلة كيوسف..
  فوضى رائعة من الحواس.
  تخاف عليها من التلف..
  تقترح عليك الاحتضان.”
( صيف الوصل ص: 19 )
    و هكذا نخلص إلى أن لهذا المحكي الشعري أدورا جليلة ، سواء على مستوى البناء او الخطاب، فهو إلى جانب تقديم المرئي، أي المشاهدات والوقائع التي يعرضها الرحالة، فإنه  قد ضمن بهذا ” القناع الاسترجاعي (18) أو “الاسترجاعات  الذاكرية” (19) إمكانية التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وتصوراته و تمثلاته. مما يبرز بأن بالشعر يمكن “بلورة مستويين مستوى الصورة المرئية ومستوى إحساس الرحالة” (20)،علاوة على أهمية تلك الاشعار في بلورة خطاب الرحلة وتخصيب دلالاته الرمزية، وتكثيف منسوبه الاستعاري الذي يتوكأ في بنينته على صور أدبية مركبة، جعلت من لوحاته النصية صورا شعرية مركبة مشهدية، لم يمنعها المنزع التجريبي من أن تمتح من مكونات البلاغة القديمة في رسم صور ناطقة بشدة إعجاب الرحالة ودهشته بسحر الأندلس، وجمال فضاءاته، ورقي أهله، عله أي الرحالة يكون قادرا على الإحساس “بالامتلاء الأنطولوجي المفتقد في زحمة سطوة الغرب” (21)، نكاية في كل المشاعر السلبية التي تجثم على نفسية الرحالة، ورغبة منه، في الآن نفسه في اكتشاف مواطن الجمال والتوغل في أسراها والإبحار في عوالمها الظاهرة و المضمرة، التي تشكل على حد قوله مشروع الرحلة ورهانها، بعيدا أدبيات الرحالة العرب المسلمين الغارقة في أسطورة تمجيد الأنا وتحقير الآخر. وذلك من خلال  تمزيق الصورة  أو التمثلات التي تشكلها الأنا عن الغير أثناء صدمة اللقاء مع الأخر، بفعل ما ترسب في الذاكرة الجمعية من الثقافة والإيديولوجيا المبطنة في لاوعي الرحالين. (22)

سيميائية الوصف :

   ونظرا لما يحتله الوصف، باعتباره تقنية فنية في الأجناس السردية عموما، فإنه يعد أيضا  دعامة أساسية في كتابة الرحلة، والحرص على إخراجها في قالب أسلوبي جمالي، على نحو ما تزخر به الرحلة المدروسة، حيث عمل الرحالة على وصف ما وقعت عليه عينه الفاحصة، المتأملة للعوالم الفضائية الجغرافية، علاوة على رصد الأحاسيس والمشاعر و الانفعالات، التي عاشتها الذات الساردة، بدء من قرار انطلاق الرحلة، وصولا إلى مقهى ميناء الجزيرة. فقد ورد  في مقطع وصفي، حابل  بأسئلة الوجود والكينونة والهوية (الأنا) والغيرية (الآخر)، والهنا والهناك، والماضي والحاضر، وأسئلة المستقبل.
    وفي ذلك يقول السارد المتماهي مع ذات الرحالة المنفعلة و المهووسة في البحث عن أندلس، لم يبق منها غير ما يدل على اغتراب من اجتازوا البحر من الجنوب، بحثا عن السراب والوهم والضياع في  مقهى ميناء، يشهد على لعنة المسخ التي ألقت بظلالها على مدن الأندلس، الشاهدة على المجد  الضائع لحضارة الأندلس التليدة. ” بدورهم، هؤلاء القابعون في مقهى الميناء، أخالهم يمارسون لعبة الحنين، و أتكهن بأي بوح هم منشغلون: بالهناك؟ برائحة البلد؟ بالعودة؟ ينسجون الوقت ويسلون أنفسهم بغزل خيوط من أشواق حول الأهل و العشيرة أربطهم من جديد بالهناك حيث مسقط الرأس و مهوى الروح. يطرزون الأماني ويرتبون الذكريات و يصففون الأحداث، يعيدون صياغة فهم جديد لحياتهم عن بعد و بتمعن آخذين في ذلك كل وقتهم، فلا أندلس تمنحك الهدوء لتستمع لصوتك الداخلي.” (صيف الوصل بالأندلس، ص: 111).
    و منه، نخلص، إلى أن الوصف في هذه الرحلة ، هو الفضاء الملفوظ و نتاج رؤية الواصف ( المشاهد)، بعيدا عن حشد أوصاف أو مسكوكات نمطية، أو تمثلات ذهنية، درج الرحالون على توظيفها وإعادة إنتاجها( La reproduction)، بمفهوم بيير بورديو، و هو نفسه عنوان كتابه الشهير، لذلك أمكن الجزم بأن الوصف في هذا المتن الرحلي، و في غيره من المتون الرحلية القديمة أو المعاصرة ” رؤية و منظور و نظرة و موقف (23) ، و نروم بذلك إلى القول بأن الرحالة عزيز الشدادي، قد حرص على أن يضمن أوصاف مشاهداته، وأن يمزجها بمحكي الأهواء والأفكار، من خلال التركيز على وصف ردود أفعاله، وانفعالاته و تصوراته و تمثلاته و خلاصة استنتاجاته و مقارناته للهنا بالهناك، وللأنا بالأخر، و للماضي بالحاضر. ومن بين المقاطع السردية الدالة على ما تم استنتاجه من  علالة قراءة نص الرحلة، نذكر قول الرحالة: ” هنا، يوجد الناس وليس الآخر. الآخر لا يصبح آخر إلا عنما تدخل في تعامل معه. هنا، تجاوز الناس مشكاة الآخر. هنا يعيشون فقط.
    هنا، تسود ميزة الوضوح. كل شيء واضح مثل هذه الشمس الأندلسية. لا مجال للغموض. قبلة على الرصيف بين زوجين، عاشقين، لا أعرف، لا يهم، لا يهمني أن اعرف. التعبير عن احساس نبيل يأخذ شكل عناق هادئ ليست جريمة، بل شعور طبيعي لإنسان يحيا في وسط جميل يزيد المشهد جمالا.” ( صيف الوصل بالأندلس، ص: 20).
     كما لا يفوتنا الإشارة إلى أن هذه الصيغ الوصفية  في خطاب الرحلة قد امتزجت بالسرد، فغذى الرحالة (الذات الواصفة) لصيقا بموضوع موصوفاته، بحيث صار ” يسرد ليصف (يسرد واصفا)، و يصف ليسرد (يصف ساردا)”، (24) وهو ما مكنه من إنتاج صور غيرية مغايرة، انزاحت في عمومها عن المألوف والسائد في أدبيات الكتابة الرحلية إلى الأندلس، و ذلك بناء على قناعات ذاتية وموضوعية، ارتهنت بخيار استراتيجي، يؤمن بضرورة تمزيق الصور التي راكمها الرحالون العرب إلى الأندلس، والتي صار بفعل إكراهات التاريخ ومكر الجغرافية صورا نمطية أو كليشيهات أو ميثات مؤبدة في سجل الذاكرة الجمعية للعرب والمسلمين تجاه الآخر. و يمكن أن نستحضر في هذا المقام مقطعا سرديا، يبين بجلاء براعة الرحالة في انتاج هذه الصور الغيرية، اعتمادا على  تقنية الوصف، مادام هذا الأخير صورة كما يشيرإلى ذلك جان إيف تاديي في كتابه الشهير المحكي الشعري (25).
    يقول السارد الرحالة: “هن، في الأندلس، عند الآخر، تلعب الحواس دورا آخر، وظيفة أخرى لتعيد اتصالك بالحياة، تستيقظ على صباح رائع و مختلف بعد أن نامت نوما عميقا بفعل التعود و التكرار. فرق شاسع بين من يعيش الحياة ليستمع بها و بين من يعيشها ليثأر منها” ( صيف الوصل، ص: 24)
    وتأسيسا على ما سبق، نخلص إلى أن الوصف قد تجاوز وظيفته التقريرية الإخبارية إلى وظيفة إيحائية تصويرية للفضاءات الأندلسية، حرص من خلالها الرحالة على رسم تأثيراتها الوجدانية والفكرية، فضلا عن مساهمتها الفعالة في بناء صور غيرية مفارقة، اعتمادا على عملتي الإدراك والتأمل، الناجمتين عن وقع تفاعل الذات الراحلة و تجاوبها مع الأندلس الماضي و الحاضر و المستقبل، بشكل يشف عن عمق تجذر الذات الناظرة، و توزعها بين الهنا و الهناك. 

استحضار التاريخ:

      على شاكلة أغلب الرحالة الذين زاروا الأندلس، يحضر التاريخ في محكي هذه الرحلة، بالقوة والفعل، مما يجعل منه أي التاريخ سندا أو خلفية معرفية، تفرض سلطتها الرمزية على الرحالة، وإن كان حضوره أو استحضاره من لدن الرحالة في هذا المحكي السردي مخالفا ومغايرا للخبر التاريخي، بطابعه الإخباري التسجيلي والتوثيقي، مادام التخييل يلقي بظلاله على نص الرحلة، باعتبارها جنسا أدبيا، يمتح أيضا من التخييل الذاتي وتنفعل بالأهواء وما يجيش في الذات ويعتمل فيها. بيد أن المادة التاريخية لا تحضر في الكتابات الرحلية باعتبارها مادة إخبار صرفة، أو  فقط، بل تعد الرحلة محطة تتقاطع فيها مشاهدات الرحالة و انطباعاته و أهواؤه و مقصدياته، علاوة على ما تفرضه طقوس الكتابة الرحلية أو الميثاق الأجناسي لجنس أو أدب الرحلة، وكذلك انفتاح النص الرحلي على العديد من الأجناس الأدبية والحقول المعرفية، ولعل ذلك جعل النص الرحلي بؤرة “لتشابك الواقعي بالمتخيل والمحتمل في أمشاج نص خلاسي منذور للتعدد والهجنة” (26).     
    ولقد عمل الرحالون القدامى وغيرهم من المحدثين إلى الأندلس على استحضار التاريخي إلى جانب الرحلي، واستغرقوا في توظيفه بشكل عام، تنفيسا عن ضياع الأندلس وتعويضا سيكولوجيا عن الفردوس المفقود، غير أن ما نلحظ في الرحلة المدروسة هو عدم استغراق  الرحالة في استحضار الوقائع والأحداث، فلم يذكر منها، إلا ما استدعاه المقام، أو أومأت إلى استدعائه مسارات الرحلة، والتفاعل الوجداني و الفكري مع تلك العوالم الحضارية التليدة، على نحو ما نجد من استرجاعه لحادث إحراق السفن من طرف طارق بن زياد، أو الإشارة إلى شخصيات تاريخية طبعت تاريخ الأندلس بالفرادة والتمييز، كعبد الرحمان الناصر والمعتمد بن عباد وابن زيدون وولادة بن المستكفي… وغيرها من شخصيات الأندلس المعاصرة، كالمناضل أحمد بلاس إنفانتي (1936) أب القومية الأندلسية.
     وكذلك، من خلال الحفر التاريخي في تواريخ حواضر الأندلس، كقرطبة و الزهراء و مالقة … وهي في عمومها  مادة تاريخية، مقتضبة، ومنتقاة بعناية، استدعتها ردة أفعال وانطباعات تجاه هذه الشواهد التاريخية الحضارية (شخصيات وفضاءات عمرانية)، فلا يذكر منها، إلا ما من شأنه أن يعمل على تحفيز الذاكرة الجماعية على التفاعل الإيجابي مع تاريخ مجيد وعظيم، ارتبط حضوره واستحضاره بالمأساة والأنين والشكوى والرثاء والحنين والشوق. ووكده في ذلك الانخراط في خطاب رحلي عربي معاصر يروم “الوقوف على السلبيات، والمراهنة على الإيجابي والممكن، وتعرية العوائق الحائلة دون تحقيق الذات لمطمحها الانبعاثي، وتخطي اللامرغوب فيه” (27).
     ويمكن أن نستدل على صحة هذا النزوع الذاتي إلى تجاوز الكائن والتطلع إلى الممكن، بقول الرحالة” هنا، كانت الأندلس فردوسا، و وجدتها فردوسا وستظل فردوسا يحلم به الحالمون أولئك الذين يرون في هذا ((الهنا)) عنوان فردوس متجدد./ هنا، أزهرت الياسمينة منذ قرون، وعندما أرى أنها مازالت تعطر المكان، يلهبني ذلك السؤال المرضي: لماذا لا يزهر الياسمين في حدائقنا؟” ( صيف الوصل، ص: 43)
     وهو السؤال الجوهري نفسه، الذي ختم به الرحالة  نص الرحلة، مستبدلا الياسمين بالورد، لحظة انتظار وقت السفر نحو موطن الهناك في علاقته بالهنا، حيث يقول:” بدورهم، هؤلاء القابعون في الكراسي، تخلوا عن الدهشة و عوضوها بالحنين الذي تحول إلى وجع، أما وجعي فهو ذلك السؤال المرضي الذي يراودني أمام كأس الشاي في انتظار سفر يحرك دهشة أخرى: لماذا لم يعد الورد يزهر في حدائقنا؟” (صيف الوصل، ص:112)
      ونقف عند هذا المقطع السردي لنكتشف كيف أن السارد الرحالة قد جعل من استحضار التاريخ محطة للتأمل و التدبر، و التعبير عن مكنونات الذات الممزقة بين أسئلة الهنا والهناك، والماضي و الحاضر، يقول الرحالة: ” قرطبة مدينة حزينة، تحن فيها إلى شيء لا تستطيع أن تسميه أو تعطيه تهريفا. دخلت المدينة القديمة التاريخية، فتذكرت مدن الشمال في “الهناك”، فأصاتني الدوار: أين الأصل؟ وأين الشبه؟ وجدت نفسي كأني أمام مرآة تشبه تلك التي كسرت بداية السفر، فوصلت إلى قناعة: عندما تطأ قدميك الأندلس تفهم أن البحر الأبيض المتوسط بمثابة معرض فاخر من المرايا. كل مدينة تنعكس في الجهة المقابلة (…) كل المدن واحدة، صممها مهندس واحد كان تحديه الكبير أن يصنع مدنا تبتسم وسط الانعكاسات.” ( صيف الوصل، ص: 55).

الرهان السردي في الرحلة:

     انطلاقا من القولة التي خلص إليها السارد الرحالة، تتويجا لخاتمة رحلته في الأندلس “إن الأندلس لا تستحق الحكي، بل المشاهدة “(صيف الوصل، ص 111)، ينكشف بجلاء أن الرهان السردي الذي قامت عليه هذه الرحلة، يتجسد في رغبته الملحة في مشاهدة الأندلس عن قرب، والسفر إلى عوالم الدهشة كما يحلو له. و كله أمل أن يبصر هذه الرقعة الجغرافية، التي تتوزع بين ثنائيات الهنا والهناك، يقول السارد:” أسافر وأنا كلي طموح في أن أرى الفرق بين صورة الأندلس، كما قبضت كتب التاريخ عليها وبين حقيقة ما خلفه الزمن في الواقع، كأني أكتب بسفري هذا تاريخا جديدا على طريقتي، فما كان عبثا أن يبدأ المسلمون تأريخ حياتهم بأول سفر للرسول عليه الصلاة والسلام” (صيف الوصل،ص:11 )
     وهكذا باقتحام عوالم الدهشة يحاول السارد أن يرسم صورة مغايرة للأندلس صورة تنزاح عن  المألوف و السائد في المتون الرحلية العربية والإسلامية، ولا أخاله، إلا راغبا في اكتشاف ما لم يتم الكشف عنه، أو ما حجبته عين البداهة التي تفقئ العينين كما يقول رولان بارت، يقول السارد الباحث عن كل ما يبعث فيه الدهشة والحيرة والسؤال:” في الهناك، أريد أن أغرب بوجهي لكي أرى غروب شمس أخرى بشكل رائع في أرض تشرق منها الحضارة. لا أريد كتابة تاريخ الأندلس، فالتاريخ له أناسه الذين يدونون أخباره، لكني آخذ من آثار الماضي ما يعينني على جعل دهشتي دائمة، مبررة ومعدية” ( صيف الوصل ص: 14 ).
    ولعل ذلك، ما يسوغ افتتانه بالجمال وتتبع مواطنه، عله يرسم ملامح صورة عن الانا و الهناك، على خلاف ما اعتاد عليه الآخرون في رسم صورة نمطية مسكوكة تحط من الاخر وتزدريه وتستدعي عدواته، وحربه باعتباره العدو الأزرق، الذي تقتضي الملة و الواقع عداوته ومحارته، وذلك لن يتأتى له إلا بالاستمتاع بالجمال، بعيدا عن وجع المقارنة و تتبع مثالب الأنا و الآخر.
    ومحصلة ذلك، بالنسبة للرحالة هي أن السفر أو الارتحال من الهنا إلى الهناك، ينبغي أن يتحول إلى سفر ماتع مع الذات يقول السارد ” أريد السفر مع نفسي أساسا لأدهشها لأني أعرف ما أريد من سفري في التاريخ قبل الجغرافيا، أن أغازل شوق التيه في الأزقة البيضاء، أحب أن أكون أنانيا في اقتناص لحظات الاكتشاف، فالدهشة طبق فردي لا يحتمل القسمة”  (صيف الوصل، ص : 31 ). 
     لذلك، لا يستغرب المتلقي هذا الإصرار على خوض غمار اكتشاف الجمال، بعيدا عن الانشغالات التقليدية للرحالة القدماء و غيرهم من المعاصرين الذين كان همهم التعبير عن الحنين و الشكوى و هم يزرون الأندلس، بل إن فداحة الفقد و الضياع و الإحساس بالمهانة و الضعة جراء التفريط في هذا الفردوس، جعلهم يحشدون الكثير من الصفات القدحية و هم يختطون صورا نمطية تجاه النصارى الذين بدلوا معالم الأندلس المسلمة بمعالم مسيحية.
     إن الهاجس الجمالي المصحوب بلذة الدهشة والاكتشاف، جعلت الرجالة لا يلقي بالا، لما كان مألوفا و سائدا في الكتابات الرحلية العربية إلى الأندلس. و يزكي هذا الطرح خلو هذه الرحلة من تلك المدونة المعجمية التي تستند في بلورة خطابها على استراتيجية انتقاد الغير، و التي اعتاد المتلقي العربي وجودها في متون الرحلات العربية، علاوة على ابتعاد السارد عن فعل المقارنة ،باعتبارها هوسا محموما كما يشير إلى ذلك، و إن كنا نجزم  بأن الرحلة ” فن المقارنة ” بامتياز، (28) إلا ما نذر، أو ما ارتبط بتتبع مواطن الجمال بين “الهنا” و”الهناك”، على نحو ما نجده في خاتمة الرحلة ” لماذا لم يعد الورد يزهر في حدائقنا؟ ” 
    وكأن لسان السارد حاله يلهج بصوت صارخ: ” لكم أندلسكم و لي أندلسي”. و لعل ذلك ما يسوغ  كثافة الأسلوب الإنشائي الاستفهامي، الذي تكشف  أسئلته الحارقة عمق انشغالات المبدع، وهو يحيى تجربة السفر بعيدا عن الهنا، وبين أحضان الهناك، مما زاد من منسوب الدهشة التي تسكن الرحالة، والتي لا يقبل قسمتها مع الغير، مادامت أي الدهشة – بالنسبة إليه- طقسا وجدانيا و سفرا و ارتحالا مع النفس وفي أعماقها، لا يعرف كنهه إلا من اكتوى بلوعة السفر والترحال. وقدر على اقتحام المجهول و سافر في التاريخ قبل الجغرافيا،  ولا مغالة في ذلك، فهو المقر بأنها” أريد السفر مع نفسي أساسا لأدهشها لأني أعرف ما أريد من سفري في التاريخ قبل الجغرافيا، أوهما معا: أن أغازل شوق التيه في الأزقة البيضاء. أحب أن أكون أنانيا في اقتناص لحظات الاكتشاف، فالدهشة طبق فردي لا يحتمل القسمة”.(صيف الوصل ص: 31)
    و هكذا يطمح الرحالة ليجعل من الدهشة بابا من أبواب الحكمة، ومطية لفهم وإدراك ما تعجز الذات الراحلة  المسكونة بحرقة الأسئلة على استيعابه، عله بذلك يقبض على جمرة الصورة الممكنة لأندلس يحلم بها، غير الأندلس التي تعج بها كتب التاريخ و مدونات الرحالين. يقول في لوحة مشهدية  يدغدغ عنوانها ” يا منية القلب مهلا ” مشاعر المتلقي، و يحفزه على التفاعل مع معانيها و دلالاتها الظاهرة والمضمرة. يقول الرحالة لحظة دخوله مدينة إشبيلية، حينما استوقفه رجل الشرطة للتعرف على هويته: “كنت أريد أن أستفسره: هل كانت هيئتي تثير الريبة أم أن دهشاي الواضحة فضحتني لدرجة التحقق في من الهوية؟ عدلت عن السؤال، ما همني الجواب وما ضرني من يجهلني، فأنا شاهد قادم من زمن مضى، من ” الهناك “. لوهلة لم أعرف على ما أريد أن أكون شاهدا: على الأندلس التي أحببناها في كتب التاريخ؟ أم على الأندلس التي بقيت من زمن فات؟ أم على أندلس منقحة بنكهة إسبانية؟” ( صيف الوصل، ص 32 ).

    على سبيل الختم :

      هكذا يتبين لنا من خلال هذه المقاربة، تعدد المقومات و الخصائص الفنية و الأسلوبية، التي سخرها المبدع  للتعبير عن رهاناته الخطابية، وهو يختط مشروع رحلته الأندلسية، بشكل ينأى بها عن السائد والمألوف في الكتابات الرحلية، التي اتخذت فضاء الاندلس موضوعا لرحلاتها، سواء على مستوى الرهانات السردية، أو على مستوى إعادة النظر في كتابة الرحلة. و ذلك انطلاقا مما، قد يتيحه الانفتاح والتداخل اللامشروط على مختلف الأجناس الإبداعية المكتوبة أو المرئية من إمكانات شتى، يمكن أن تسهم في بعث نسغ التجدد والنضارة والحداثة في معمارية النص الرحلي وانشغالاتها، بعيدا عن النمطية والاجترار.
     ولعل ذلك من شأنه أن يضمن لهذا الجنس الأدبي المخاتل أفاق قرائية جديدة، خاصة إذا علمنا التطور الكبير الذي عرفته الكتابة الرحلية، نتيجة معطيات شتى. علاوة على تطور الدرس الأدبي و النقدي الذي ساهم في ظهور مقاربات جديدة، أعلت من قيمة هذا الجنس و خاصة الصورولوجيا والنقد الثقافي و الدراسات ما بعد الكولونيالية.
     وفي نهاية هذه الدراسة النقدية، تجب الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بالرحلات الأندلسية الحديثة والمعاصرة، دراسة و تحليلا و نقدا، وذلك لمعرفة الإبدالات والتغيرات التي قد تكون هذه الرحلات، سواء على مستوى الصياغة الفنية و الأسلوبية و المقصديات الخطابية التي بات تراهن عليها. علاوة على إدراك التحولات التي عرفها  بناء الصور و التمثلات الذهنية ، وبصيغة أخرى، محاولة الوقوف عند الثابت و المتحول في فهم الذات و الوعي بخصوصية الأنا في علاقتها مع أسئلة الغيرية، داخل الفضاء نفسه (الأندلس)، و هو الفضاء الذي ظل يحافظ على راهنيته بالنسبة للذوات الراحلة، والمقيدة بسلطة الانتماء الحضاري للهناك.

الهوامش:

(1) عزيز الشدادي: “صيف الوصل بالأندلس ، سفر الدهشة “، سليكي اخوين- طنجة ، ط 1 ـ 2018 .
   (*) عزيز الشدادي: أستاذ اللغة بالفرنسية، كاتب مغربي، أصدر ثلاث روايات بالفرنسية ورواية بالعربية. 
(2) سعيد جبار: خطاب الرحلة، الذاكرة وآليات إنتاج الدلالة “، رؤية للنشر والتوزيع، ط 1، 2017، ص: 8.
(3)  فولفغانغ ايزر: الخيالي والتخييلي، ترجمة حميد لحميداني و الجيلالي الكدية
(4) عبد النبي ذاكر: المغرب و اسبانيا ن نظرات متقاطعة، منشورات الزمن، سلسلة شرفات ع 44 ، 2014، ص: 15
(5) ن، م، س، ص: 16
(6) Gérard Genette: Seuils ; Ed. Seuil ; Paris 1987 , P16
(7) عبد النبي ذاكر: إسبانيا والمغرب، نظرات متقاطعة، منشورات الزمن، سلسلة شرفات العدد 44، 2014، ص: 29 
(8) أمين الريحاني: نور الأندلس، ضمن الريحانيات ج3 ط 1، بيروت 1923.
(9) محمد لبيب البتنوني: رحلة إلى الأندلس، مطبعة الكشكول، القاهرة 1929.
(10) أرسلان شكيب: الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية، (في جزءين)،ط 1 ، المطبعة الرحمانية مصر 1936.
(11) أبو العباس أحمد بن محمد الرهوني التطواني : الحلة السندسية في الرحلة الأندلسية، دراسة و تحقيق الدكتور رشيد العفاقي، أفريقيا الشرق 2017.
(12) محمد الأممي: جولة في مدن الأندلس، المطبعة المهدية، تطوان، 1956 .
(13) ابو بكر سعيد التونسي: دليل الأندلس أو الأندلس كأنك تراها ( في رحلة إلى إشبيلية و قرطبة” علم 1929 ، تونس 1933.
(14) عائشة عبد الرحمان: رحلاتها إلى إسبانيا و أوروبا”  يشير  الدكتور عبد النبي ذاكر في كتابه: الرحالة العرب ودهشة اكتشاف الغرب” منشورات الزمن ، سلسلة شرفات 51، فبراير 2015. إلى أن هذه الرحلات قد نشرت في جريدة الأهرام .كما ورد في ثبت المصادر و المراجع ص 191.
(15) محمد روحي الخالدي: رحلة غلى الأندلس، مخطوطة. ينظر المرجع السابق، ثبت المصادر والمراجع ص 191 .
(16) عبد الرحيم مودن: الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر: مستويات السرد ، ارشاد الافاق دار السويدي للنشر و التوزيع / الاهلية للنشر و التوزيع، ط 1، 2006 ص: 291 
(17) عبد النبي ذاكر: الصورة.. الأنا، الآخر، منشورات الزمن، سلسلة شرفات ،ع 43، ط 1، 2014، ص: 126
(18) عبد النبي ذاكر: إسبانيا والمغرب، نظرات متقاطعة، منشورات الزمن، سلسلة شرفات ع 44، ط 1، 2014، ص: 93 .
(19) ن. م. س، ص: 92
(20) عبد الرحمان مودن: ن . م. س، ص: 291 .
(21) عبد النبي ذاكر: إسبانيا و المغرب ص: 91
(22) بوشعيب الساوري: صورة الأخر في رحلات عربية من الفرن العاشر الميلادي إلى القرن الواحد و العشرين، النايا للدراسات والنشر، ط 1 ، 2014 ، ص: 103 .
(23) عبد النبي ذاكر: الصورة.. الأنا و الآخر ، منشورات الزمن سلسلة  ، ط: 1 ، 2014، ص: 127
(24) ن. م. س، ص: 128
 نقلا عن عبد النبي ذاكر: ن. م. س، ص: 132 
   (25)adié ,Y : Le Récit Poétique ;P. U.F ;Paris, 1978,p 53
   (26) عبد النبي ذاكر:” أرخنة الرحلة و رحلنة التاريخ” ، الرحلة والتاريخ، كتاب جماعي ج 1، تنسيق البشير أبرزاق   و لمهدي الغالي و أحمد الشايخي ط 1، 2020 ص: 27
(27) عبد النبي ذاكر: الرحالة العرب ودهشة اكتشاف الغرب، منشورات الزمن، سلسلة شرفات 51، فبراير 2015، ص: 190 .
(28) عبد النبي ذاكر: الصورة.. الأنا و الآخر، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، ع  43، ط: 1 ، 43، 2014، ص: 127
المراجع:
المتن المدروس:
-عزيز الشدادي: صيف الوصل بالأندلس، سفر الدهشة، سليكي اخوين- طنجة، ط 1 ـ 2018 .
 المراجع بالعربية:
– بوشعيب الساوري: صورة الأخر في رحلات عربية من الفرن العاشر الميلادي إلى القرن الواحد و العشرين، النايا للدراسات والنشر، ط 1، 2014.
 – سعيد جبار: خطاب الرحلة، الذاكرة وآليات إنتاج الدلالة “، رؤية للنشر و التوزيع، ط 1، 2017
– عبد الرحيم مودن: الرحلة المغربية في القرن التاسع عشر: مستويات السرد ، ارشاد الافاق دار السويدي للنشر و التوزيع / الاهلية للنشر والتوزيع، ط 1، 2006 . 
– عبد النبي ذاكر: الصورة..الأنا والآخر، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، ع 43، ط: 1  2014 .
                  – إسبانيا والمغرب، نظرات متقاطعة، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، ع 44، ط 1، 2014
                 – الرحالة العرب ودهشة اكتشاف الغرب، منشورات الزمن، سلسلة شرفات 51، فبراير 2015.
– فولفغانغ إيزر: فعل القراءة،، نظرية جمالية التجاوب في الأدب، ترجمة( عن الإنجليزية ) حميد لحميداني و الجيلالي الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس 1995.
المجلات:
  • الرحلة و التاريخ، كتاب جماعي ج 1، تنسيق البشير أبرزاق والمهدي الغالي و أحمد الشايخي ط 1، 2020 .
المراجع بالفرنسية:
Gérard Genette: Seuils ; Ed. Seuil ; Paris 1987 , P16                                                        –
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(°) ناقد، فاعل تربوي وجمعوي
error: