تملك الرئيس الفرنسي استعارة الكتاب، للحديث عن الصفحة الجديدة في العلاقة بين المغرب وفرنسا: كتاب تاريخ طويل، أقوى لحظاته عاشها البلدان في السبعين سنة الأخيرة، لكن خطاب الرئيس أمام البرلمان المغربي كان عن صفحة جديدة قوامها ..جيل بكامله. جيل يرافقه البلدان إلى المستقبل.
حضر التاريخ في كناية الخطاب ورسائله، حضرت الفلسفة والأدب والرياضة واللغة.. من أجل إقامة مريحة في السياسة، في الشراكة الاستثنائية، بقواعدها الأساسية التي صنعت وتصنع في كل لحظة.
كان الخطاب تعبيرا سياسيا عن صوت العقل لكن طموحه الرمزي كان هو نشر عدوى الأمل. وفي تأسيس لذلك، حضرت اللغة بكل أطيافها: الأدبية، العاطفية، الاقتصادية، الأمنية، الجيوستراتيجية.
تمتعنا بخطاب رفيع ذي قيمة أسلوبية ثرية وقوة منبرية عالية وفي قلبه »الكتاب الناظم« لما تحمله رسائل رئيس الدولة وممثلها .
باستحضار التاريخ تصبح مواده ضرورية في ترتيب المرحلة الجديدة: نحن نستحضر المشترك لكي نذهب إلى المستقبل على أساسين اثنين:
-القواعد المؤسسة التي تجمعنا منذ سبعين عاما.
ـ والثوابت التي ستهيكل علاقاتنا لثلاثين سنة قادمة.
وفي الإحالة على اتفاقية لا سيل سان كلو( اتفاقات لاسيل سان كلو، التي وضعت حدا لمنفى المغفور له محمد الخامس، وبدء المسلسل الانتقالي نحو الاستقلال وقد التقى أب الأمة رئيس مجلس الوزراء الفرنسي أنطوان بيني في السادس من نونبر 1955، وعرض أنطوان بيني خلال هذا اللقاء على السلطان محمد الخامس، المبادئ العامة لسياسة الحكومة الفرنسية ) في الواقع تحيل على عقيدة مفاوضات الاستقلال، وهي »استقلال المغرب في إطار الترابط المتبادل«، ‘indépendances dans l’interdépendance.. وفيها اتفقت فرنسا والمغرب على وجوب أن يبنيا معا وبدون تدخل الغير مستقبلهما التضامني، وتأكيد سيادتهما، بالضمان المتبادل لحقوقهما وحقوق مواطنيهما، وفي إطار احترام الوضع الذي أنتجته المعاهدات مع القوى الأجنبية .وهي اتفاقية بلغت حد وضع شروط تأسيس أول حكومة في المغرب!
لكن التحول الأساسي، وهو أن الذي يتم حاليا بشكل جذري أي تحول في تعويض فلسفة الاستقلال المتبادل،. بالندية في بناء علاقات جديدة، تتجاوز بقايا اتفاقية سان كلو.. وقد ذكر ماكرون أنه تحدث في الموضوع مع الملك محمد السادس، واتفقا على هذا التحول ..
انتهى المغرب الذي في ذاكرة فرنسا الاستعمارية. مغرب محمد الخامس المستقل مغرب سان كلو، وبدأ مغرب التعامل بالندية، مغرب محمد السادس!
هذا البناء المشترك.،يدا بيد، مع »فرنسا الصديقة«، لم يخل من لحظات تواضع من جانب إيمانويل ماكرون: لما تحدث بعبارة واضحة عن »»نرى في المغرب مصدر إلهام ونموذجاً رائداً في كيفية بناء علاقات تعاون وتفاهم مع دول منطقة الساحل والصحراء، ونثمن جهوده في تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في هذه المنطقة المهمة»،» أو عندما عبر عن تعاطفه مع «»أبنائكم الذين قدمتموهم من أجل الساحل««…
في اللغة الديبلوماسية المباشرة لا يمكن أن تغفل الذائقة السياسية عبارات بنائية، من قبيل »الواجب الاستراتيجي..« في الدفاع عن العلاقة المشتركة أراد ماكرون أن تصلنا فكرته عن كتاب جديد مكتوب بحروف واضحة ينظر إلى الماضي بنباهة ولكنه كتاب بين صفحاته سبيل متوجه إلى المستقبل ..ببراعة تلميذ الفيلسوف بول ريكور، أعطى طعما خاصا لخطاب رئيس الدولة الفرنسية، *التي لم نعد، طوال سنوات ، نسمع صوتها الممتع .. وصوت العقل الذي يجمع بين رياضيات الديكارتية وتطويحات اندري مالرو!