انتهى السباق الرئاسي الأميركي بإعلان دونالد ترامب فوزه، ليصبح ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يعود لولاية غير متتالية بعد غروفر كليفلاند في أواخر القرن التاسع عشر. بهذا الإنجاز، يسطر ترامب اسمه كالرئيس السابع والأربعين، ويتوج مساراً مثيراً في تاريخه السياسي، حيث تمكّن من تجاوز العوائق القانونية التي واجهته، ونجح في إقناع الناخبين بقدرته على فهم تحدياتهم اليومية.
على الرغم من مسار حملته المعقد والمتخلل بمحاكمات جنائية واتهامات متكررة، استطاع ترامب الوصول إلى النصر عبر فوزه بالولايات المتأرجحة مثل كارولاينا الشمالية وجورجيا، وحسم معركة بنسلفانيا التي أعطته دفعة نهائية في المجمع الانتخابي. هذا النصر السريع لترامب لم يكن مقتصراً على كرسي الرئاسة فحسب، بل امتد ليشمل استعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ، مما يعزز من سيطرته السياسية ويزيد من تأثيره على القرارات التشريعية في الفترة المقبلة.
ومع إعلان ترامب فوزه، بدأت مشاهد الاحتفالات لأنصاره في مختلف المدن الأميركية، فيما تراجعت منافسته الديمقراطية كامالا هاريس التي لم تنجح في كسب تأييد كافٍ لمنافسته. وكان فوز ترامب، للمرة الثانية، ضد منافِسة امرأة؛ فبعد هزيمته لهيلاري كلينتون في عام 2016، هزم هاريس في هذا السباق، مما يعزز من أسطورته السياسية المتفردة ويجعل من عودته للرئاسة حدثاً غير مسبوق.
تحديات داخلية وسياسات خارجية تثير القلق
رئاسة ترامب الثانية تطرح تساؤلات جادة حول مستقبل الولايات المتحدة ودورها الدولي، إذ أعلن في حملته عن خططٍ جديدة للتعامل مع ملفي الهجرة والتغير المناخي، ووعوداً بترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين، ما أثار مخاوف واسعة من تزايد الانقسامات الداخلية. وعلى الصعيد الخارجي، تعهد ترامب بإنهاء الدعم العسكري لأوكرانيا وإنهاء النزاعات في الشرق الأوسط، واصفاً سياساته بأنها “الأكبر” في تاريخ الولايات المتحدة.
وفي أولى تصريحاته بعد الفوز، دعا ترامب إلى الوحدة وتجاوز الانقسامات، إلا أن تصريحاته الحادة خلال الحملة الانتخابية تجاه خصومه السياسيين والمهاجرين تثير تساؤلات حول مدى تحقيق هذه الدعوة. كما يُتوقع أن تشهد فترة حكمه الثانية سياسات مشددة ضد المناخ، حيث أعلن عزمه على إنهاء اتفاق باريس للتغير المناخي والسعي لتعزيز إنتاج النفط مهما كلف الأمر، ما قد يضع الولايات المتحدة على مسار مختلف تماماً عن التوجهات العالمية لمكافحة التغير المناخي.
تحالفات مع رجال أعمال وتحديات قانونية
ومن بين الخطط التي أعلنها، قرر ترامب إسناد أدوار كبيرة لأصدقاء وحلفاء مؤثرين في عالم الأعمال، وعلى رأسهم إيلون ماسك الذي كان داعماً بارزاً للحزب الجمهوري خلال حملته الانتخابية. غير أن عودته للبيت الأبيض تصاحبها متاعب قانونية، إذ من المقرر أن يصدر حكم في إحدى قضاياه في 26 نوفمبر، حيث يواجه احتمال السجن، ما يضيف طبقة من التعقيد على مستقبل رئاسته وكيفية تعامله مع خصومه السياسيين.
تأثيرات على الساحة الدولية
على المستوى الدولي، بدأت ردود الفعل تتوالى من القادة حول العالم، إذ أرسل العديد من الرؤساء رسائل التهنئة للرئيس المنتخب. غير أن عودة ترامب للبيت الأبيض تثير القلق لدى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، خصوصاً في أوروبا، الذين استعدوا لمثل هذا السيناريو منذ أشهر. فترامب، الذي طالما تبنى خطاباً يهدد بقطع العلاقات العسكرية والاقتصادية مع الحلفاء، يُتوقع أن يعيد النظر في الشراكات الدولية ويعزز من سياسة “أميركا أولاً” التي انتهجها خلال ولايته الأولى.
في الختام، ومع التحضير لأداء اليمين الدستورية في يناير المقبل، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن إدارة ترامب من تجاوز الانقسامات الداخلية وإعادة توحيد الأمة؟ وهل سيتمكن من إحداث التغيير الجذري الذي وعد به خلال حملته الانتخابية؟ هذه التساؤلات تضع الإدارة المقبلة أمام تحديات حقيقية، خاصة مع ارتفاع مستوى الترقب المحلي والدولي لما ستسفر عنه هذه الولاية الثانية.
تعليقات
0