لا‭ ‬أريد‭ ‬خارطة‭ ‬تفصيلية‭ ‬للعلاقة،‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬تداعيات‭ ‬فقط‭ ‬أعادتني‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬البعيدة‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬زواج‭ ‬السياسة‭ ‬بالجمر،‭ ‬حين‭ ‬وقف‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬بوعبيد‭ ‬ليحيي،‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬السياسي‭ ‬المقدم‭ ‬إلى‭ ‬المؤتمر‭ ‬الاستثنائي‭ ‬المرجعي‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬الحركة‭ ‬الاتحادية‭ ‬وعموم‭ ‬الديموقراطيين‭ ‬التقدميين،‭ ‬المجاهدين‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬والجيش‭ ‬المغربي‭ ‬العائد‭ ‬من‭ ‬الجولان‭.‬

وقف‭ ‬ليبعث،‭ ‬باسم‭ ‬المؤتمر‭ ‬الاستثنائي،‭ ‬وبإجماع‭ ‬أعضائه،‮«‬‭ ‬تحية‭ ‬أخوية‭ ‬إلى‭ ‬المجاهدين‭ ‬الصحراويين‭ ‬الذين‭ ‬تصدوا‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسبانية‭ ‬بشجاعة‭ ‬مثالية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬حيى‭ ‬بنفس‭ ‬الحرارة،‭ ‬الجيوش‭ ‬المغربية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬‮(‬كذا‮)‬‭ ‬التي‭ ‬بعدما‭ ‬قامت‭ ‬بواجبها‭ ‬بجانب‭ ‬أشقائنا‭ ‬السوريين‭ ‬والمصريين،‭ ‬على‭ ‬جبهتي‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬تنتظر‭ ‬القيام‭ ‬بواجبها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬أقاليمنا‭ ‬المغتصبة‮»‬‭…‬

سيواصل‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المحررة،‭ ‬بعد‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬ما‭ ‬بدأه‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬وفي‭ ‬صحراء‭ ‬سيناء‭..‬

لم‭ ‬تحتفظ‭ ‬سوريا،‭ ‬الأسد‭ ‬الأب،‭ ‬سوى‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬بالود،‭ ‬فبعد‭ ‬خطاب‭ ‬لحافظ‭ ‬الأسد‭ ‬الذي‭ ‬يشيد‭ ‬بالمغاربة‭ ‬وجيشهم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الجولان،‭ ‬وإطلاق‭ ‬اسم‭ ‬التجريدة‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬من‭ ‬ساحات‭ ‬سوريا،‭ ‬انقلب‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭.‬

ساند‭ ‬النظام‭ ‬ميلاد‭ ‬جمهورية‭ ‬تيندوف،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬الأنظمة‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬اعترف‭ ‬بالكيان‭ ‬الوهمي‭ ‬في‭ ‬أبريل1980،‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يخوضها‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬ويسقط‭ ‬فيها‭ ‬أبناؤنا‭ ‬البواسل‭ ‬برصاص‭ ‬المرتزقة‭ ‬والجيش‭ ‬الجزائري،‭ ‬كما‭ ‬سقط‭ ‬الجولان‭ ‬برصاص‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭…‬

اختار‭ ‬نظام‭ ‬دمشق‭ ‬الحليفَ‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬المعتدي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدم‭ ‬المغربي‭.‬

جرت‭ ‬مياه‭ ‬ودماء‭ ‬كثيرة‭ ‬تحت‭ ‬جسر‭ ‬الزمن‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬الجولان‮..‬‭ ‬إلى‭ ‬أيام‭ ‬الجولاني،‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬دمشق‭ ‬ـ‮…‬‭ ‬‮(‬فاتحا‮)!‬

كان‭ ‬المغرب‭ ‬يواصل‭ ‬معركته‭ ‬لتحرير‭ ‬أرضه‭ ‬بمواطنيه‭ ‬ومجاهديه‭ ‬الصحراويين،‭ ‬وكان‭ ‬ينتظر‭ ‬عودة‭ ‬جنوده‭ ‬من‭ ‬الجولان‭ ‬ومصر‭ ‬ليقوم‭ ‬بمهام‭ ‬التحرير‭ ‬والتحصين‭ ‬‮..‬

وربط‭ ‬المناضلون‭ ‬بين‭ ‬التحريرين‮!‬

وبقي‭ ‬المغرب‭ ‬كذلك‮..‬

لكن‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتربصون‭ ‬به‮.‬‭ ‬ربما‭ ‬كانوا‭ ‬سيهاجمون‭ ‬المغرب،‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬جيشه‭ ‬عاد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الجولان‭ ‬أو‭ ‬مصر‮.‬

سألني‭ ‬ضابط‭ ‬سابق‮:‬‭ ‬من‭ ‬يضمن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬تربى‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬العدو‭ ‬التقليدي‭ ‬رقم‭ ‬واحد،‭ ‬لن‭ ‬يجتاح‭ ‬حدودنا‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬جيشنا‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الجولان؟

سؤال‭ ‬شبه‭ ‬فلسفي‭ ‬وفيه‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬التاريخي‭ ‬والسياسي،‭ ‬لكنه‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬غصة‭ ‬لم‭ ‬تنس‭…‬

تواصلت‭ ‬السياسة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولم‭ ‬ينس‭ ‬المغرب‭ ‬وحدة‭ ‬سوريا‭ ‬وطموحها‭ ‬ومجدها‭…‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يصدق‭ ‬أبدا‭ ‬نظاما‭ ‬دعم‭ ‬الجمهورية‭ ‬الوهمية،‭ ‬وظل‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬الجولان‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال‮.‬‭ ‬أي‭ ‬1974‮!‬

أما‭ ‬حكاية‭ ‬الممانعة‭ ‬سيقول‭ ‬التاريخ‭ ‬فيها‭ ‬كلمته‮..‬

ربطنا‭ ‬بين‭ ‬التحرير‭ ‬شرقا‭ ‬والتحرير‭ ‬جنوبا‭ ‬لأن‭ ‬المغرب‭ ‬صادق‭ ‬في‭ ‬الحرية‮!‬

وفي‭ ‬التراب‮.‬

‭ ‬ولمن‭ ‬يسعون‭ ‬جاهدين‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬مجال‭ ‬وحيد‭ ‬للحرية‭: ‬إما‭ ‬الاستبداد‭ ‬أو‭ ‬الفوضى‭ ‬وضياع‭ ‬التراب،‭ ‬نقول‭ :‬

لم‭ ‬نكن‭ ‬أبدا‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬تحرير‭ ‬أرضنا‭ ‬يتطلب‭ ‬تأجيل‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬لهذا‭ ‬ربط‭ ‬المناضلون‭ ‬الأوائل‭ ‬بين‭ ‬التحرير‭ ‬والديموقراطية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬النمو‭ ‬وتوزيع‭ ‬الثروة‭ ‬بعدل‮.‬

وقال‭ ‬الاتحاد‭ ‬بأن‭ ‬تحرير‮.‬‭ ‬الأرض‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬توسيعا‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية،‭ ‬لأجل‭ ‬الاستعباد،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تحرير‮.‬‭ ‬الأراضي‭ ‬فيه‭ ‬توسيع‭ ‬لمجال‭ ‬الديموقراطية‮..‬

لا،‭ ‬ليس‭ ‬المجال‭ ‬الوحيد‭ ‬للسوريين‭ ‬هو‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬الاستبداد‭ ‬أوالمليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬والتدخل‭ ‬الأجنبي‮.‬

بل‭ ‬كان‭ ‬الدرس‭ ‬العميق‭ ‬لمغرب‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الجدلية‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الحرية‭ ‬والوطن،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬ثقافتنا‭ ‬أن‭ ‬يتنازل‭ ‬لشعبه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬كله‮!‬

  [email protected]